السبت، 7 مارس 2015

ماذا حين تتحدث نخب عن «الإرهاب الشيعي»!؟


ماذا حين تتحدث نخب عن «الإرهاب الشيعي»!؟
ياسر الزعاترة

قبل أيام أطلق مثقفون سعوديون وخليجيون «هاشتاجا» في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» بعنوان: «جبهة خليجية عربية عالمية لمواجهة الإرهاب الشيعي».
وكان لافتاً أن من أطلقه هو أحد المثقفين الإسلاميين التنويريين بالتعبير السعودي، ورجل لم يُعرف عنه النفس الطائفي، وهو مدافع عن حقوق الإنسان.
ثم كانت المفاجأة الأخرى أن المشاركة في «الهاشتاج» ما لبثت أن استقطبت، رغم ما ينطوي عليه عنوانه من نفس مذهبي، أسماء كبيرة؛ من بينها العالم الكبير الدكتور سلمان العودة الذي لم يعرف عنه التحريض المذهبي يوما، والذي قال «ما يجري في سوريا والعراق واليمن هو احتشاد طائفي كشف دعاوى الاعتدال»، مضيفا «بعض الرموز لم تستطع الخروج من ضيق المذهب وولاء الطائفة الى أفق الأمة وعدالة الموقف».
من السهل على أركان التحالف الإيراني، ومن يدورون في فلكه من إعلاميين ومثقفين ينعمون ببركاته أن يطلقوا مصطلح الطائفية أو المذهبية على كل أحد يطرح مثل هذه المقولات، حتى أصبحت التهمة في عرف إيران وتحالفها مثل «اللاسامية» في عرف الكيان الصهيوني، فما أن تنتقد إيران وممارساتها حتى يرميك القوم بالطائفية، تماما كما يفعل صهاينة العالم ضد من ينتقد كيانهم، حيث لا يترددون في اتهامه باللاسامية.
لو بقيت المشكلة في عدوان إيراني، لكان بالإمكان التعاطي مع الأمر في شقه السياسي بعيد عن المسألة الطائفية، لكن الأمر ليس كذلك في واقع الحال، فما جرى ويجري هو احتشاد طائفي سافر، إذا تقف الغالبية الساحقة من الشيعة العرب والعجم إلى جانب العبث الإيراني، وتستخدم ذات الخطاب الذي تتبناه.
كيف يمكن أخلاقياً لمن يرفعون راية الحسين أن يدعموا طاغية يقتل شعبه كما يجري في سوريا منذ سنوات؟ وأي منطق في تحوّلهم من «حسينيين»؛ إذا جاز التعبير، إلى «أموييين» يقبلون بالحاكم الدكتاتور الفاسد بدعوى مواجهة عدو آخر؟ ثم ماذا لو وقفت إيران إلى جانب الشعب السوري (وصفت ربيع العرب بالصحوة الإسلامية على لسان خامنئي، ثم جعلته مؤامرة صهيونية بعد وصوله سوريا)، هل كان الشيعة العرب سيخالفونها الرأي؟ كلا بكل تأكيد.
ثم كيف لمن يطالبون بالعدل أن يدافعوا عن انقلاب مسلح تقوم به أقلية في اليمن ضد ثورة شعب؟ أليس في ذلك دوس على الأبعاد الأخلاقية برمتها.
وماذا عن الدفاع عن طائفية المالكي من قبل، وهي إلى جانب دموية بشار ما أنتج التطور الأخير في الظاهرة الجهادية ممثلة في صعود تنظيم الدولة، وليس العكس؟!
من الصعب على منصف أن يتجاهل في هذا السياق أقلية (نخبوية غالبا) في المربع الشيعي؛ وقفت ولا تزال إلى جانب الحق والعدل، ودافعت عن حق الشعب السوري في الثورة، ولم تدافع أيضا عن انقلاب الحوثي، لكن هذه الأصوات لا زالت تضيع وسط زحام من الملتحمين مع موقف إيران، فتغدو المسألة شيعية- سنية بالكامل، ويأتي تبعا لذلك من سيطرح الموقف على النحو الذي رأيناه في الهاشتاج المشار إليه في مقدمة المقال.
إن ما يجري هو تدمير للتعايش في المنطقة، وليس من العسير القول: إن هذا المستوى من الحشد الطائفي والمذهبي لم يُعرف في التاريخ كله، لاسيما أنه يأتي في ظل حرب متعددة المستويات في سوريا والعراق واليمن، وبشكل أقل وضوحا في لبنان، ربما لأن أحداً لا يمكنه مجاراة قوة حزب الله، لكن ظهور حركات جهادية سنية هناك لا زال يشير إلى محاولة للتمرد، ما يجعل الأفق مفتوحا على معركة أخرى تضاف إلى المعارك الأخرى الناشبة في المنطقة.
لم نكن طائفيين ولا مذهبيين ولن نكون، فالمذهب والطائفة أغلبها نتاج الوراثة، وهي في العموم اختيار شخصي، ومشكلتنا الراهنة هي في العدوان الذي تمارسه إيران على نحو سافر، وتضطر الأمة إلى مواجهته بأيديها وأسنانها، حتى لو فرض عليها ذلك تأجيل مطالب الإصلاح لبعض الوقت.
الحروب الطائفية والدينية هي أكثر الحروب كلفة ودموية في التاريخ، وما يجري الآن هو شكل من هذه الحروب، واللافت بطبيعة الحال أن «الشيطان الأكبر» وحلفاءه يقفون في مربع إيران، ما يعزز الحشد في الطرف المقابل.
هي حرب خاسرة للسنّة والشيعة، ولن يستفيد منها غير العدو الصهيوني والغرب الإمبريالي، لكن المجرم الأكبر هو من أطلق لها العنان من خلال أحلام توسع مجنونة، وحتى يرعوي هذا المجرم، ويعرف حدوده ويقبل بتسوية معقولة، سيتواصل الحشد؛ ومعه سيتواصل النزيف.

•  @yzaatreh

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق