الثلاثاء، 17 مارس 2015

قصة مرسي من الفوز إلى الانقلاب في ضوء التسريبات


قصة مرسي من الفوز إلى الانقلاب في ضوء التسريبات
ياسر الزعاترة



سأبدأ هذا الملخص بقصة شخصية. قبل شهور قليلة، ربما ثلاثة من انقلاب 30 يونيو في مصر، التقينا مع الأستاذ فهمي هويدي في عمان، فأخبرني وصديق آخر أن اثنين من مساعدي السيسي قد استدعياه للمقابلة، وأخبراه أن الجيش لا يريد التدخل في السياسة، وأن وضعه مترهل ويحتاج وقتا وجهدا لإعادة البناء. 
قلت له يومها إنهم فعلوا ذلك لكي تخبر الإخوان فيناموا على الحرير، ولا بد أنك فعلت، فأجاب بنعم. وهو لم يفعل ذلك بسوء نية بطبيعة الحال.
ليست هذه السطور محاولة لإثبات الحكمة بأثر رجعي، لكنها ملخص قد يفيد في بعض جوانبه للمستقبل، وربما للحاضر بالنسبة لآخرين، وذلك من خلال الإصرار على أن السياسة لا تُقرأ من خلال التسريبات وكلام الغرف المغلقة، بل من خلال التحليل السياسي الدقيق الذي يربط المعادلات بعضها ببعض، بما في ذلك التسريبات نفسها.
لم نكن نخط في الرمل حين قلنا طوال شهور قبل الانقلاب، بأنه قادم. وحتى قبل ظهور حركة تمرد التي افتضح أمرها (هو مفضوح أصلا) من خلال التسريبات الأخيرة.
حين ظهرت تمرد، قلنا وكل ذلك مكتوب ومنشور (بخاصة في تويتر): إنها جاءت بعدما ثبت عجز القوى السياسية المعارضة عن إخراج أكثر من بضعة آلاف إلى الشارع، وحين أعلن موعد الثلاثين من يونيو، قلنا أيضا إنه مخصص لتوفير ذريعة للانقلاب العسكري الجاهز.
إذا تجاوزنا ما جرى قبل انتخابات الرئاسة التي فاز فيها مرسي، والجدل حول جدوى الترشح ومبرراته، فإن المشهد التالي بعد الفوز كان واضحا كل الوضوح.
توافقت الأجهزة السيادية للدولة، وما يسمى الدولة العميقة على أن هذا الرجل (مرسي) مرحلة عابرة، ولا ينبغي لأي أحد أن يتعاون معه بأي حال من الأحوال، واستُخدم القضاء من أجل محاصرته وحشره في الزاوية، ودفعه نحو أخطاء تدخله في مشاكل مع الآخرين، أو تبرر لفئة أخرى مواقفها المناهضة له.
حين كنا نقول للإخوان: إن السيسي والأجهزة الأمنية ضدكم تماما، كنا نستشهد لهم بوسائل الإعلام التي تدار أصلا من قبل الأجهزة الأمنية، وكنا نقول لو كانت المؤسسة العسكرية والأمنية مع الرئيس لما تجرأ عليه كل هؤلاء الحثالات، وعلى هذا النحو المنحط.
من جهته كان مرسي يعمل في مجالين: 
الأول محاولة تسيير حكومة نزيهة من أجل إثبات أن ثمة أملا في المستقبل،والثاني العمل اليومي على استرضاء الجيش من خلال السيسي اعتقادا منه بأن كسبه يعني ضمان استمرار الحكم، على اعتبار أنه هو (أي الجيش) هو من اتخذ في النهاية قرار تنحية مبارك.
كان حبا من طرف واحد في واقع الحال، أعني حب مرسي للسيسي والجيش، وحتى الحكومة، حكومة هشام قنديل لم تكن في واقع الحال حكومة مرسي بالكامل، بل كان للسيسي دور كبير في اختيارها، بخاصة وزاراتها السيادية.
وكان حضور الإخوان فيها هامشيا، وكذلك الحلفاء الآخرين، بينما عزفت المعارضة عن المشاركة؛ لأن الجميع كان يدرك أن المطلوب هو إفشال الرئيس وليس منحه فرصة النجاح.
القضاء كما أشير من قبل، وعبر قرارات متوالية أهمها حل مجلس الشعب، كان الأداة الأكبر في الاستفزاز، وهذا يدار من خلال مؤسسة الأمن بالتوافق مع الجيش، ولم يكن مستقلا بحالٍ.
مسرحية 30 يونيو جاءت بعد حملة شيطنة كبيرة لمرسي والإخوان، لكن الحملة لم تكن كافية، فكل الانتخابات، وآخرها استفتاء الدستور كانت لصالح الإخوان، ولم تفلح قوى المعارضة في تجييش الشارع ضد الرئيس، فكانت فكرة «تمرد» التي لم يكن مطلوبا منها سوى توفير الذريعة، وتوافق عليها الجميع، وكان للكنيسة الدور الأكبر في حشد 30 يونيو الذي تم إخراجه سينمائيا لتبرير الانقلاب.
ما لم يقله مرسي إلى الآن وقد يقوله يوما، هو ذلك المتعلق بموقف السيسي خلال الأيام الأخيرة قبل وبعد 30 يونيو، والأرجح أن السيسي كان يؤكد لمرسي بأنه معه، والجيش معه، وأنه لا ينبغي أن يقدم تنازلات للمعارضة لأنها ستطلب المزيد، وأن 30 يونيو «زفة» وستنتهي، لكنها كانت الذريعة الأنسب للانقلاب.
ملخص سريع، والتفاصيل كثيرة، لكننا نعيد التأكيد على أن السياسة لا ينبغي أن تُقرأ من التسريبات وكلام الغرف المغلقة، مع إمكانية الاستفادة من الأخيرة في قراءة المشهد أيضا (القصة التي بدأنا بها المقال شاهد)، بل من خلال التحليل الدقيق للمواقف على كل صعيد.
بقي القول: إن التسريبات الأخيرة التي فضحت فصول الانقلاب بالأدلة، ربما تكون سببا في عودة بعض الناس إلى رشدهم، بخاصة الفئة التي ضللها الإعلام، أما أصحاب المواقف المسبقة، فلو تناطحت الجبال أمامهم لقالوا «إنما سُكّرت أبصارنا، بل نحن قوم مسحورون»!!

•  @yzaatreh

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق