مصر النحيفة.. رغم الرز
وائل قنديل
وماذا ستفعل المنح العلنية، إذا كانت القروض والصفقات السرية قد انهمرت بغزارة على مدى عشرين شهراً، فلم تنتج إلا مزيداً من الخراب والعوز والعجز وقلة الحيلة؟
وأي عاقل في هذا العالم يضخّ أموالاً في خزائن نظام يرفع شعار "أعطني كي أقتل شعبي" ويبني سجوناً، ويغلق مصانع، ويحرق الزرع والنسل ويهدم البيوت ويبيد مناطق كاملة، ليست بعيدة عن "شرم الشيخ" مقر المؤتمر؟
كانوا يعلموننا أن كثرة تناول الرز تؤدي إلى السمنة، وتزيد الجسد تضخماً، غير أن هذا النظام أفسد نظرية الأرز، إذ تزداد مصر نحافة وهزالاً كلما زادت الكميات، فما الذي يجعل "أهل الرز" يضخون المزيد، خصوصاً أنهم لم يسلموا من بذاءات الممنوحين، في قعداتهم السرية التي باتت أكثر علانية من مباريات الكرة المنقولة على الهواء مباشرة، عبر كل القنوات؟
هل يجرؤ أركان النظام على إعلان حجم ما حصلوا عليه من المانحين بسخاء، منذ سطوا على السلطة، وهل يعرضون بشفافية ماذا فعلوا بكل ذلك الذي انهمر على رؤوسهم، كلما طلبوا، وأن يصارحوا شعبهم بأوجه الإنفاق التي ذهبت إليها هذه القناطير المقنطرة من الأموال؟
إن لافتة "امنحني كي أحارب الإرهاب" لم تعد تقنع أحداً، إذ بافتراض أنهم لم يخترعوا الإرهاب، كي يبتزوا العالم، مالياً وسياسياً، لمحاربته، فإنه ينبغي لكل عاقل أن يتوقف عند اتساع رقعة الإرهاب، بزيادة حجم المنح والمساعدات.
ولا بد لكل من يملك عقلاً، أيضاً، أن يفكر في هذا التصعيد المجنون للعمليات العسكرية ضد سيناء وأهلها، مع اقتراب موعد المؤتمر الاقتصادي، وكذلك هذه "الفرقعات" التي تدوي على صفحات جرائد السلطة، وشاشات فضائياتها، بحفاوة غريبة، ربما قبل أن تتم على أرض الواقع.
كان أول ما فعله نظام "الاستمناح بسيف الابتزاز" أن صادر واستولى على كل الأموال والمؤسسات التجارية المملوكة لمعارضيه، ثم قطع شوطاً، أبعد من ذلك، بإصدار قرارات بالتحفظ على أموالهم المودعة في البنوك ومساكنهم، فما الذي يضطر مستثمراً أجنبياً للمغامرة بممارسة نشاط اقتصادي في مصر؟
يقول عبد الفتاح السيسي لوفد الكونغرس الأميركي "إن مصر تنتظر من الوﻻيات المتحدة دعماً لمكافحة الفقر والجهل، والارتقاء بجودة التعليم، والانفتاح على الثقافات الأخرى، بما يعزز قيم التسامح والتعايش مع الآخر، وهي القيم التي حث عليها الدين الإسلامي، ويتجاهلها الخطاب الديني المتعصب للجماعات المتطرفة والإرهابية".
ثم يضيف ببراءة القديسين والأولياء "مواجهة الإرهاب لن تقوم فقط على الشقين العسكري والأمني اللذين يتعين أن يشملا العمل على وقف إمدادات المال والسلاح للجماعات الإرهابية والمتطرفة، ولكن، يجب أن تشمل، أيضاً، الجانب الاقتصادي، وتحديداً تشجيع الاستثمار في مصر، للمساعدة في توفير فرص العمل وتشغيل الشباب".
النظام الذي تردد وسائل إعلامه، صباحاً ومساء، أن مصر تخوض حرباً ضد مؤامرة أميركية، بلغت حد أسر قائد في الأسطول السادس الأميركي، يتودد لصناع السياسة في واشنطن، كي يفرجوا عن كميات الأرز المجمدة في الولايات المتحدة منذ وقوع الانقلاب، فهل نصدقه، أم نصدق إعلامه الذي يطلق نفير الحرب على واشنطن؟
هو نظام أدرك العالم كله بلادته في السياسة، ومن ثم من غير المنطقي أن يراهن أحد عليه في الاقتصاد والتنمية، خصوصاً مع جنوحه الفطري إلى القتل والهدم، حتى باتت المنطقة كلها تدفع ثمن تدميره لعملية ديمقراطية واعدة.
منحوه كل الفرص، وقدموا له كل الدعم، طلب "الأباتشي" المعطلة، فجاءته على وجه السرعة، فماذا فعل بها، سوى الإغارة على الحريات وحقوق الإنسان وحرق السياسة، وتجفيف منابع الانتخابات، وردم قنوات الانتقال الديمقراطي، وحفر قنوات وأخاديد من الدجل والوهم والخرافة.
لقد ربطت واشنطن فك تجميد المساعدات بتقدم في مسارات الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، وحين ذهب الجنرال إلى أوباما في "زفة بلدي" ردد ما دبجه له كتبة نظام مبارك عن الإرهاب والحرب عليه، وعاد ليواصل القتل والإقصاء والاعتقالات، وها هي عبقريته تدفعه إلى استقبال القادمين إلى مؤتمر المانحين، بتنفيذ أسرع وأغرب أول عملية إعدام لواحد من رافضي انقلابه، بعد محاكمة سياسية، شهدت بعبثيتها وغياب العدالة عنها الأمم، فكيف يتوقع الإفراج عن مساعدات مجمدة، أو استدرار مساعدات جديدة؟ وعن أي تنمية وتقدم يتحدثون في ظل هذا المناخ الفاشي الذي ترفل في نعيمه سلطة الانقلاب؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق