الأربعاء، 10 سبتمبر 2014

أحسن من سورية و"العيراء"

أحسن من سورية و"العيراء"

وائل قنديل


كل شيء مؤجل في مصر كي لا تتحول إلى سورية أو العراق، لا حريات سياسية واجتماعية، لا تحسن في الأحوال المعيشية، لا عدالة أمام القضاء، لا كلام عن استحقاقات ووعود جاء وقت الوفاء بها.
منطق السلطة الآن: إنس كرامتك وحريتك ويكفي أنك لا تزال على قيد الحياة.. أغلق فمك ولا تنطق حتى لا تصبح مصر مثل سورية والعراق "العيراء" كما يتندر جمهور النكتة المصرية على طريقته الطرية في نطق الكلمة" فإذا شكوت من ظلام دامس سيكون الرد أن اشكر ربك ورئيسك على أنها لم تصبح مثل سورية والعراق،وإذا تجرأت وأعلنت تبرمك من انفلات جنوني للأسعار ستسمع الرد ذاته، وإن تماديت ستواجه تهمة أنك " إخواني داعشي إرهابي خائن عميل".
وفي وطن يصل فيه الحاكم إلى قمة السلطة عبر "صندوق الذخيرة" من الطبيعي للغاية أن يكون الخوف هو متن الدستور وديباجته، بحيث تبقى الجماهير حبيسة هذا الرعب طوال الوقت، الرعب من الفقر ومن الغزو الخارجي وقبلهما من الإرهاب.
لقد استحضروا الإرهاب وحضّروه عقب الانقلاب مباشرة، صنعوه على أعينهم واستثمروا فيه وبه، وأقاموا "جمهورية الخوف" ومن ثم يرتفع سعر الأمن ويصبح ذلك "القوي الجبار" هو المطلب حتى وإن كان سفاحا وقاتلا وسافكا للدماء، هكذا تفعل الثورات المضادة والانقلابات دائما، بحيث إذا نظرت إلى وضع مصر الآن ستشعر أنك تقرأ في تاريخ الثورة الرومانية، وترى "إيون اليسكو" يتحرك أمامك ويخطب في الجماهير ويبتزها ويدغدغ مشاعرها ويستصرخ غريزة الخوف لديها، من أعداء الداخل "الشعب الثائر المعارض" وأعداء الخارج، كل من لا يصمت على المذابح والمجازر وكل من يأسف لوقوع ضحايا.
والآن هبط مشروع الاستثمار في "داعش" عليهم كهدية من السماء، وبعد أن كانوا يستجدون مبادرات المصالحة الوطنية الزائفة، عادوا للغطرسة وممارسة إرهاب الدولة، ونزلت الأحكام القضائية المشددة تترى على المعارضين، وانفتحت مجددا قواميس الاتهامات بالعمالة والخيانة للوطن.
وبالتوازي مع ذلك تجري عملية ابتزاز الجموع ماديا، من خلال تصنيع نموذج مشوه من "حلم قومي" وتخليق نسخة زائفة من "مشروع وطني" يداعب العواطف الوطنية ويلعب بالعقول التي صارت غير قادرة على التمييز من كثرة ما عبئت به من أوهام وأساطير وأكاذيب.
ومن المفترض في أجواء معبأة بأدخنة الدجل وأتربة الخرافة إلى هذا الحد، أن يسطع دور العلماء لإنقاذ الجماهير من هذا البؤس القومي، لذا أسرعت سلطة الخرافات إلى استجلاب طبقة العلماء لتزين مجلس الحاكم، وتمنح هذا الجنون غلالة من العلمية المزيفة، بحيث يبدو في النهاية أن القائد الذي يسيطر على الجموع بمقولات وشعارات أقرب إلى الشعوذة السياسية الحماسية، يحترم العلم والعلماء، على الأقل على شاشات التلفزة وصفحات الجرائد.
ويا لها من مفارقة مضحكة: أن يكون داخل سجون سلطة الانقلاب مئات من العلماء وأساتذة الجامعات المصريين، في اللحظة التي تهرف فيها بحديث عن احترام العلم كمنهج والعلماء كمصابيح تضيء للأمة مستقبلها، وتستدعي مجموعة من "علماء السلطان" لالتقاط الصور.
 إن اقتياد عالم ومفكر بقيمة الدكتور سيف الدين عبد الفتاح إلى التأديب أمام جامعة القاهرة اليوم، بتهمة معارضة النظام، وفي التوقيت ذاته الذي يضع فيه السلطان "حفنة" من العلماء اللامعين في عروة الجاكيت، يعني بلا أدنى مواربة أن هذا نظام يحتقر العلم لكنه لا يمانع في امتطاء العلماء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق