تخاريف رجل المخابرات
ليست المشكلة في أن مسؤولاً كبيراً سابقاً، في المخابرات المصرية، يخرج على الناس بكلام تخجل منه الخرافة نفسها. الرجل، الذي عمل وكيلاً لجهاز المخابرات، يدلي بأقوالٍ إن صحت تستوجب محاكمة كل القيادات المسؤولة، إذ، لأول مرة، يعترف مسؤول بهذا الحجم بخيانة العهد واليمين القانونية التي أدتها قيادات الدولة أمام رئيس الجمهورية المنتخب.
ويقول الرجل، بكل فخر، إنه طلب من رئيس جهاز المخابرات، الذي عيّنه رئيس الجمهورية، أن ينسى اليمين التي أداها.
سألت صحيفة "الوطن" ماذا عن دور المخابرات، وفترة حكم الرئيس المعزول، محمد مرسي، وتحديداً في إطار محاولات اختراق الجهاز، واستبعاد أسماء بعينها من المسؤولين عن ملفات النشاط الديني؟
فردّ اللواء وكيل المخابرات: قلت للواء رأفت شحاتة، وقت أن تولى مسؤولية الجهاز، أن يصلّي ركعتين، ويستغفر الله وينسى القَسَم، الذي حلفه أمام مرسي عند توليه الجهاز، لأن "هذا الحلفان مش بتاعنا".
وإذا كان كثيرون قد أفاضوا في تناول هذه الاعترافات الخطيرة، باعتبارها دليل براءة الرئيس مرسي من تلال من القضايا، التي صنعت له بعد الانقلاب العسكري، وإذا كان آخرون قد رأوا في هذه الأقوال دليلاً على هزلية وهزال مؤسسات الدولة في مصر، فإن أخطر ما في المسألة أنها تكشف عن عمليات استباحة تاريخ البلاد وتحويله إلى مجموعة من القفشات و"الإيفيهات" الصالحة للبيع في وسائل الإعلام، على طريقة السينما التجارية والمذكرات السياسية اللاذعة.
وما دام الأمر كذلك، يصبح طبيعياً، هنا، أن يعمد المتكلمون إلى وضع كميات هائلة من البهارات والنكهات الحريفة، ما دامت معدة المستهلك تمّتْ تهيئتها لإدمان هذا النوع من الوجبات المعلوماتية المسمومة.
إننا أمام حالة من "الكذب القومي المنهجي" في فترةٍ يجري فيها احتقار الحقائق وافتراس الحقوق الخاصة والعامة، يستوي في ذلك مسؤول يجلس على قمة هرم السلطة، وموظف كبير متقاعد. وما دام الموضوع هو محمد مرسي وجماعته، فالكذب يصبح مشروعاً وعملاً وطنياً، بل إن من الإعلاميين مَنْ لا يجد حرجاً في أن يعترف لجمهوره باستخدام الكذب والتلفيق كسلاح في الحرب العنصرية البربرية على المخالفين والمعارضين.
وفي مثل هذه الحوارات، لا تغيب الكوميديا بالطبع، إذ يقول الرجل الشيءَ ونقيضه، فمحمد مرسي، في نظره، باع أسرار بلده إلى تركيا وقطر، ثم بعد سطر واحد تسأله الصحيفة: هل حصل مرسي على تقارير سيادية من الجهاز، وتصرف عكسها؟
فيجيب الرجل بكل فخر: المخابرات العامة المصرية لم تعط شيئاً حقيقياً لمستر مرسي! قولاً واحداً فاصلاً.
ولأن محمد مرسي وكل المعتقلين لا يستطيعون الكلام، ولا يملكون ربع فرصة للرد، فلا سقف للاختلاق والتلفيق وسوق الخرافات والحكايات الملونة بأصباغ زاعقة من الركاكة وانعدام المنطق.
على أن مسألة إغراق الناس في الحكايات والقصص الخيالية لا تتوقف على الرسميين في الدولة فقط، إذ يبدو أن جمهور الانقلاب، عن بكرة أبيه، يتعاطى هذا النوع من كبسولات الدجل، وكأننا بصدد حملة قومية للتطعيم ضد العقل وضد المنطق وضد الحق وضد العدل.
لكن، من الظلم أن نعتبر هذه الحالة مقصورة على النظام المصري فقط، إذ يبدو النظام الدولي، بزعامة واشنطن، ممارساً هذا الدجل، أيضا، في ما يخص استخدام الحرب على داعش، كمشروع مضمون الأرباح الاقتصادية والسياسية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق