السبت، 14 مارس 2015

تحقيق: دور بلير في تضخيم إمبراطورية الطاقة الإسرائيلية وفرض التبعية على مصر 1/2


تحقيق: دور بلير في تضخيم إمبراطورية الطاقة الإسرائيلية وفرض التبعية على مصر 1/2



كتب المحقق الصحفي "نافيز أحمد" مقالا مطولا نشره موقع "عين على الشرق الأوسط" يكشف فيه دور توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق، في تضخيم إمبراطورية الطاقة الإسرائيلية وتعزيز اعتماد دول الجوار العربي عليها.
وقعت مصر هذا الأسبوع صفقة مهمة بقيمة 12 مليار دولار مع شركة البترول البريطانية (BP) لتطوير مصادر الغاز الطبيعي البحرية في البلاد. ويهدف مشروع دلتا النيل الغربية لجلب الغاز البري للاستهلاك المحلي في غضون عامين، وذلك للمساعدة في حل أزمة الطاقة الحاليَة في البلاد.

لكن صفقة شركة BP، التي تضم أيضا شركة أخرى بريطانية، مجموعة BG و RWE التي يملكها ملياردير روسي، هي واحدة، فقط، من مجموعة اللاعبين في مجال الطاقة على امتداد أنحاء المنطقة، بما في ذلك إسرائيل. وحتى رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، ممثل الرباعية ومبعوث الشرق الأوسط حاليا، هو ضالع أيضا في هذه اللعبة بشكل عميق.

وقد ألقت مصادر رسمية الضوء على الدور الذي تقوم به موارد الغاز الفلسطيني في المخطط المدعوم دوليا لتسهيل الصادرات الإسرائيلية إلى الأنظمة العربية المجاورة. وأكدت، هذه المصادر، أن الصفقة المصرية، التي أشار إليها الكاتب في مقدمة مقاله، هي جزء من إستراتيجية أوسع لاستخدام الغاز في قطاع غزة لتهدئة الرأي العام العربي وتعزيز اعتماد الطاقة العربية على إسرائيل.

* فتح منطقة البحر الأبيض المتوسط:

منذ تولي قائد الجيش اللواء عبد الفتاح السيسي السلطة في نوفمبر عام 2013، تدفقت حوالي 2.9 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية إلى مصر لإنتاج الطاقة والاستكشاف. في وقت سابق من هذا العام، أكد مسؤولون في وزارة الطاقة أن ثلاث صفقات نفط وغاز جديدة تبلغ قيمتها مليارات الدولارات يجري التفاوض عليها.

ولكن تغييب التغطية الإعلامية للاتفاق المصري مع شركة BP أمر متعمد للتغطية على شبكة أوسع من صفقات الاستيراد والتصدير، بما يخدم إسرائيل بشكل خاص.

في 8 نوفمبر عام 2014، التقى رؤساء مصر واليونان وقبرص في القاهرة لإجراء محادثات بشأن مكافحة الإرهاب واستغلال احتياطيات النفط والغاز شرق المتوسط. وأسفر الاجتماع عن توقيع اتفاق بشأن التعاون الإقليمي، خصوصا ما تعلق بنقل موارد الطاقة في المنطقة إلى الأسواق الأوروبية.

وأكدت مصادر حضرت الاجتماع أنه كان مقدمة لمناقشات الثلاثية المستقبلية بمشاركة إسرائيل، وأن الهدف هو تهميش الجهود التركية للوصول إلى الودائع التي تطالب بها قبرص.

* تعزيز صادرات إسرائيل:

لكن الاتفاق الجديد لم يكن منصبا على تطوير احتياطيات مصر من الغاز المحلي، وفقط، وإنما هو أيضا عن استيراد مصر من "طرف ثالث".

"تعمل مجموعة BG مصر عن كثب مع الحكومة المصرية وشركائنا لتمكين زيادة إمدادات الغاز من طرف ثالث إلى البلاد، وهو ما يعكس تقديرنا لحاجة البلاد للطاقة"، وفقا لما صرح به متحدث باسم مجموعة BG، وأضاف: "هذه الاتفاقات ستمكن من تطوير وتوزيع كميات إضافية من الغاز على سوق الغاز المحلي في مصر، من خلال الاستفادة من مجموعة BG مصر والبنية التحتية البرية والبحرية لشركائنا في المنبع".

وهذا الطرف الثالث هو إسرائيل. في يونيو من العام الماضي، وقعت مجموعة BG خطاب نوايا غير ملزم مع شركة "نوبل انرجي وديليك" لإرسال 7 مليارات متر مكعب من الغاز من حقل "ليفياثان" للغاز الذي استولت عليه إسرائيل)وهو حقل غاز يقع في شرق بحر المتوسط، وتستخرج إسرائيل الغاز منه تمتلك شركة "نوبل إينرجي" حصة 39.66% من هذا الحقل( إلى محطات مجموعة BG في شمال مصر على مدى 15 عاما.

قبل فترة وجيزة من القيام بذلك، زار وفد رفيع من المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية القاهرة في أوائل عام 2014، وفقا لمصدر رفيع في الحكومة المصرية، لتثبيت اقتراح تصدير الغاز مع نظرائهم المصريين.

وفي الوقت الذي وقعت فيه مجموعة BG خطاب النوايا مع شركة الطاقة الإسرائيلية "كونسورتيوم"، شنت إسرائيل غاراتها الحربية على غزة: عملية "حافة واقية". وحتى مع استئناف قصفها الجوي ضد حماس بعد فشل متوقع لوقف إطلاق النار بوساطة مصرية، كان مسؤولون إسرائيليون ومصريون يجرون محادثات سرية بشأن بيع ما قيمته 60 مليار دولار من الغاز الإسرائيلي إلى مصر.

ولم يقتصر التركيز في هذه الصفقات على تلبية الطلب المحلي للغاز في مصر، وفقط، ولكن أيضا على تمكين إسرائيل من التصدير إلى الأسواق العالمية. ديفيد شريم، مدير الحافظة في مؤسسة "سفيرا فاندز مانيجمنت ليميتيد"، وصف الصفقات بأنها "أول صفقة كبيرة للتصدير الإقليمي ... من هذه المصانع للغاز الطبيعي المسال المزروعة مصر، يمكن للغاز الإسرائيلي أم يصل الأسواق الأوروبية والآسيوية".

ومنذ ذلك الحين، وفقا لما كشف عنه المصدر الحكومي المصري، عقد مسؤولون من وزارة النفط المصرية عدة اجتماعات في لندن مع ممثلي نوبل، شركة نفط تكساس ومجموعة ديليك، ومقرها في تل أبيب، للتفاوض على اقتراح لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر.

وفي الأسبوع الماضي، قبل الإعلان عن صفقة شركة BP، كان مسؤولو نوبل وديليك في اجتماع لندن مع ممثليBG لتأكيد التزامهم بتصدير الغاز الإسرائيلي إلى محطات الإسالة المصرية في دمياط وإدكو.

وأكثر الضغوط لإبرام الاتفاق أتت من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، رغم تنامي المخاوف في مصر من أنا اتفاقا مع إسرائيل يمكن أن يزيد من المخاطر الأمنية المحتملة، فضلا عن المعارضة الشعبية لإسرائيل بسبب احتلال فلسطين.

وأكد عاموس هوستين، المبعوث الخاص لوزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الطاقة، فضلا عن رئيس هيئة الطاقة في المفوضية الأوروبية، جونتر اوتينجر، على دورهما في تشجيع أو التوسط لتمرير صفقات تصدير الغاز بين إسرائيل ومصر والأردن وقبرص.

* نهب غزة:

وتكشف وثيقة رسمية من مكتب توني بلير، ممثل اللجنة الرباعية، أن غاز غزة يُهيأ لأن يلعب دورا أساسيا في شبكة تصدير غاز البحر الأبيض المتوسط.

وتحت عنوان: "البعد الفلسطيني في خريطة الطاقة الإقليمية"، وتضم الوثيقة سلسلة من الشرائح التي قدمها مستشار بلير للطاقة، ارييل ازراحي، في مؤتمر النفط والغاز الدولي في إسرائيل، على 20 نوفمبر 2014.

علَم العرض التقديمي على موارد الغاز البحرية في غزة باعتبار أن لديها القدرة على "تحويل قطاع الطاقة الفلسطيني وتعزيز الاقتصاد"، لكنه أضاف أنه "يمكن استكشاف موارد هيدروكربونية إضافية في المستقبل".

ويشير أيضا إلى أن الغاز البحري لغزة ينبغي أن يتم تصديره إلى الأسواق الخارجية، ومع استيراد فلسطين للطاقة يتطلب هذا تلبية الاحتياجات المحلية من الكهرباء من إسرائيل ومصر.

الشبكة الكهربائية، تقول الوثيقة، يجب أن تشهد تحسنا ليس بغرض توزيع أفضل داخليا، وفقط، ولكن أيضا لإقامة "رابط بين الشبكات الإقليمية"، وهذا يعني بالنسبة لغزة "زيادة واردات الكهرباء من إسرائيل ومصر". في حين سوف تعتمد الضفة الغربية على "الكهرباء من إسرائيل والأردن"، بينما يمكن أن يأتي الغاز لـ"قطاع الكهرباء الفلسطيني" من "صفقة ليفياثان مع محطة توليد الكهرباء في جنين".

أما بالنسبة لتطوير الغاز البحري لغزة، فهذا ينبغي أن يكون موجها لـ"مبيعات الغاز"، بدلا من الاستهلاك المحلي، ولكنَ الوثيقة لا تقدم أية تفاصيل عن أسواق التصدير المستهدفة. ولكنه ذكر: "صفقات الغاز الإسرائيلية مع الأردن (شركة الكهرباء الوطنية: البوتاس والبروم) ومصر (BG، يونيون فينوسا، Dolphinus) بالنسبة لحقول تمار وليفياثان".

ورأت الوثيقة في هذا النسيج من علاقات الطاقة على أنه يوفر "فرص التآزر بين الفلسطينيين والإسرائيليين والأطراف الإقليمية الأخرى"، ولكن سيكون موجها، في حقيقة الأمر، لزيادة الاعتماد الفلسطيني في أمن طاقته، بشكل أساسي، على إسرائيل وحلفائها.

القضية الحقيقية هنا هي الرغبة في دمج الغاز الفلسطيني في صفقات التصدير الإسرائيلية، لإضفاء الشرعية عليها أمام الجمهور العربي المعادي. وكما صرح مستشار بلير للطاقة "ازراحي" لصحيفة "هآرتس"، قائلا: "سيكون من الحكمة بالنسبة لإسرائيل أن تراعي، على الأقل، مساهمة البعد الفلسطيني في هذه الصفقات"، وأضاف: "أعتقد أنه من الخطأ بالنسبة لإسرائيل التسرع في إبرام الاتفاقات الإقليمية دون النظر على الأقل للبعد الفلسطيني وكيف يمكن أن يسهم في المصالح الإسرائيلية".

إسرائيل، وبدعم من حلفائها في الغرب، "تريد استخدام الفلسطينيين كورقة في سعيها للانضمام إلى شبكة الكهرباء الإقليمية وجسرا إلى العالم العربي"، عن طريق بيع الغاز الفلسطيني إلى الأسواق المختلفة، أو الترويج لاتفاق مع شركات تطوير حقول تمار وليفياثان الإسرائيلية بما يتيح لها ببيع الغاز الرخيص إلى السلطة الفلسطينية.

وتناقض الوثيقة إنكار توني بلير في الصيف الماضي لتقارير تشير إلى أنه يقدم المشورة إلى قائد الانقلاب المصري عبدالفتاح السيسي بشأن خطة اقتصادية شاملة للبلاد. وتكشف، الوثيقة، أن علاقة مصر في مجالات الطاقة مع إسرائيل وقطاع غزة حاضرة بقوة وغزارة في رؤية بلير للمنطقة.

وقد كان ترتيب بلير للاستشارات المصرية، وفقا لمصادر مطلعة، جزءا من فريق عمل بتمويل من الإمارات والكويت والسعودية. ويبدو أن التسريبات من تسجيلات المحادثات بين كبار المسؤولين في الحكومة المصرية تعزز الاتهامات بأن بلير يعمل بعمق داخل نظام السيسي، بشرط أن يكون تورطه "بشكل غير رسمي".

والخطة لم تُصمم ليستفيد منها الفلسطينيون. وكما أشارت تقارير الصحفي "ديفيد كرونين"، فإن مخطط بلير الشامل لتحديث الاقتصاد الفلسطيني يستهدف "استيلاء الشركات" على الأراضي من قبل المؤسسات التجارية العابرة للحدودة مثل جولدمان ساكس وكوكا كولا ومايكروسوفت، والعمل في تعاون وثيق مع النخبة الفاسدة من رجال الأعمال الفلسطينيين الموالية لإسرائيل. ذلك أن ترتيب إقامة "مناطق اقتصادية خاصة" تمكن من "الاستغلال الذي لا يرحم" للعمالة الفلسطينية بأجور بخسة و"سرقة الأراضي الزراعية".

ورأى الكاتب أن رؤية بلير "للسلام" في الشرق الأوسط ترتكز على القهر: تعزيز سيطرة إسرائيل على فلسطين من خلال تحويل الأراضي إلى مستعمرة بوكالة رأسمالية...   يتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق