د. ديمة طارق طهبوب
كم سمعناها من الفقراء و الضعفاء عندما يسألون ما حلمك فيقول الواحد منهم: أعيش مستورا و أموت مستورا؛ و منها اكتسب المعنى صفة الخنوع و الذلة ، و ظهر المثال تلخيصا لتراكم التجربة: امش الحيط الحيط و قول يا رب الستر! نصحا مُذلا في المزيد من خفض الرأس و إذلال النفس و إهراق الكرامة!!!
في غزة تختلف المفاهيم و المعاني و المباني و البشر الحاملون لها و المتمثلون بها ؛ فالستّير من صفات الله و لا يمكن أن يحمل معاني و ظلالا سلبية ، و دعاء الصالحين بالستر فوق الأرض و تحت الأرض و يوم العرض يؤكد أن معاني الستر و السترة إيجابية قلبتها الشعوب لاستمراء العيش في الظل، و الاختباء في الخفاء!!!
في غزة يبدو أن الشهداء يختارون هيئتهم التي سيلاقون الله عليها، يحضرون أنفسهم لتلك الساعة و ذلك الحدث حتى إذا ما حانت الساعة صعدت أرواحهم إلى بارئها بأجمل الصور.
و نظرة واحدة إلى صور الشهداء تبين أن العدو ربما يهاجمهم على حين غرة إلا أن نفوسهم و أجسادهم في استعداد دائم لذلك اللقاء المرتقب في مدينة تعرف من قصص الشهداء و كراماتهم ما يثبت القلب و يجعل أمنياته في موت بذات الشكل.
يبدو الاستعداد في حالة النساء أكثر؛ فالستر للمرأة قيمة سامية، امرأة عاشت بستر الله الحافظ في أبهى و أكمل صورة ستقلق كثيرا حول خاتمتها لتحاول بقدرتها البشرية أن تحكم كل التفاصيل التي تضمن خاتمة على نفس المبدأ لتعيش بستر الله و تموت عليه.
الحجاب محكم الربط و كأنه خوذة حرب لا ليحمي الرأس من إصابة قاتلة و لكن ليحمي الطهر من مجرد أن ينكشف، الجلباب مسبل، و السروال من تحته، و الجوارب و كل لأمة الحرب و دروعها لبستها تلك المرأة الغزية، لتقول للعالم نحن نختار ميتتنا بأدق تفاصيلها، و العالم الذي يسلبنا أرواحنا لن يسلبنا طهرنا و لن يدنس و لو ذرة من شرف نسائنا، بنو قينقاع منذ ردهم رسول الله و صحابته لن يدوسوا على رداء امرأة مسلمة، و غزة تحفظ ذلك العهد من الستر و الطهر.
كان لتلك المرأة ما أرادت؛ فالله قبل وديعتها في النفس و الجسد فلاقته بأجمل ما تكون هيئة المرأة المسلمة بينما بناتنا ما زلن ينتقصن من لباس الستر فيلبسن للصلاة رداء، و يخرجن إلى الشارع بمنظر مع أن الله معهن في كل وقت و مكان.
لك الله يا غزة، لكم الله يا أهل غزة، لكن الله يا نساء غزة؛ فقد وصلتم علياء لا يشارككم فيها أحد، و ضربتم مثالا لن يستطيعه غيركم أحد.
عندما يكون حلمك أن تموت مستورا تذكر نساء غزة و اختر لنفسك ميتتك.
اللهم استر عوراتنا و آمن روعاتنا .
د.ديمة طارق طهبوب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق