إعدام رمضان.. رابعة من جديد
وائل قنديل
لم تعرف مصر في تاريخها مثل هذه الهرولة في تنفيذ حكم بالإعدام، في أجواء استثنائية من الدعاية السابقة واللاحقة لتنفيذ عقوبة الشنق في المتهم محمود رمضان، المعارض للانقلاب العسكري، ذلك أن أرشيف العدالة يحفل بقصص لمتهمين بقوا في ملابس الإعدام الحمراء سنوات طويلة، حتى نسيهم الناس.
على مدى أسبوعين مضيا، كان ترويج تنفيذ الحكم طاغياً، على نحو ربما يفوق ترويج مؤتمر المانحين، وجاء التنفيذ ليذيع التلفزيون الرسمي المصري الخبر، وتجده في كل الصحف والمواقع، مع الإعلان أن تسجيلاً للحظات شنق رمضان سوف يتم بثه.
وبالتزامن مع ذلك، كان هناك ما يشبه التدريبات الإعلامية المنهجية لعيون الناس وآذانهم على مشاهد الدم، من الإلحاح الشديد على تكرار مشاهد إعدام المصريين في ليبيا، إلى اختراع حكاية شنق كلب عقور وتقطيع جثته، بما بدا معه وكأن المقصود تعويد الناس على التعامل مع الموت شنقاً أو حرقاً.
قضية رمضان، منذ بداياتها عقب عزل الرئيس محمد مرسي واختطافه، عرفت حملة إعلامية مكثفة، في إطار التحضير لمجازر فضّ الاعتصامات، من خلال المشروع الأمني لشيطنة رافضي الانقلاب، وكأن اللقطات التي أذاعتها فضائيات الانقلاب، في توقيت واحد، مشفوعة بعبارة شديدة الانحطاط "يا ولاد الوسخة يا إسلاميين"، كانت مقدمة لما سيأتي في ما بعد من مذابح، بدأت بالحرس الجمهوري، ثم المنصة، وتكلّلت بجريمتي رابعة العدوية والنهضة.
الفيديوهات المتداولة عن واقعة إلقاء أفراد من أعلى خزان مياه فوق إحدى عمارات الإسكندرية، تظهر محمود رمضان مهندس البترول الناجح، وزوج الطبيبة الشابة، بلحيته الكثة، بعيداً تماماً عن عملية إلقاء الناس من فوق الخزان، غير أن اللحية، بدلالتها في النص المحبوك إعلامياً بعناية فائقة، كانت الهدف الذي صوّب عليه رماة التوك شو، وهجامة الصحافة، ليصبح عنوان القصة كما هو مطلوب "الإسلاميون المؤيدون لمرسي يقتلون الأطفال رمياً من أسطح البنايات".
وكما تم استخدام قضية محمود رمضان حين كان متهماً، للتمهيد لحرق رافضي الانقلاب وإبادتهم، يجري استخدامها، مرة أخرى الآن، بعد إعدامه، لتهيئة التربة لبحور دماء أخرى، سوف تتدفّق من فوق منصات القضاء، خصوصاً مع هذا المخزون الهائل من أحكام الإعدام الصادرة بحق المعارضين.
وكما أرادوا مجزرة رابعة أمثولة، لكل من تسوّل له نفسه التظاهر والاعتصام ضد الانقلاب، هاهم يوظفون إعدام محمود رمضان الذي ذهب إلى حبل المشنقة، ثابتاً وراضياً وواثقاً من أنه راحل إلى الجنة، منطلقاً من يقين بأنه بريء، كما وصفت مصادر شرطية اللحظات الأخيرة له قبل الشنق، يوظفون الواقعة لردع كل من يفكر في المعارضة، والخروج في مسيرات لإسقاط سلطة الانقلاب.
لكن الوقائع تقول إن عشرين شهراً مرت على هولوكست رابعة لم تخمد شعلة الاحتجاج والغضب في نفوس معارضي الانقلاب، ولم تنجح في زراعة الخوف بالصدور، ولا الصمت بالحناجر، ولا التكوم تحت الجلود، رعباً من البطش، وإيثاراً للسلامة، بل ارتفعت وتيرة التظاهر، ولا تزال، وصار واضحاً أن الجموع الغفيرة التي تخرج في القرى والنجوع والشوارع والميادين، لفظت تلك القاعدة البيولوجية الخسيسة التي تقول "كلب حي أفضل من أسد ميت".
وعلى ذلك، لا أظن أن الرسالة التي أرادت سلطة الانقلاب إيصالها، عبر شنق رمضان، سوف تصيب المتظاهرين والمعارضين بالصدمة والترويع، أو تلزمهم منازل الذعر والجبن، ذلك أن رافضي الانقلاب، منذ البداية، يدركون أن الطريق إلى الحرية والكرامة سيكون مزروعاً بالمشانق والحرائق، وكل أشكال التنكيل والتقتيل، يستوي في ذلك أن تأتي الطلقة من منصة محكمة، أو من بندقية عسكري، أو من مدية أو سكين في يد بلطجي، منحوه لقب "مواطن شريف".
إن أفدح خسائر مصر من انقلاب العسكر، أن الجماهير صارت على يقين بموت العدالة، وتحلّلها، فلم يعد أحد من الرافضين لهذا القبح المهيمن على مصر ينتظر عدلاً من قضاء سريع الطلقات، أو يتوقع إنصافاً في دولة قتلت ثورة حركتها دوافع البحث عن عدل وكرامة وحرية.. وباتت الغالبية مدركةً أنه لا توجد محاكمات حقيقية، تسبقها إجراءات تحقيق واتهام محترمة، بل هي قرارات سياسية وتدابير أمنية، تنطلق من أروقة القضاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق