بلير حاول إقناعها بتغيير النهج: حماس هي أكبر عقبة أمام نهب إسرائيل والسيسي لغاز غزة 2/2
تحقيق: دور بلير في تضخيم إمبراطورية الطاقة الإسرائيلية وفرض التبعية على مصر 1/2
(2)
* إقرار رسمي:
أشرف على تنظيم مؤتمر إسرائيل عام 2014 حيث قدم مستشار توني بلير للطاقة، ارييل ازراحي، هذا المخطط، شركة بريطانية غامضة، العالمية للنفط والغاز ((UOG، وهي شركة قريبة جدا من الحكومة البريطانية.
ووفقا للتقرير الصادر بعد مؤتمر مجموعة UOG، فإن الحدث رعته، وهذا بصرف النظر عن وزارة الاقتصاد الإسرائيلية، إدارة التجارة والاستثمار في الحكومة البريطانية، الأصدقاء المحافظين لإسرائيل، وزارة التعليم العالي والعلوم في الدنمارك والغرفة التجارية لتكساس وإسرائيل.
في أوائل شهر يونيو عام 2014، قبل ثلاثة أيام من تحويل إسرائيل غزة إلى أنقاض، كان الرئيس التنفيذي لمجموعةUOG، مايكل بيغيلمن، وابنه، كو جوشوا، في زيارة لرام الله بالضفة الغربية في فلسطين، للاحتفال بعيد ميلاد الملكة مجاملة للحكومة البريطانية. وأعلن حينها بيان مجموعة UOG أنه "بعد رحلة ناجحة للتعامل مع مسؤولين فلسطينيين، سوف تعرض مجموعة UOG في العام 2014 فرص النفط والغاز في الأراضي الفلسطينية".
في عام 2011، شارك نائب رئيس الوزراء البريطاني، نيك كليج، في لقاء لجمع التبرعات لجمعية خيرية معروفة بالخدمات الصحية والعناية اليهودية، شارك في تنظيمها مايكل بيغيلمان.
وكان رئيس مؤتمر مجموعة UOG في العالم 2014، الذي احتضنته إسرائيل، الدكتور هارولد فينيغر، كبير العلماء السابقين في شركة "رويال داتش شل" وكبير الباحثين حاليا في عدة شركات إسرائيلية للطاقة، بما في ذلك مبادرات الطاقة إسرائيل IEI، شركة Afekللنفط والغاز و Genieللنفط والغاز.
Afek هي شركة تابعة لـGenie، وهي شركة أمريكية، ونجد في عضوية مجلس إدارتها: نائب الرئيس الأمريكي السابق ديك تشيني، الشركة القابضة للإعلام الدولي لمالكها روبرت مردوخ والمصرفي العالمي اللورد يعقوب روتشيلد. وتعمل شركة Genie حاليَا على التنقيب عن النفط في هضبة الجولان.
وهناك مندوب رئيسي آخر، اليعازر ماروم، نائب الأدميرال قائد سلاح البحرية الإسرائيلية السابق، الذي شارك في عملية الرصاص المصبوب في غزة عام 2008 وكذلك في الهجوم على أسطول الحرية عام 2010، حيث قتل ضباط البحرية الإسرائيلي تسعة مدنيين أتراك وأصابوا عشرات آخرين.
"ماروم" يشغل حاليا منصب كبير مدراء "النورس للأمن البحري"، وهي شركة أمنية إسرائيلية خاصة يعمل بها ضباط الجيش والمخابرات الإسرائيلية السابقين، ويرأس مجلس إدارتها "عامي أيالون"، الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، الشين بيت، وأقامت هذه الشركة شبكة اتصالات وثيقة مع الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية.
وقد تعاقد قائد الانقلاب في مصر، عبدالفتاح السيسي، مع شركة "ماروم" هذه في العام 2013 لتوفير الأمن للسفن التي تمر عبر قناة السويس في مصر، والتي تحمل نحو 2.5 في الحمئة من إنتاج النفط العالمي و7.5 في المائة من التجارة العالمية. ولدى شركة "النورس" أيضا تراخيص للعمل في البحر الأحمر والموانئ في الأردن، الإمارات وسلطنة عمان.
تحالف السيسي مع إسرائيل من خلال مقاول خاص لتأمين قناة السويس، أمر بالغ الأهمية لمصالح الولايات المتحدة الإستراتيجية، إذ لا يزال الجيش الأمريكي يحظى بالأولوية في استعمال قناة السويس والمجال الجوي المصري.
* درء الأزمة:
يبدو المجلس العسكري الحاكم في مصر بين المطرقة والسندان. فمن أجل تجنب اندلاع مزيد من الاضطرابات الشعبية، فإنه ليس أمام نظام السيسي إلا للحفاظ على المستوى العالي للدعم. ولكن هذا فيه إجهاد لخزائن الدولة، فضلا عن تفاقم النقص في إمدادات الغاز والكهرباء بسبب الطلب المحلي المرتفع.
لذا، يجب على النظام أن يجد طريقة لتلبية هذا الطلب المحلي مع الاستمرار، في الوقت نفسه، في تصدير الغاز بما يكفي للحفاظ على إيرادات الدولة ويمكنه من الإبقاء على الاقتصاد واقفا على قدميه وجذب الاستثمار الأجنبي. لذا، فإن صادرات غاز إسرائيل إلى مصر ضرورية لمساعدتها على تلبية جميع هذه الأهداف.
وهذا التحدي الأساسي في التحول من اقتصاديات ما بعد النفط إلى تلك التي يمكنها البقاء على قيد الحياة في عصر الطاقة غير التقليدية، الأكثر تكلفة، يتكشف في جميع أنحاء المنطقة.
الأردن، على سبيل المثال، تستورد 96٪ احتياجاتها من الطاقة بسعر 7.1 دولار سنويا، أي بمعدل 20 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي. في حين تراجعت مبادرات الطاقة المحلية، الصخر الزيتي والنووي، وليس هذا بسبب مشاكل الإدارة، وفقط، ولكن أيضا لتكلفتهما الباهظة.
تركيا، بلغت ذروتها في إنتاج النفط في عام 1991، وتستورد الآن جميع احتياجاتها تقريبا من النفط والغاز. كما تستورد قبرص معظم احتياجاتها من الطاقة، ولكنها اكتشفت مؤخرا موارد كبيرة من الغاز البحري، وتأمل في الاستفادة منها للاستهلاك المحلي والتصدير. وتستورد اليونان ما يقرب من جميع احتياجاتها من الغاز من روسيا. وداخل إسرائيل نفسها، ولَد استمرار غياب الكفاءة في قطاع الطاقة أزمات سياسية.
ففي عام 2012، قبل أن تشن إسرائيل عملية "عمود الدفاع" على قطاع غزة، واجهت إسرائيل أزمة الطاقة بسبب زيادة الطلب في فصل الصيف وارتفاع سعر الكهرباء، مما أدى إلى انقطاع في التيار الكهربائي. وفي عام 2013، استمر انقطاع التيار الكهربائي مع ارتفاع أسعار الكهرباء إلى 47 في المائة، مما تسبب في إشاعة "الفوضى" داخل الكيان الإسرائيلي.
والمشكلة هي أن تكلفة إنتاج النفط والغاز غير التقليديين ليست رخيصة، كما إن معدلات الحفر لتحقيق مستويات الإنتاج الكافية، مرتفعة، بحيث إن تخمة الغاز التي تلي ذلك تهوي بأسعار السوق.
وبما إن تكلفة إنتاج الطاقة مرتفعة، ترى اللجنة الرباعية في موارد الغاز شرق المتوسط التي يسيطر عليها الحلفاء: إسرائيل وقبرص، خيارا حاسما بالنسبة لحلفائها وذلك لتلبية ارتفاع الطلب على الطاقة والمحافظة على الإيرادات. خلاف ذلك، فإنها لا يمكن درء مخاطر الاضطرابات الداخلية.
في السياق الجغرافي السياسي المشحون، وبشكل متزايد، فإن حملة تعزيز اعتماد أمن الطاقة العربي والآسيوي والأوروبي على إسرائيل موجهة أيضا لتشتيت توسع النفوذ الإقليمي لروسيا أو على الأقل الحدَ منه ضمن السيطرة الغربية.
* مشكلة حماس:
أكبر عقبة في كل هذا هي حركة حماس. بالنسبة لكل من اللجنة الرباعية وإسرائيل، فإنه لا يمكن التعامل مع حماس. كما أكد قبل عام من عملية "الرصاص المصبوب" وزير الدفاع الإسرائيلي الحاليَ موشيه يعلون، فإن الطريقة الوحيدة التي يمكن تصورها للوصول إلى موارد غزة (وبالتالي استخدام القضية الفلسطينية باعتبارها وسيلة لإضفاء الشرعية على صفقات مع الأنظمة العربية) هو "عمل عسكري لاقتلاع حماس".
ومنذ ذلك الحين، ورغم الحروب المتكررة التي تشنها إسرائيل للوصول إلى هذه الموارد، لم تنجح إلا في تدمير الحياة المدنية والبنية التحتية مع تعزيز قبضة حماس على غزة.
ويبدو أن بلير مدرك، وإن كان يؤلمه هذا، أن تفضيل إسرائيل للحلول العسكرية لا يحقق النتيجة المرجوة.
في فبراير الماضي، وتزامنا مع لقاءات المسؤولين المصريين والإسرائيليين بممثلي شركة النفط لكل منهما، زار بلير غزة وطالب حماس بتوضيح ما إذا كانت جزءا من "حركة إسلامية أوسع بطموحات إقليمية"، أم إنها ستقبل السلام على المدى الطويل مع إسرائيل.
شروط هذا السلام، إذا استندنا لخطة بلير الاقتصادية تجاه الأراضي، ستكون القبول بصفة رسمية "مستعمرة بوكالة رأسمالية" تحت الهيمنة الإسرائيلية، مع شرعية دولية وختم دولة ذات سيادة.
كما لو أنه تحفيز لحماس، دعا بلير الحركة أيضا إلى "تغيير جذري في نهجها" تجاه إسرائيل مقابل رفع القيود التجارية "بحيث يمكن لغزة حقا أن تنفتح على العالم الخارجي، ويتسنى لشعب غزة حرية الحركة والبضائع والخدمات التي تحتاجها غزة واقتصادها". كما دعا مصر للعب دور قيادي في التوسط بشأن المفاوضات حول مستقبل غزة.
وبعد الدعوة إلى التحول في النهج صدر حكم المحكمة العامة التابعة للاتحاد الأوروبي في العام الماضي يأمر بإزالة حماس من قائمة الإرهاب الأوروبية. ويستأنف الاتحاد الأوروبي حاليَا هذا القرار.
وتزامنا مع تسارع المفاوضات بشأن صفقات الغاز الإقليمية في السنوات الأخيرة، أجرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي محادثات سرية عبر قناة خلفية مع قادة حماس في الأردن ومصر وقطر. وفقا لمسؤول دبلوماسي أمريكي كبير، فإن المحادثات الجارية تركزت حول محاولة إقناع حماس بـأن "تدخل في الصف" بخصوص المطالب الإسرائيلية، و"تلبية المعايير التي وضعتها اللجنة الرباعية" كشرط للاعتراف رسمي.
وليس هناك شك في أن العمل العسكري لا يزال خيارا مطروحا إذا ما خلُص أعضاء اللجنة الرباعية إلى أنه من غير المرجح أن يقنعوا حماس بأن "تسير على الخط" بالقدر الكافي، وفي الوقت المناسب لدرء عدم الاستقرار الإقليمي الناجم عن الطاقة المحلية والتحديات الاقتصادية.
وقد اتضحت الخطوط العريضة لرؤية إقليمية اللجنة الرباعية لبنية الطاقة الجديدة التي تركز عليها إسرائيل في ديسمبر الماضي، في تقرير نشره معهد الدراسات الإستراتيجية التابع لكلية الجيش الحربية في الولايات المتحدة.
وحذرت الدراسة، وهي من تأليف مستشارين في وزارة الدفاع البريطانية، من أن التدخل العسكري الأمريكي المكثف "قد يكون أساسيا في إدارة صراع محتمل في المستقبل" في حال "اندلاع الصراع حول الموارد الطبيعية في شرق البحر الأبيض المتوسط"، نظرا لاكتشافات الغاز الضخمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق