الاثنين، 14 مارس 2016

أنصار ومهاجرون ...بين أردوغان وضياء الحق

                 أنصار ومهاجرون             
   ....   بين أردوغان وضياء الحق          

د. أحمد موفق زيدان - خاص ترك برس

أعادت التجربة التركية في التعاطي مع الجهاد والهجرة تجربة باكستان ضياء الحق مع مجاهدي ومهاجري أفغانستان منتصف السبعينيات وحتى الآن، ومنذ وصول ضياء الحق عليه رحمة الله إلى السلطة عبر انقلاب عسكري أطاح بذو الفقار علي بوتو عام 1977 وفرض حكماً عسكرياً على باكستان إلى أن رحل في حادث تحطم الطائرة المثير للجدل في آب 1988، تواصل التعاطي الإيجابي الباكستاني مع المهاجرين الأفغان حتى يومنا هذا وإن كان بدرجات أقل من السابق..

بداية لا يشك عاقل  أن التعاطي الرسمي التركي مع المهاجرين السوريين كان مميزاً ورائعاً ولعل الفارق الكبير بين التعاطيين هو فيما يتعلق بالصعيد الشعبي، فالحدود الباكستانية ـ الأفغانية التي استقبلت المهاجرين الأفغان تتشاطر إثنية وعرقية وقبلية ولغة واحدة مع الأفغان وهو ما سهّل على الجانب الرسمي الباكستاني سياسته المؤيدة والمتعاطفة مع الأفغان بخلاف الواقع التركي الذي ورث سياسة عدائية رسمية تركية لعقود سعت إلى زرعها في نفوس الأتراك ضد العرب بالإضافة إلى وجود الأقلية العلوية المؤيدة والمناصرة للنظام السوري وهو ما جعل المهمة أصعب ..

لكن هنا لا بد من الحديث عن التجربة الباكستانية الرائعة في التعاطي مع المهاجرين والمجاهدين الأفغان، فقد وفّر ضياء الحق وحتى من بعده مكاناً آمناً بدرجات متفاوتة للمجاهدين الأفغان ثم لمقاتلي طالبان ضد التحالف الدولي،  وكان الكل يتحرك في فضاء واسع يمكنهم من خلاله مقاومة الاحتلال لبلادهم، وظل المقاتلون مجاهدون أو مقاتلو طالبان أوفياء لهذا الكرم الباكستاني فكانوا خير سند وخير داعم للأمن القومي الباكستاني، ولعبت باكستان دوراً محورياً وأساسياً في توحيد صفوف المجاهدين الأفغان من خلال التحالف السباعي الذي قدمته للعالم كله على أنه المظلة العسكرية والسياسية والمالية للجهاد الأفغاني، ونجحت في ذلك نجاحاً باهراً، حيث ظهرت باكستان على أنها النافذة العالمية الوحيدة للجهاد والمجاهدين ونافذة المجاهدين للعالم الخارجي مما أرغم العالم على التعاطي مع الجهاد من خلال الرؤية الباكستانية ، فكانت هي من تقرر وتبت في الدعم المقدم لجماعات المجاهدين الأفغان، بينما نرى على الجانب التركي للأسف عدم الاستفادة من تجربة الضباط المنشقين منذ اليوم الأول، فلا هي دفعتهم لتشكيل كيان واحد موحد ولا هي أجبرت الجماعات الجهادية والثورية على تشكيل تحالف موحد معترف به داخلياً وخارجياً، ولا هي نجحت في إرغام العالم ديبلوماسياً وسياسياً على التعاطي مع رؤيتها للثورة السورية، التي على ما يبدو لم تقدمها ولم تعلنها بشكل واضح كما فعلت باكستان، وهو ما نجحت فيه الأردن بشكل كبير في جمع المنشقين وفرض رؤيتها عليهم في الجنوب السوري بغض النظر عن اتساق ذلك مع الثورة السورية.

نأتي إلى واقع المهاجرين السوريين، فعلى صعيد المهاجرين السوريين بتركيا نجحت تركياً في البداية باستقبالهم وقدمت لهم التسهيلات ظانّة على ما يبدو أن الأمر لن يعدو أشهراً ولكن حين طالت الهجرة ظهر التململ واقعاً على الأرض إن كان من حيث التعاطي مع حالات الهروب من خلال الحدود فقتل عدد من الهارببين من جحيم النظام الطائفي خلال عبورهم الحدود، ثم أغلقت الحدود في كثير من الأحيان، وفُرضت تأشيرات السفر من جديد بعد أن كانت قد رفعتها قبل انطلاق الثورة السورية، مما تسبب في إشكاليات كثيرة للسوريين لا سيما المقيمين في الخارج ممن يعيلون أهلهم في الشام، وهو ما يرفع الأثقال والهموم والمشاغل على تركيا نفسها..

طوال نصف قرن من الهجرة والجهاد الأفغاني لم نسمع عن حادث قتل أفغاني واحد على يد حرس الحدود الباكستاني، وكان المهاجرون الأفغان يعيشون بكل أمن وأمان في باكستان إن كان من حيث الحرية الكاملة في التحرك بين المدن دون أي حسيب أو رقيب، أو من خلال فتح الجامعات الباكستانية أبوابها لهم، أو أسواق العمل الباكستانية وحتى المساجد الباكستانية كان كثير من أئمتها من الأفغان، بالإضافة إلى المدارس الدينية حيث كان للشيخ الأفغاني حرية بناء المدارس وإقامتها وتربية وتعليم أبناء الأفغان الدين الإسلامي ..

هذه الديبلوماسية الباكستانية الناعمة أنتجت لاحقاً جيلاً أفغانياً وصل إلى مفاصل السلطة الأفغانية اليوم، فظل يستذكر تلك الأيام الجميلة التي قضاها في باكستان وسط حرية وفرت له أجواء ما وصل إليه من سلطة وجاه ونفوذ، نعود إلى تركيا اليوم فنقول إن الأخيرة مشكورة على جهودها الرائعة تجاه المهاجرين والمجاهدين في سوريا، ولكن الكبير دائماً مطلوب منه الكثير بناءً على حجمه، وأول ما هو مطلوب منه اليوم:

1- المساعدة على بناء وحدة ثورية جهادية إن كان من الجيش الحر أو من المجاهدين والثوار وإرغام العالم على التعاطي مع هذه القوة، وهي الكفيلة بوقف تداعي وتدهور الساحة التركية من الزاوية الكردية المرتبطة بالأجنبي كما حصل في باكستان يوم استفادت من المهاجرين والمجاهدين في مواجهة غلاة البلوش الطامحين إلى الانفصال بدعم روسي وأميركي وإيراني ووو..

2- المساعدة في التخفيف عن المهاجرين السوريين  داخل تركيا من خلال التنقل بين المدن والقرى التركية، أو في تخفيف القبضة على  المعابر، مع التعاطي الإيجابي مع الهاربين من جحيم العصابة الطائفية بطريقة بعيدة عن المعابر، التي لم يلجؤوا إليها إلا بعد أن سُدّت المعابر الرسمية في وجوههم..

3- في علم النفس ما يُعرف بالماسحة أي أن العمل الأخير والفعل الأخير هو الذي يبقى ويمسح ويجبُّ ما قبله وعلى تركيا أن تواصل سياستها الإيجابية التي بدأتها مع الشعب السوري ليستذكر السوريون وأهل الشام تلك المواقف الإيجابية ولا يستذكرون موقفا أو موقفين أو أكثر من تركيا ممن مسحوا كل إيجابيات المواقف التركية..

أخيراً الأيام دُول، والحياة باب دوار ولا يعلم الإنسان متى سيتعرض لمحنة أو مصيبة، فمن كان يظن أن الشام ستتعرض لما تتعرض له!، وبالتالي على الكل أن يعلم أن الجار هو من يبقى والجغرافيا لا يمكن محوها أو إلغاؤها، فالإحسان والكرم ليس من أجل إلقائه بالبحر كما يردد بعض العامة، وإنما سيأتي اليوم الذي سيردّه من ناله لأهله وأصحابه إن كان في مسرّات أو غيرها لا سمح الله، وما عند الله خير وأبقى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق