الأحد، 14 سبتمبر 2014

عن التنظيم الذي يحارب العالم أجمع


عن التنظيم الذي يحارب العالم أجمع
ياسر الزعاترة

لم يعرف التاريخ الحديث تنظيما تمكّن من جمع كل المتناقضين في مواجهته والهجوم عليه، كما هو الحال مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، أو «الدولة» كما يحب أنصارها أن يسمّوها تبعا لحصولها على بعض معالم الدول من حيث الأرض والسكان والقوة المسلحة، وإن لم تحظ باعتراف من أحد.

هل قصد التنظيم ذلك، أم هي الظروف التي وضعته في هذا المربع؟ لا توجد إجابة حاسمة، وإن بدا من بعض مفردات خطابه أنه لم يتجنب ذلك اعتقادا من قيادته بالقدرة على مواجهة العالم أجمع والانتصار في المعركة من أجل استعادة الخلافة الإسلامية كما في عصورها الأولى، مع أن سيرة نبينا عليه الصلاة والسلام في حروبه كانت تتمثل في التدرج والعمل الحثيث على تفكيك الجبهات المقابلة.
هذا الواقع الذي يعيشه تنظيم الدولة يؤكد ابتداء عبثية تلك التنظيرات التي نسبته إلى هذه الجهة أو تلك، إن كانت إيران أم النظام السوري، فضلا عن أميركا وإسرائيل كما في بعض تجليات خطاب حلف إيران السابق، والذي أخذ يتغير مؤخرا بالحديث عن لقاء ضمني مع «الأميركي والإسرائيلي» كما ذهب الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله مؤخرا، وكما في الكثير من أدبيات الحزب في الفترة الأخيرة.
والنتيجة أننا إزاء تنظيم لا ينتسب لأحد، وهو متفرد بالفعل، من دون أن ينفي ذلك أن بدايته الأولى (تنظيم التوحيد والجهاد بزعامة الزرقاوي) قد حظيت بقوة دفع رسمية وشعبية كبيرة تبعا لمواجهته مع مشروع الغزو الأميركي، شعبية من مشايخ وموسرين، ورسمية من بعض الأنظمة الخائفة من الغزو، ومن ضمنها النظام السوري للمفارقة، وربما أنظمة خليجية أيضا، فضلا عن إيران التي كانت سعيدة بوجوده لذات السبب ممثلا في إفشال مشروع الغزو الذي كان يستهدفها.

هنا نفتح قوسا لنشير إلى فضيلة كبيرة للتنظيم ممثلة في مساهمة كبيرة في إفشال مشروع رفع شعار «إعادة تشكيل المنطقة» كغطاء لتمرير الهيمنة الصهيونية عليها، وبالطبع بعد ترتيب تسوية للقضية الفلسطينية تلبي الطموحات الصهيونية في أعلى تجلياتها بعد فشل مشروع أوسلو في تحقيق المطلوب.

الآن، وفي تجلياته الأخيرة دخل التنظيم في حروب وتناقضات مع الغالبية الساحقة من الدول والتنظيمات بكل تناقضاتها، ويكفي أن تتابع على سبيل المثال حساب المسؤول الشرعي لجبهة النصرة التي تنهل من ذات المرجعية الفكرية (السلفية الجهادية) على موقع «تويتر» لترى كيف أنه الأكثر هجاءً للتنظيم وتحذيرا للأمة منه ومن غلوه، ويكفي أن ينحاز ضده تبعا لذلك أغلب رموز التيار السلفي الجهادي، من المقدسي إلى «أبو قتادة»، وقبلهم حشد من شيوخ التيار في الخليج، يكفي ذلك كي ندرك هذا البعد.

إلى التيار السلفي الجهادي، نجد أن التيارات الإسلامية الأخرى لا تبتعد كثيرا في الموقف من التنظيم، وإن بدت أقل حدة تبعا لوجود معارك أخرى تشغلها، وفي العموم تقف غالبيتها، بما في ذلك العلماء المستقلون في ذات المربع من دون أن يكون لهم أو لها معارك مباشرة معه كما جبهة النصرة مثلا، والسبب يتمثل في أنها تراه خطرا على المشروع الإسلامي من حيث تشويهه لمنطلقاته ولصورة الدين أمام العالم، ومن تابع شيخا مشهورا مثل سلمان العودة مؤخرا لا بد أنه لاحظ كيف تجاوز صمته السابق على التنظيم وشرع يهاجم سياسة الذبح التي يعتمدها، فيما سبقه كثيرون جدا من العلماء، وللمفارقة أنهم ينتمون إلى تيارات متناقضة جدا، إن كانت ضمن التيار السلفي نفسه، أم الإخواني، أم الصوفي أم الأزهري إلى جانب المستقلين.

في المعسكر الشيعي نجد العداء مستشريا على نحو جنوني لتنظيم الدولة، وهو أمر مفهوم بطبيعة الحال، ويشمل ذلك جميع التناقضات في المعسكر المذكور، بما فيها المعادية للمشروع الإيراني. في التيارات الأخرى غير الإسلامية، نجد أيضا عداء واضحا للتنظيم، من اليساريين ومن القوميين، وهؤلاء للمفارقة كانوا مؤيدين له أيام مواجهته مع الغزو الأميركي للعراق، لكنهم اليوم لا يجدون حرجا في دعم الضربات الأميركية التي توجّه له، من دون أن ننسى أن هؤلاء جميعا يعادون التيار الإسلامي برمته، باستثناء الإسلام السياسي الشيعي، وبعضهم ينتمي لأقليات غير مسلمة.

نبقى في الإطار الشعبي، وهنا نفتح قوسا لنشير إلى أن حيرة تنتاب الجماهير حيال التنظيم، أقله الغالبية السنيّة، فهي من جهة ترتاح لمواجهته مع إيران وحلفها بعد غرورها وغطرستها، لكنها من جهة أخرى لا ترتاح لممارساته، وتحتار أيضا في هويته.

على الصعيد الرسمي، يمكن القول إن التنظيم قد جمع في مربع العداء له جميع المتناقضات أيضا، أكان من الأقطاب الدولية الكبرى، أم من الدول الإقليمية، أم الدول العربية، إذ إنها جميعا تناصبه العداء، على تفاوت في منسوب الترجمة لذلك العداء كفعل على الأرض.
والسؤال الذي يطرح نفسه بطبيعة الحال هو: هل يمكن لتنظيم لديه كل هؤلاء الأعداء أن يواصل تقدمه، أم سيأخذ في التراجع بمرور الوقت، وصولا إلى تلاشيه أو تحوله إلى تنظيم سري يضرب هنا وهناك من خلال أدوات العنف الرخيص المتاحة من تفخيخ وتفجير؟

الجواب أنه سيبقى ما بقيت الأسباب التي منحته قوة الدفع، وهي: غرور إيران وغطرستها (في العراق وسوريا وسواهما)، هجمة الأنظمة على ربيع العرب و»الإسلام السياسي المعتدل»، ومن ضمن ذلك سياسة القمع والانسداد السياسي في دول عديدة، وربما بدرجة أقل الدعم الغربي للكيان الصهيوني.

• @yzaatreh

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق