الثلاثاء، 1 ديسمبر 2015

فعال لما يريد!..



فعال لما يريد!..


المفكر الإسلامي الدكتور محمد عباس


قلت لصاحبي وهو يحاورني:
- ارتفع قليلا.. ارتق.. ابتعد قليلا كي يتسع الأفق.. فكلما اتسعت الرؤية اتضح المشهد وضاقت العبارة..
وواصلت قائلا:
- على السطح وبين الناس فإن مفردات الواقع قد تشى بيأس مطبق أسود لا يرى ثمة بصيص ضوء.. لن أخدعك.. ولن أدعى أن جموع الأمة بخير، بل أعترف أنها -جميعها - بشرّ، الحكام والمحكومين، النخبة والعامة، المجنسين والـبدون، الصفوة والحثالة والقضاء والجيش والشرطة والاقتصاد والصناعة والزراعة، والأزهر والحرم والأقصى، ليس ثمة عندنا ما لم يلحق به البوار.. نخرب بيوتنا بأيدينا …لا منهج يقودنا .. ولو نظرنا إلى كل الفئات لوجدنا أن أكثر ما أساء ولوث بالعار كل فئة لم يكن الأعداء ولا الاخوة أو الأصدقاء، بل أبناء الفئة نفسها..
فمن أساء إلى هيبة الحكم هم الحكام أنفسهم ..
ومن أساء إلى النصارى هم النصارى..
ومن أساء إلى علماء المسلمين علماء مسلمون..
ومن أساء إلى الأزهر بعض شيوخه ..
ومن أساء إلى الجيش هم قياداته..
ومن أساء إلى الشرطة هم ضباطها وأمناء شرطتها وعساكرها وقبلهم جميعا وزراء داخليتها..
ومن أساء إلى القضاء قضاة ..
ومن أساء إلى المثقفين مثقفون، و إلى الصحفيين صحفيون، وإلى الكتاب كتاب..و..و.. وإلى الأمة سكوتها عن كل هذا..
***
ورحت أنفث زفراتي دون صوت:
لقد افتقدنا المنهج..
لقد كانت طريقة إدارتنا لكل شئوننا تفتقد إلى منهج، لذلك كان الفشل هائلا والكوارث فادحة..
لن أخدعك ولن أخدع الناس لذلك أعترف منذ البداية بأنني لا أملك تفاصيل حل بل أملك منهجا ..
لست أملك وصفة سحرية نتجرعها فى المساء فإذا بالصباح يأتى وقد انقشعت الغيوم ورحلت الهموم وانتهت الكوارث وتحولت الهزائم إلى انتصارات..
لا أملك ذلك الحل، لكن ما لا أملكه أنا قد يملكه 85 مليون مصرى و أغلب الظن يملكه 300 مليون عربى ويقينا يملكه 1700 مليون مسلم ..
الحل فى تبنى منهج الحضارة الإسلامية فى مواجهة قضايانا ..
المنهج الشامل الكامل الذى هو أوسع من أى جماعة أو حزب لأنه يستوعب الجميع ..
المنهج الذى نسيناه، والذى يثير عليه الليبراليون والعلمانيون الغبار ويقذفونه بالأوحال.. المنهج الذى يعيد إلينا الثقة بديننا.. والذى يجعل هذا الدين حتما لا مناص منه.. ليس لأن الإسلام هو الحل لمشاكل دنيانا.. بل لو لم يحل الإسلام لنا أى مشكلة من مشاكل دنيانا وهذا افتراض غير صحيح – فليس أمامنا سواه .. وليس لنا اختيار.. المنهج الذى يجعلنا نشعر بأننا الأعلون..
إن جهد الأمة الآن يجب أن يكرس لا لإصلاح شامل جذرى يستحيل حدوثه، بل لتحقيق توازن مبنى على قانون إلهى ربما يشبه قانون الكتلة الحرجة فى الفيزياء، وهو قانون لا يتحكم فيه الكمبيوتر ولا يجرى حساباته العقل بل القلب، قانون لا يخطئ، ويقضى بأننا لو استطعنا أن نربى أمام كل ألف خائن مخلص واحد لانتصرنا..
قلت لصاحبي وأقول لك أيها القارئ استخلص العبر من التاريخ منذ مؤتة وتبوك واليرموك وكربلاء حتى جماعة المصريين الأحرار أو الماسون الأحرار، استخلص العبر من شرفاء تدنوا، و أطهار تدنسوا، ومجاهدين بلغ بهم الانحراف بعد أن رفعوا لواء الثأر لآل بيت النبى صلى الله عليه وسلم أن ادعوا النبوة- لماذا يفسد الكل ويتعفن؟­ لماذا.. الإجابة واضحة وجلية : افتقاد المنهج ..
قلت له وأقول لك أيها القارئ: تسألنى عن الحل؟..
الحل أراه بقلبى بعد أن كلت عينى.. ببصيرتى بعد أن زاغ بصرى.. الحل أمل فى الله ويقين به ورجاء أن تسبق رحمته بنا عدله فينا .. وأننا مساقون سوقا إلى منهجه و إن أبينا ..
وبهذا المنهج أقول لك أيها القارئ أننا برغم كل هذا الانهيار سننهض لننتصر ..
بهذا المنهج أقرر أننا – أنا و أنت – نحن الأقل لكننا الأعز، وأننا نحن الضعفاء، المحاصرون، المعتقلون، المعذبون، الشهداء، نحن الذين ننتصر فى النهاية دائما رغم كل عناء، و أن التاريخ يلقى بالآخرين فى مزابله، و أن الله يفصل بيننا يوم القيامة..
إن المستقبل غير كل تصوراتنا له، و الإعجاز الإلهى فى الخليقة يأبى إلا أن يكون معجزا ..
إن منهج الحضارة الغربية يعتمد على المادى المجرب المحسوس، فهو أشبه بجسد بلا روح، أما جوهر الحضارة الإسلامية فإنه يعتمد على كل ذلك مضيفا إليه قوة ودعما لا نهائيا هو قوة الروح، وهنا إذن يكمن جوهر نملكه لا يمكن أن يتمتع أعداؤنا بمثله، جوهر الإيمان بأن وعد الله حق، جوهر الإيمان، لا بالله فقط، بل بنواميس الله التى خلقها والتى تحتم دائما و أبدا انتصار الحق واندحار الشر مهما بعد المدى، ومن هذا المنظور وبهذا المنهج يجب علينا أن نقرأ التاريخ وأن نتأمل عبرته، إن خيانة الحكام والنخبة ليست بحادث طارئ، فعبر التاريخ كله كان حكامنا يخونون قضية أمتهم، تاريخ الحكام والجيوش هو تاريخ الخيانة والبطش والجبروت والتزوير والكذب، إننا نقع فى خطأ تفسير المستشرقين بما يكتنفه من نوايا السوء، حين نطالع تاريخ الحكام مفترضين أنه تاريخ الحقيقة، بينما هو سلسلة من الأكاذيب لإخفاء الحقيقة، نعم كان الحكام يخونون، لكن الناس كانوا فى نفس الوقت يصوغون حضارة شاملة ورائعة فى كافة فروع العلم والدين و الأدب والمعرفة والحرب، تلك الحضارة هى التى بقيت لنا وللعالم، أما الحكام فقد ذهبوا فى مزابل التاريخ .
انظروا فى تاريخ البشرية منذ آدم، وتعلموا أن الشر جزء من منظومة الوجود، وأن الله هو الذى خلقه ليبلونا به، ليمتحننا، لكنه لا يدعه ينتصر مهما بلغت قوته ومهما بلغ ضعف الخير. 
علينا إذن أن ندرك الحقيقة المعجزة فى بساطتها، فى بهائها، فى سطوعها الذى يعمى الأبصار عن رؤيتها، أن الله فعال لما يريد فى هذا الكون، لا تتجاهلوا أهم عنصر فى أى صراع فى هذه الدنيا، أن الله فعال لما يريد. . المادى المجرب المحسوس موجود وعلينا أن نتلمس به الأسباب لكن الله فعال لما يريد. . حسابات الحاسبات الضخمة موجودة ويجب أن تحترمها ولكن الله فعال لما يريد. 
إن المؤمن ليس مطالبا بالقوة كلها بل بما يستطيع منها، و أنه حين يتجرد ويخلص، فثمة قانون أشبه بقانون الفيزياء الذى يتحكم بالكتلة الحرجة التى يتحقق بعدها الانفجار النووى، حين يتجرد فإنه يطبق القانون الذى يقضى بأنه حينما يكتمل قدر معين من التجرد والإخلاص، يأتى نصر الله الموعود ليقلب كل موازين القوى.
 انظروا إلى بدر، انظروا إلى غزوة الخندق، انظروا إلى تسلسل المعارك منذ مؤتة حتى البرموك والقادسية وأجنادين وذات السلاسل..انظروا إلى الحروب الصليبية، انظروا إلى الحرب العالمية فى حطين حين خرج صلاح الدين من مصر بجيش قوامه اثنا عشر ألفا ليواجه مئات الآلاف من جيوش الصليبيين، ولينتصر، بالقانون الإلهى الذى نعرف نتائجه وإن لم ندرك كنهه، انظروا إلى ما حدث أيامها عندما جند ملك الألمان جيشا جرارا من ثلاثمائة ألف مقاتل لينجد به الصليبيين وليقضى على المشكلة من جذورها باحتلال مكة والمدينة، وبدأ الجيش الجرار زحفه، تخيلوا لو أن هذا الجيش وصل إلى ساحة الحرب ماذا كان يمكن أن تكون النتيجة؟..كيف كان يمكن أن يكون تأثيره على الجغرافيا والتاريخ ؟ هل تعرفون ماذا حدث لهذا الجيش؟ حدث أن الله فعال لما يريد، أن الله غالب على أمره، لقد نشبت الصراعات بين الجيش واستحر القتل، ثم غرق الإمبراطور وهو يستحم فى ترعة صغيرة فخلفه ابنه، ثم فشت الأوبئة فمات الابن أيضا، فهل تعلمون كم وصل من الجيش الجرار إلى ساحة الحرب فى فلسطين؟ ألف ­­ ألف فقط ­­ منهكين متعبين مهزومين، الله فعال لما يريد، انظروا إلى صراع الخير والشر منذ آدم، لو اتبعنا قواعد التفكير العلمى بمنطق أهل الأرض ، بالمادى المجرب المحسوس وبأدق و أضخم الحاسبات، لانتهى الخير بالهزيمة الماحقة بعد بضع عشرات أو مئات من السنين من بداية البشرية، لكن الله فعال لما يريد، ألق البذرة فى الأرض كيفما شئت لكنها ستنبت فى اتجاه الشمس، اقلبها، سيستدير الساق نحو الشمس، الله فعال لما يريد.. 
انظروا إلى تلك النسبة المعجزة فى الإنسان والحيوان والنبات بين الذكور والإناث وملاءمة ذلك لكل جنس منها، وانظروا إلى زيادة نسبة المواليد الذكور بعد الحروب الكبرى حين يهلك كثير من الرجال، الله فعال لما يريد، وثمة قوة لا ندريها ولا ندرك كنهها لكننا نؤمن بها هى التى تحدد النهايات والمصائر، لكن خطيئتنا الكبرى أننا - خاصة بمفهوم الحضارة الغربية - نعطى العقل أكثر مما يستحق، لقد خلقنا الله ثم أعطانا من العقل ما نحتاج فعلا إليه، ما ندرك به النسبى لا المطلق، الناقص لا الكامل، فإذا كنا نؤمن بكل ذلك فلماذا نستبدل المنهج الأرضى بالمنهج الإلهى؟.. وكيف بعد ذلك ننتظر الفلاح والنجاح؟.. الله فعال لما يريد، انظروا إلى صراع الخير والشر من الأزل إلى الأبد، لقد كان المدافعون عن الخير دائما هم الأقلون، هم المستضعفون فى الأرض، كان عددهم فى كل بقعة من بقاع الأرض لا يتجاوز العشرات إزاء الآلاف، أو الآلاف إزاء الملايين، لكنهم هم الذين انتصروا دائما، لو أخضعتم التاريخ لمقاييس العقل الأرضى لما بقى فى الأرض خير، واحد فى الألف هم الذين رفعوا الراية دائما عبر التاريخ وسلموها من جيل إلى جيل، واحد فى الألف أظهر الله دائما على أيديهم وقلوبهم نوره، واحد فى الألف هم الذين أصروا دائما على ألا يستسلموا، ولقد كان الحكام دائما فى الجانب الآخر، عدا استثناءات نادرة سجلها التاريخ واحتفى بها أيما احتفاء، واحد فى الألف، هم الذين أدركوا أنهم جند الله فى الأرض و أنهم هم الوارثون، ليست خيانة الحكام والجيوش والنخبة اكتشافا جديدا، ومع ذلك، هم الذين يذهبون ملعونين - فى أغلب الأحوال - حتى نهاية الزمان ونحن الذين نبقى، نحن المستضعفين، ولست أدعى أننا كنا على الحق دائما، لكننا حاولنا طول الوقت فكنا الخطائين التوابين، نحن الذين بقينا، نحن الذين ذُبحنا وقُتلنا وعذبنا وحرّقنا وصلبنا وسجنا وهزمنا وتُقُوُّلِت علينا الأقاويل وزُيِّف ضدنا التاريخ، هم ذهبوا ونحن بقينا، لأنهم أطفأوا نور الله فيهم فلم يبق فيهم إلا الوجود الحيوانى الذى لا يترك خلفه بعد الموت إلا نتن الجيف، نحن، نحن المستضعفين منّ الله علينا فأدركنا أننا حملة راية نور تنتقل من جيل إلى جيل، أدركنا أننا نحملها كأمانة تعهدنا بها قبل أن نولد بملايين السنين لنوصلها إلى بعد أن نموت بملايين السنين، كى نقف أمام الله يوم الحساب يباهى بنا نبينا عليه الصلاة والسلام الأمم، نقف منتصرين خالدين لا نموت، ليس يضيرنا إذن أن يسقط منا فرد أو مليون فرد، فنحن نحارب من أجل قضية خلق ووجود وكون لا يحده زمن ولا وطن ولا جيل ولا فرد، قضيتنا مستمرة استمرار الوجود، ولأننا واثقون أن رايتنا هى التى تصل، فلا محل عندنا لليأس ولا انتظار للنصر، لأننا منتصرون ونحن محاصرون، منتصرون ونحن نقصف بالصواريخ أو نعدم بالرصاص، منصرون في ميدان التحرير وفي جوانتانامو وأبي غريب، منتصرون معلقين على المشانق، منتصرون مصلوبين، منتصرون لحظة اتخاذ الموقف لا لحظة النتيجة الأرضية، منتصرون حين انتصرنا فى الجهاد الأكبر على نفوسنا فتوقفت ذواتنا عن التضخم، توقف كل واحد منا عن اعتبار نفسه مركز الكون و أن موته هو نهاية الدنيا، توقفنا عن انتظار جنى ثمار جهادنا فى حياتنا، نحن نحارب اليوم كى ننتصر بعد ألف عام، تماما كما حارب الحسين كى ينفى الشرعية عمن اغتصب الحكم رغما عن المسلمين، ولو أنه استسلم لحل لكل غاصب غصيبته، قولوا لى من انتصر، يزيد أم الحسين، انظروا، لتدركوا أن جهادنا نحن هو الذى يبقى فى قلوب الناس و أن كلامهم زبد يذهب فى الأرض جفاء.
 نحن خسرنا دنيا، لم تبهرنا ولم تغرنا ولم تغونا فلا نطيق أن نفقد من الآخرة شيئا وهم فقدوا الآخرة فلا يطيقون أن يخسروا من الدنيا شيئا، وما خسرنا الدنيا لقلة حيلة لكننا أدركنا أنها لهو ومتاع الغرور، أنها جيفة، ولولا هوانها إلى الله ما رزق فيها كافر بشربة ماء، لذلك استعصت قلوبنا عليها، لا لزهدنا، بل لطمعنا فيما هو خير و أبقى. فإذا كانت الدنيا جيفة فما موقع التاريخ الكذوب من الجيفة وما قدر حكام خانوا فيها. انظروا إلى سر الإعجاز الإلهى فى خلقه ..
إن الواحد فى الألف هو الذى يحدد مسار التاريخ، وهو برغم الأغلبية الكاسحة يتطور باستمرار إلى أمام، إنهم دائما يعرقلون الانتصار، يؤخرونه، لكن مشيئة الله هى التى تنفذ على أيدينا فى النهاية، هذا الواحد فى الألف لم يخبرنا به حساب ولا تجربة ولا جهاز كمبيوتر بل أنبأنا به العزيز الجبار الرحمن الرحيم حين أخبرنا أنه يأمر آدم يوم القيامة أن يأتيه بحصاد جهنم فيأتيه من كل ألف بتسعمائة وتسعة وتسعين، الواحد فى الألف إذن هى الكتلة الحرجة التى يحدث بعدها الانتصار، فهل نعجز كأمة أن نربى من كل ألف واحدا و أن يثبت هذا الواحد وهو على يقين من نصر الله..
إننا الآن فى الزمن الذى أخبرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم، الزمن الذى يخرج فيه الناس من دين الله أفواجا، زمن الليبرالية والعلمانية و الحداثة والعولمة، فهل تعجزين يا أمة الإسلام أن تعطى من كل ألف واحدا فقط ؟ أجل، فليثبت منا من كل ألف واحد، وسيكون لنا النصر 


أرأيت أيها القارئ كيف يمكن أن يغير المنهج من نظرتنا للأمر، لسنا مطالبين إذن بالمستحيل، ولا مطالبين بما قد يؤدى إلى مجازر الشعوب والحروب الأهلية، مطالبون فقط بما نقدر ونستطيع، بحق وإخلاص وتجرد. فليكن فى كل مكان وهيئة صالح واحد بين ألف طالح، وسينتصر الواحد الصالح لكن هذا الصالح عليه ألا يخشى إلا الله، أن يعبد الله حقا ويعرفه حقا ويجاهد فى سبيله حقا..
إن الآخرين يعرفون عن قوانا الكامنة أكثر بكثير مما نعرف، لكن الجهل والخيانة يحاصرانا، وعلى سبيل المثال فما أكثر ما كتب عن كتاب صدام الحضارات و إعادة صنع النظام العالمى، ما أكثر ما كتب عنه، لقد قدمه البعض للقارئ كما لو كان كتابا لا يأتيه باطل، ومع ذلك لم يذكر أحد أن رأي المؤلف : " صمويل هنتنجتون " فينا أفضل من رأينا فى أنفسنا، يقول الكاتب : " طالما أن الإسلام يظل - وسيظل - كما هو الإسلام، والغرب يظل -وهذا غير مؤكد - كما هو الغرب، فإن الصراع الكبير بين الحضارتين الكبيرتين و أساليب كل منهما فى الحياة سوف يستمر "..
أجل .. مهما كانت كثافة الظلام فى الحاضر، ومهما كانت حسابات العقل متشائمة، فإنه لا ينبغى أن نيأس من المستقبل فثمة وجه آخر للأمر علينا ألا نغفله، ذلك أن التطور البشرى كله مبنى على اكتشاف خطأ جل ما ظنناه حقائق راسخة لا يتطرق الشك إليها، لقد كانت حساباتهم قبل الثورة أننا نحتضر ..و أن هزيمتنا أمام جحافلهم المدعومة بالصليبيين واليهود وشنودة محتومة.. وجاءت الثورات فقلبت حساباتهم.. ثم بدأت الثورة المضادة.. فهل نستيئس؟!..
لا .. لا يحق لنا نحن مهما صادفنا من إحباط أو نكران أو فشل أن نيأس، مهما خاننا حاكم أو جيش أو مجلس عسكري أو فرد أو جماعة، فنحن لا نجاهد من أجل قضية شخصية ولا من أجل مجد أرضى، قضيتنا هى إعلاء كلمة الله، وهى قضية محسومة، نحن على الحق، من يسقط منا فاز، ومن يستمر يفوز والقضية فى كل الأحوال مستمرة. حتى الأخطاء والهزائم، يوظفها الله لنا كى تكون جنودا لنا، وانظروا فى عصرنا الحديث إلى تصرفات بعض دولنا، لقد كان تصرفها ضد مصلحة الأمة كى تثور فى الضمائر تساؤلات عن شرعية وجودها، هذه التساؤلات انفجرت بالأمس وتنفجر اليوم سوف تنفجر غدا، وسوف تغير الجغرافيا والتاريخ، انظروا مثلا إلى الأزهر عندما نسى دوره ليدعم السلطان، لقد انصرفت الأمة عنه، عزلته كى توقف تأثيره الضار على وجدانها، و حل محل الأزهر خطباء مساجد نصف ما يقولونه من أحاديث هى أحاديث موضوعة، وبرغم ذلك فبجهل الجهلاء لا بعلم العلماء احتفظت الأمة بتوجهها الصحيح، تماما كما يحافظ الصدأ على تماسك هيكل معدنى ضخم لو أزلت منه الصدأ لانهار، فانظروا فيوض الكرم حين ينصرنا بضعفنا ويحفظ عقلنا بجهلنا، انظروا أيضا إلى البوسنة، لقد كانت محاولة استئصال شأفة الإسلام هى نفسها الطريق إلى انبثاق أول دولة إسلامية فى أوروبا الحديثة. 
أيقنوا بالنصر، واعلموا أن مأساة البشرية ليست فى الموت بل فى الخلد، وما الموت سوى عرض عابر، لقد كنا أحياء قبل أن نولد، وسنحيا بعد أن نموت ثم نبعث ثم لا نموت أبدا، وإننا عندما نبدأ الطريق ندرك أن اخوة و أبناء لنا سوف يكملون ما بدأنا، ما لراية ترفع مشيئة الله أن تسقط، فأبدا لا تستيئسوا، بعون الله سوف ننجح، وسوف ننتصر على ذواتنا وعلى خونتنا وسنحارب إسرائيل كافة كما أمرنا الله - لا لكى نعيدها إلى حدود 67 بل حتى نزيلها من الوجود- ..
لو أن إنسانا شريفا وعدك وعدا فإن وعد الحر دين عليه ولو أن جلالة ملك أو فخامة رئيس أو سمو أمير أو معالى شيخ وعد وعدا فإن وعده أمر.. أما إذا وعدنا الله نفسه فإن وعده قضاء لا رد له..
مهما بدت بوادر الفشل سننجح .. سنحافظ بإذن الله على اليقين فى قلوبنا كى نمنحه لمن يأتى بعدنا ، نحن جيش الله، وعلى كل فرد منا أن يدرك أنه يحارب وحده و أنه جيش وحده و أن وعد الله حق ونصره قريب وأنه سيبعث يوم القيامة ليحاسب وحده ..
علينا أن نحافظ على أنفسنا، على ديننا ومنهجنا كى لا يصيبنا البوار والعفن الذى أصاب الذين من حولنا من ليبراليين وعلمانيين وآخرين لا تعلمهم ولكن الله يعلمهم..
علينا أن نناضل ونكافح و أن نستعد للاستشهاد فى كل لحظة، فما أقل عددنا وما أكثر أعداءنا ..
علينا أن نفعل كل ذلك بحب وبثقة ويقين بأن الله فعال لما يريد، أما نحن فجنود، أوصانا قائدنا بمهمة، وعلينا القيام بها، حتى لو متنا فى الطريق، فالقائد يعلم، وقد كان قادرا على أن ينفذ مهمته بقدرته دون تكليف لنا، لكن التكليف امتحان لنا، ليس من حقنا نحن الجنود أن نسأل القائد لماذا يفعل ما يفعل، فكوننا لا نقرأ إلا صفحة من كتاب الوجود ثم نذهب يحتم علينا بعدم اكتمال المعرفة. يحتم علينا ألا نسأل أو نعجب أو نعترض، ثم أنه سبحانه ما ضنّ علينا بوعد النصر، إن الإيمان الأكمل كان يقتضى منا أن ننفذ ما كلفنا به حتى دون وعد، لكنه سبحانه رحم الضعفاء فينا، نحن لا نصل إلى الغايات بل نتبع الوسائل، وفى وسائلنا ينبغى أن نكون دائما كما أمرنا، ولا عذر لنا، تحت أى ظرف من الظروف، فى أن نتخلى عن نبلنا وشرفنا، ولا أن ننسى أبدا أننا خير أمة أخرجت للناس..



موقع الدكتور محمد عباس
لقد اكتشفت مذهولا أن البطل الرئيسي في هذا العمل الأدبي يكاد يكون هو الفريق السيسي.. رغم أنني كتبته دون أن أعرف حتى اسمه.. د محمد عباس.
MOHAMADABBAS.NET

تاريخ النشر:September 17, 2013 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق