الاثنين، 9 مارس 2015

"الإخوان" في الميزان الإقليمي

"الإخوان" في الميزان الإقليمي


خليل العناني

يتضح، كل يوم، حجم الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته الأنظمة العربية التي تخوض حرباً ضروساً ضد جماعة الإخوان المسلمين، وغيرها من قوى الإسلام السياسي المعتدل في المنطقة، من أجل عزلها وإنهاء وجودها.
ومنبع الخطأ ليس فقط الفشل في تحقيق هذا الهدف، بعد مرور ما يقرب من عامين على بدء عجلة "الثورة الإقليمية المضادة" في الدوران، وإنما، أيضاً، بسبب عجز هذه الأنظمة على ملء الفراغ الناجم عن إقصاء تيارات الإسلام السياسي المعتدل، واستبدالها بقوى أخرى لديها الوزن والتأثير السياسي والاجتماعي نفسه، وهو ما أدى إلى حالة فشل وشلل عربي شبه كاملة في مواجهة الأخطار الإقليمية المحدقة.

لذا، لم يكن غريباً أن تتعالى، أخيراً، أصوات مثقفين وصحافيين عرب، يطالبون بإعادة النظر في مسألة إقصاء "الإخوان"، ومحاولة البحث عن مقاربة جديدة، تضمن إعادة إدماجهم في العملية السياسية.
ومردّ هذه الدعوات ليس فقط الثمن الباهظ الذي تدفعه المنطقة، بسبب الهجمة الشرسة على تيارات الإسلام السياسي السلمية والمعتدلة، والتي فاقت كل ما هو قيمي وأخلاقي، وإنما بالأساس بسبب المخاطر والتهديدات التي تعصف بالإقليم، وأهمها الخطران "الداعشي" و"الإيراني". 
ويبدو أن ثمة أنظمة عربية راهنت، خطأ، على قدرة النخبة العسكرتارية في مصر على إنهاء جماعة الإخوان، وتحاول، الآن، تصحيح هذا الخطأ، وإن بشكل غير مباشر.
 ويبدو أن هذه البلدان قد توصلت إلى قناعة مفادها أن الخطر "الإخواني" أقل بكثير من الخطرين "الداعشي" و"الإيراني"، وأنه يمكن احتواؤه، كما جرت الحال طوال العقود الستة الماضية، تارة من خلال الانتخابات، وأخرى بإعطائها مساحة فى المجالين الاجتماعي والأهلي.

من هنا، يحاول بعضهم إعادة اكتشاف "الوزن" السياسي والاستراتيجي للإخوان في المعادلة الإقليمية، وكيفية توظيفه، من أجل وقف حالة "التوحش" التي تمارسها الراديكالية الجديدة، والتي يبدو أنها عصيّة على الهزيمة حتى الآن.
فبعد نصف عام من الهجوم المتواصل (عسكرياً، وإعلامياً، ودينياً) على تنظيم داعش، فإنه لا يزال متماسكاً، بل ويتمدد في الفراغ الاستراتيجي الممتد من سورية والعراق شرقاً، وحتى نيجيريا في أقصى الغرب الإفريقي.
في الوقت نفسه، يدرك قادة دول غربية كثيرون أن المعركة الحقيقية ليست مع "الإخوان"، وإنما مع التيارات المتطرفة، على الرغم من حملات تضليل وتشويه وتحريض تمارسها أنظمة عربية ومراكز أبحاث داخلية وخارجية، ضد الإخوان، ومحاولة إذابة الفروق بينهم وبين التنظيمات المتطرفة.

من جهة أخرى، يبدو أن التركيز على "الخطر الإخواني"، وهو خطر ووهم مصطنع إلى حد بعيد، كما سوف نشرح في مقال لاحق، شغل الجميع عن الخطر الحقيقي، وهو التمدد الإيراني فى المنطقة، والذي وصل إلى حدود تتجاوز ما كانت عليه الدولة الصفوية، حتى منتصف القرن الثامن عشر. فإيران تطوق، الآن، المنطقة العربية من شمالها إلى جنوبها، ومن الخليج إلى المتوسط، مستفيدة في ذلك من تمدد "الأصولية الداعشية"، وتحاول امتطاء "الحملة العربية/الغربية" ضد الداعشيين، من أجل توطيد أقدامها في المنطقة. وهي، الآن، تقف بجنودها وقواتها ومليشياتها على أبواب المثلث السني فى العراق، بعدما اكتسحت المناطق الشيعية في الشرق والجنوب والوسط. لذا، لم يكن غريباً أو مفاجئاً أن يقف قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، مزهواً يتناول أكواب الشاي مع جنوده، فرحين بانتصاراتهم في العراق وسورية. 
وقد عبّر وزير الخارجية السعودي، سعود الفصيل، عن قلقه الشديد من الخطر الإيراني بالقول، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الأميركي، جون كيري، إن إيران "تتمدد فوق كل أراضي العراق".


ومن جهة ثالثة، ازداد الحديث، أخيراً، عن ضرورة إقامة تحالف سنّي فى مواجهة الهيمنة الشيعية.
ومن غير المتوقع أو المجدي، أن ينشأ هذا التحالف وينجح، من دون وجود تركيا بداخله، ليس فقط لوزنها الإقليمي وتأثيرها الجيواستراتيجي في المنطقة، خصوصاً باتجاه "الخطر الداعشي"، وإنما، أيضاً، بسبب علاقتها القوية مع القوى الكبرى، سواء روسيا أو أميركا أو الاتحاد الأوروبي، وهي أقطاب دولية، يجب اجتذابها في أي صراع إقليمي. من هنا، لا يبدو ممكناً، على الأقل حتى الآن، أن يتم ضم تركيا إلى هذا التحالف السني، من دون حلحلة "المسألة الإخوانية"، وإيجاد مخرج منها بأقل الخسائر.

بكلمات أخرى، يبدو أن بعضهم في المنطقة توصّل إلى قناعة مهمة، مفادها بأن "الإخوان"، من الناحيتين، الاستراتيجية والواقعية، ربما يكونون إحدى الأوراق المهمة في حسم اللعبة الإقليمية ومواجهة الخطرين الداعشي والإيراني. وهو ما يترتب عليه ضرورة إعادة النظر في مسألة إقصائهم وقمعهم وإعادة دمجهم في الحياة السياسية والاجتماعية.


من هنا، يبدو جلياً أن ثمة حاجة ملحة لعقد مصالحة تاريخية، محلياً وإقليمياً، بين الأنظمة العربية وجماعات الإسلام السياسي المعتدلة، والتي تقبل بالعملية السياسية، وتحترم قواعد اللعبة الديمقراطية.
هذه المصالحة، وهي مصالحة استراتيجية وبراغماتية بالأساس، سوف تتطلب من جميع الأطراف إعادة تقييم مواقفهم وأفكارهم تجاه بعضهم، وتقديم تنازلاتٍ، تسمح بقدر من التعايش المشترك، من أجل مواجهة الأخطار الإقليمية المتزايدة.

قطعاً، لن تكون هذه المصالحة سهلة أو مقبولة، خصوصاً من جماعة الإخوان المسلمين التي دفعت ثمناً باهظاً حتى الآن نتيجة توّحش وجنون الأصولية السلطوية في مصر ومن يدعمونها، لكنها قد تكون أقصر الطرق لوقف النزيف السياسي وإنهاء الاستنزاف الإقليمي في المنطقة، قبل أن يسقط الجميع في جعبة تاجر البازار الإيراني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق