العراق.. والباحثون عن الحل (1-2)
د.محمدعياش الكبيسي
هذه الظاهرة المتكررة بحد ذاتها أصبحت جزءا من المعضلة، وأصبحت تداعياتها وانعكاساتها تحمل مشاكل إضافية؛ حيث تزعزعت الثقة بشكل واضح بين النخب المتصدرة التي كان الشارع العراقي يعوّل عليها، وكان من الطبيعي أن يفقد هذا الشارع ثقته بهذه النخب، وثقته أيضا بالجهات الداعية والراعية لهذه المشاريع، والأخطر من كل هذا حالة الإحباط واليأس العام، والتي تعني فيما تعنيه أن الشارع لن يتفاعل مع أي مشروع آخر حتى لو كان هذه المرّة جادّا وصادقا!
قلت لأحد الفضلاء وهو يطلب مني المشاركة في واحد من هذه الأنشطة: هل يمكن أن تعفيني من اللقاء الأول فقط؟ فهم الرجل المقصود وتفهّم موقفي، وبالفعل توقف (مشروع الحل) عند اللقاء الأول وانتهى كل شيء!
وقد تكرر مثل هذا في أكثر من مشروع وأكثر من مبادرة، حتى لم يعد الناس يسألون عن النتائج ولا يترقبون، وشاعت عبارات ساخرة ولاذعة (شاي وكذب) (سياحة وترفيه) (ما عندهم شغل) (تجار ومستفيدون) وهي وإن كانت غير دقيقة ولا منضبطة لكنها تعبّر -بلا شك- عن انطباع سلبي العام.
بالنسبة للمشاريع القادمة من الغرب وتحديدا (واشنطن) و (لندن) ثم (باريس) فإن الشك فيها وفي نواياها حاصل ولا يحتاج إلى دليل، فهؤلاء هم الذين صنعوا المشكلة وغذّوها وأمدّوها بمقومات البقاء والانتشار، ولنقف مع بعض المحطّات في هذا التاريخ الأسود:
أولا: فرض الغرب حصارا خانقا على العراق قرابة الثلاث عشرة سنة، حتى مات أكثر من نصف مليون طفل، وانهارت المؤسسات العلمية والتعليمية، وشاعت الأمراض الجسدية والنفسية والسلوكية التي لم يعرفها العراق من ذي قبل، والغرب لحد هذه اللحظة لم يقدّم أيّ تفسير لهذه الجريمة.
ثانيا: باشروا بعد سنيّ الحصار هذه بحملتهم العسكرية الضخمة التي أهلكت الحرث والنسل، وأحالت العراق إلى خرائب تحت ذريعة الإطاحة بنظام صدّام حسين، والسؤال المنطقي هنا: إذا كان هذا هو هدفهم فلماذا منحوا هذا النظام فرصة البقاء بعد انهياره في 1991 وأجّلوا الإطاحة به حتى 2003؟ فجمعوا بين الحصار الطويل الأمد وبين الغزو المباشر، فهل كانوا فعلا يجهلون النتائج المتوقعة لكل هذا؟
ثالثا: أول عمل قاموا به بعد الاحتلال حلّ الجيش العراقي وكل الوزارات والمؤسسات حتى الخدمية منها، وتركوا البلاد في حالة من الفوضى لا مثيل لها، وهم يعلمون أن العراق لم تكن فيه أحزاب سياسية ولا مؤسسات اجتماعية ولا فعاليات شعبية، بمعنى أن الانتقال قد تم في ليلة واحدة من قبضة حديدية مركزية واحدة إلى ضياع وشتات في كل شيء، فهل العقل الغربي كان قاصرا عن إدراك الآثار الكارثية لمثل هذا التحوّل المفاجئ؟!
بالنسبة للمشاريع القادمة من الغرب وتحديدا (واشنطن) و (لندن) ثم (باريس) فإن الشك فيها وفي نواياها حاصل ولا يحتاج إلى دليل، فهؤلاء هم الذين صنعوا المشكلة وغذّوها وأمدّوها بمقومات البقاء والانتشار، ولنقف مع بعض المحطّات في هذا التاريخ الأسود:
أولا: فرض الغرب حصارا خانقا على العراق قرابة الثلاث عشرة سنة، حتى مات أكثر من نصف مليون طفل، وانهارت المؤسسات العلمية والتعليمية، وشاعت الأمراض الجسدية والنفسية والسلوكية التي لم يعرفها العراق من ذي قبل، والغرب لحد هذه اللحظة لم يقدّم أيّ تفسير لهذه الجريمة.
ثانيا: باشروا بعد سنيّ الحصار هذه بحملتهم العسكرية الضخمة التي أهلكت الحرث والنسل، وأحالت العراق إلى خرائب تحت ذريعة الإطاحة بنظام صدّام حسين، والسؤال المنطقي هنا: إذا كان هذا هو هدفهم فلماذا منحوا هذا النظام فرصة البقاء بعد انهياره في 1991 وأجّلوا الإطاحة به حتى 2003؟ فجمعوا بين الحصار الطويل الأمد وبين الغزو المباشر، فهل كانوا فعلا يجهلون النتائج المتوقعة لكل هذا؟
ثالثا: أول عمل قاموا به بعد الاحتلال حلّ الجيش العراقي وكل الوزارات والمؤسسات حتى الخدمية منها، وتركوا البلاد في حالة من الفوضى لا مثيل لها، وهم يعلمون أن العراق لم تكن فيه أحزاب سياسية ولا مؤسسات اجتماعية ولا فعاليات شعبية، بمعنى أن الانتقال قد تم في ليلة واحدة من قبضة حديدية مركزية واحدة إلى ضياع وشتات في كل شيء، فهل العقل الغربي كان قاصرا عن إدراك الآثار الكارثية لمثل هذا التحوّل المفاجئ؟!
وللتاريخ فإن شباب المساجد وبعض القبائل قد أخذوا على عاتقهم حماية المستشفيات والمدارس ومحطّات إسالة المياه، ولولا هذه الجهود العفوية والشخصية لحصلت في ذلك الوقت كوارث لا يعلم بها إلا الله.
رابعا: لم يُخف الحاكم الفعلي للعراق (بول بريمر) بحسب مذكراته المنشورة أنه كان يحض الشيعة العراقيين بمراجعهم وأحزابهم الدينية أن يستغلوا الفرصة وأن لا يكرروا أخطاءهم السابقة، وقد تغافل بريمر أن عزوف الشيعة عن الحكم كان عقيدة دينية مرتبطة بالإمام المعصوم المعيّن من الله والذي لا يخلو منه زمان، وإنما يغيب لحكمة دينية وما على الشيعة إلا الصبر والانتظار حتى (يعجّل الله فرجه)، وهذه العقيدة لم تتخلخل إلا على يد الخميني الذي حرّف العقيدة الشيعية من (ولاية الإمام المعصوم) إلى (ولاية الفقيه)، ولكن السؤال لبريمر هذا: ما شأنكم أنتم بهذا التاريخ وهذه المعتقدات؟ ولمصلحة من يتم استعداء مكوّن على مكوّن؟
خامسا: رغم أن الشعارات التي جاؤوا بها كانت شعارات (ديمقراطية) فإنهم عمليا أسّسوا لحكم (ثيوقراطي) كهنوتي لا مثيل له في التاريخ ولا في الجغرافيا إلا في عصور الحكم البابوي لأوروبا، فبريمر وكل الساسة الغربيين تعاملوا مع السيستاني وكأنه (الحاكم المقدّس) الذي يفرض قوله على الحكومة والبرلمان والدستور والقانون، علما أن الرجل لا يحمل الجنسية العراقية، ولا أي جنسية عربية، وهو من منطقة (سيستان) المعروفة في إيران.
سادسا: توّج الغرب سلسة (مشاريعه الديمقراطية) هذه بأن سلّم مقاليد الأمور بشكل شبه كامل للنظام الإيراني عبر المندوب السامي الجديد (قاسم سليماني) وفريقه المكوّن من قادة عسكريين كانوا يقاتلون الجيش العراقي إبان الحرب العراقية الإيرانية؛ ولذلك ترى نزعة الثأر من الطيارين العراقيين وخبراء التصنيع العسكري وكل الذين كان لهم جهد ما في تلك الحرب، فبأي منطق سياسي أو أخلاقي يتم تسليم البلد لبلد آخر وقد كان بينهما من القتول والدماء والمظالم ما لا يعلمه إلا الله؟!
إن هذه المحطّات والمعالم البارزة في السياسة الغربية تجاه العراق تجعل العراقيين في توجّس دائم من أية مبادرة غربية، مع أننا ينبغي أن نجعل في أذهاننا دائما هامشا يتسع لاحتمالية التغيير، فالسياسة الغربية ليست نصا مقدّسا، والمصالح عموما تتسم بالحركة والمرونة والتغيّر، والغرب يدرك أيضا أن المؤشّر الإيجابي الذي يمكن أن يلتقطه الناس لن يكون بالتصريحات والتلميحات، ولا باللقاءات والمؤتمرات، بل بخطوة عملية على الأرض تلامس حاجة الناس ومعاناتهم ومخاوفهم، وكل مبادرة لا تسبقها مثل هذه المقدمات فهي فاشلة ومنتهية الصلاحية قبل أن تبدأ.
• drmaiash@facebook.com
@maiash10
رابعا: لم يُخف الحاكم الفعلي للعراق (بول بريمر) بحسب مذكراته المنشورة أنه كان يحض الشيعة العراقيين بمراجعهم وأحزابهم الدينية أن يستغلوا الفرصة وأن لا يكرروا أخطاءهم السابقة، وقد تغافل بريمر أن عزوف الشيعة عن الحكم كان عقيدة دينية مرتبطة بالإمام المعصوم المعيّن من الله والذي لا يخلو منه زمان، وإنما يغيب لحكمة دينية وما على الشيعة إلا الصبر والانتظار حتى (يعجّل الله فرجه)، وهذه العقيدة لم تتخلخل إلا على يد الخميني الذي حرّف العقيدة الشيعية من (ولاية الإمام المعصوم) إلى (ولاية الفقيه)، ولكن السؤال لبريمر هذا: ما شأنكم أنتم بهذا التاريخ وهذه المعتقدات؟ ولمصلحة من يتم استعداء مكوّن على مكوّن؟
خامسا: رغم أن الشعارات التي جاؤوا بها كانت شعارات (ديمقراطية) فإنهم عمليا أسّسوا لحكم (ثيوقراطي) كهنوتي لا مثيل له في التاريخ ولا في الجغرافيا إلا في عصور الحكم البابوي لأوروبا، فبريمر وكل الساسة الغربيين تعاملوا مع السيستاني وكأنه (الحاكم المقدّس) الذي يفرض قوله على الحكومة والبرلمان والدستور والقانون، علما أن الرجل لا يحمل الجنسية العراقية، ولا أي جنسية عربية، وهو من منطقة (سيستان) المعروفة في إيران.
سادسا: توّج الغرب سلسة (مشاريعه الديمقراطية) هذه بأن سلّم مقاليد الأمور بشكل شبه كامل للنظام الإيراني عبر المندوب السامي الجديد (قاسم سليماني) وفريقه المكوّن من قادة عسكريين كانوا يقاتلون الجيش العراقي إبان الحرب العراقية الإيرانية؛ ولذلك ترى نزعة الثأر من الطيارين العراقيين وخبراء التصنيع العسكري وكل الذين كان لهم جهد ما في تلك الحرب، فبأي منطق سياسي أو أخلاقي يتم تسليم البلد لبلد آخر وقد كان بينهما من القتول والدماء والمظالم ما لا يعلمه إلا الله؟!
إن هذه المحطّات والمعالم البارزة في السياسة الغربية تجاه العراق تجعل العراقيين في توجّس دائم من أية مبادرة غربية، مع أننا ينبغي أن نجعل في أذهاننا دائما هامشا يتسع لاحتمالية التغيير، فالسياسة الغربية ليست نصا مقدّسا، والمصالح عموما تتسم بالحركة والمرونة والتغيّر، والغرب يدرك أيضا أن المؤشّر الإيجابي الذي يمكن أن يلتقطه الناس لن يكون بالتصريحات والتلميحات، ولا باللقاءات والمؤتمرات، بل بخطوة عملية على الأرض تلامس حاجة الناس ومعاناتهم ومخاوفهم، وكل مبادرة لا تسبقها مثل هذه المقدمات فهي فاشلة ومنتهية الصلاحية قبل أن تبدأ.
• drmaiash@facebook.com
@maiash10
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق