قراءة في كتاب “الإمامة وخطرها على وحدة اليمن” للشهيد محمد محمود الزبيري
كانت هذه البداية مبدأ الثائر اليمني ”الزبيري“ الذي لا يعترف بأي سيادة سوى بسيادة الشعب نفسه المتمثلة بالمساواة، “وهذا لن يتحقق إلا بتحرير حياتنا وعقولنا من كل ضروب العبودية”، كما قال.
*يلفت المؤلف إلى أنه “من الخطأ أن نعد كل من يدعو إلى الحكم الشعبي أنه عنصري أو سلالي، بالعكس العنصريون هم من يؤمنون بالفوارق، ويدافعون عن السلالية والأفضلية، أما من يدعو إلى المساواة بين الناس، وأن يحكم الشعب نفسه بنفسه، هو ثائر يدعو إلى الوحدة الشعبية والوطنية”.*
وركز “الزبيري” في هذه النقطة على العبودية الاجتماعية والسياسية، وهما العبوديتان اللتان تنتهجهما الإمامة في اليمن وغيرها، فلا فوارق ولا تمييز بين أبناء الشعب أبدا عند الكاتب، وهذا هو موقفه الذي وضحه في هذه النقطة وهو الموقف الذي أعلن أنه صار مبدأوه.
ينتقل الكاتب بعد ذلك، إلى الوحدة الوطنية التي قال إنها تأثرت كثيرا بالاستعمار الذي عمل على تقسيم اليمن إلى قسمين (قسم مستقل تمثل بالطائفة الزيدية وقسم آخر تمثل بالشافعية).
فالقسم الأول المتمثل بالزيدية سعى، وفقا للكاتب إلى “تمزيق اليمن”، متخذا من شعار (فرق تسد) قاعدة له لتمزيقه، حتى يتمكنوا من بسط الحكم.
واستدرك “الزبيري” قائلا “لكن الوحدة الوطنية الموجودة بالفطرة في قلب كل يمني حركت مشاعر الجميع في الشمال والجنوب بخطورة المسعى ومحاولة التفريق بين أبناء الشعب، وأفشلت ذلك المخطط الزيدي الاستعماري، وبدأت دعوات الأحرار تنبه أبناء الشعب، وبدأ الحراك الثوري ضد هذه الطائفة التي لم يتقبلها أحد من الشعب، وأفشلت كل خططها وأهدافها”.
وسلط المؤلف الضوء على “خطر الإمامة على وحدة الوطن”، الإمامة التي قال إنها “تعد فكرة مذهبية يعتنقها جزء قليل من سكان اليمن الأعلى وأما باقي الشعب فهم يرفضونها ولا يقبلون بها”.
ويقول المؤلف أن التحكم الذي حاولت الإمامة فرضه على الشعب هو سبب من الأسباب التي أدت إلى تمرد أبناء الشعب، ليصل الأمر إلى أن الإمامة ترى أن “اليمن الأعلى” المتمثل بالزيدية هو الذي يحق له الحكم، وأما “اليمن الأسفل” فهم مجرد ميدان لهذا الحكم.
ويشير الى أن الإمامة نجحت في تصنيف الشعب على هذا الأساس، فالأبرياء في مجال حكم الزيدية والبؤساء في اليمن الأسفل يعانيان الظلم ذاته.
وحتى يستأثر الإمام بقوت الشعب، تحدث المؤلف عن الإمام وتعنته، موضحا الأكاذيب التي بثها في أبناء الشعب بأن الخير يأتي بسبب الإمام ودعوته، والقحط ينتج عن غضب الإمام؛ وهو بهذا يجعل الناس يهبونه ثمارهم وأموالهم ليرض عنهم.
*ويؤكد المؤلف أن الأمر وصل إلى درجة أن الناس ماتوا جوعا في عهد الإمام وكانت خزانة الحكومة مليئة بالحبوب، إلا أن الإمام أعلن أن من مات جوعا في عهده فهو “شهيد”.*
وعن الشخصية اليمنية في عهد الإمامة، فيقول المناضل ”الزبيري“ إنها كانت “شخصية مسحوقة لا تقرأ إلا قداسة الأئمة”، وإذا حاول أحد أن يرفع رأسه فإن الأئمة يقطعونه، ليصبح عبرة لا يستطيع بعده أحد أن يفكر بالثورة عليهم.
ويقول الكاتب إن كل ملوك الأرض مهما كانت طوائفهم فإنهم لا يتربعون على عروشهم إلا بالزلفى، والتقرب إلى رعيتهم وإطعامهم، إلا الأئمة في اليمن استطاعوا إقناع الشعب أن ملكهم مقرر من السماء، وأن كل من يرضخ للسادة فعليه أن يلبس جلباب الابتلاء والعذاب من أجلهم، وبهكذا ظل حكم الإمامة أكثر من ألف عام.
إن مهمة الإمام كما وضحها “الزبيري”، تقتصر على “أخذ ثروة الشعب باسم الزكاة، وكذلك قمع الانتفاضات باسم الجهاد، وبناء الأضرحة في المساجد التي تخصهم ،وأخذ أرض الشعب”.
وتحدث أيضا عن “زهد الإمام ورسالته المتمثلة ببث روح الزهد عند الناس، وإبعادهم عن عمارة الأرض سوى عمارة قصور الأئمة فقط، حتى أن اليمن بعدما كانت ذات حضارة لم يبق في عهدهم حتى سد مائي والأحباش هم من أعادوا بناء سد مأرب”.
والمهمة الأخرى الخاصة بالإمام كانت متمثلة بتدعيم مركزه بين القبائل على أنه “نائب الله وخليفته في الأرض، ولا فرق بينه وبين الرسول”، وفقا للكاتب.
ومع أن المذاهب قد حددت بأربعة فقط لم تتناول الأئمة؛ فكان لابد من مذهب خامس؛ ولهذا ظهر المذهب الخامس، وهو المذهب الهادوي الزيدي الذي سمح لهم بالاجتهاد.
ويقول أن الخلافة لابد أن تكون في العلويين؛ والهدف من ذلك هو استرداد حق العلويين في الخلافة، ولهذا السبب تم السماح بالاجتهاد، ولا يتم اختيار الإمام إلا إذا وصل إلى درجة الفضل في الاجتهاد.
ثم ينتقل “الزبيري” إلى مسألة “حرية الاجتهاد”، وهي مسألة مهمة جدا عند الإماميين، فهم لا يمنحون الحرية في الاجتهاد إلا لمن يجتهد في خدمة فكرتهم، ويخدم الإمامة، وغير هذا النوع من الاجتهاد مرفوض.
ولذلك وضح المؤلف أن كثيرا من الاتجاهات الدينية وخصوصا “أصحاب النحل” قد كفرتها الإمامة مثل الأشعرية، فكل دعوة يقوم بها اتجاه لاتخدم الإمامة فأنها تكفرهم.
ويضيف “ومع أن الاجتهاد بدأ يتحرر من قيودهم شيئا فشيئا إلا أن الإمامة كانت قد سعت بين القبائل وزرعت أفكارها التي تجعل الناس يقدسون الحاكم”.
*يوضح “الزبيري” حقيقة تاريخية مهمة مازالت إلى اليوم، وهي “التقليل من شأن اليمنيين في اليمن الأسفل والإعلى من مكانتهم في اليمن الأعلى”.*
ويشير الكاتب الى أن الأئمة لم يستعبدوا الآخرين فحسب، بل استعبدوا حتى بعض الهاشميين وأمروا بقتلهم، مستدلا بـ”ابن الأمير الصنعاني”، الذي كان يمثل الوجه الثائر من الاتجاه الزيدي ضد الإمامة، فحاولوا قتله ومُنِع من الخطابة في الجامع الكبير بصنعاء.
ومن أكثر المحن التي واجهت الشعب كما يقول “الزبيري” هي أن مجموعة صغيرة تدخل صنعاء وتمنع كتب السنة عن أهلها، وعاقبت كل من يقرأها، فكل من يقرأ هذه الكتب فهو عدو للإمامة حتى وإن كان من طائفتهم.
ونبه الكاتب إلى أن ليس كل الزيديين يقللون من الشافعيين أو يمقتونهم، بل إن من الأئمة أنفسهم هم ضحايا فئة صغيرة متسلطة تدعي الأحقية بالسلطة دون غيرهم حتى ممن ينتمون إليهم، وإن فكرة الخروج على الظالم فكرة مزيفة وليست حقيقية يستغلها الإماميون، والدليل على ذلك أنه لم يخرج واحد منهم على إمام ظالم.
ثم انتقل الكاتب إلى نقطة أخرى، وهي أن الفكر الإمامي الذي يدعي الحق الإلهي هو ليس من أجل الدين ولا المذهب؛ وإنما من أجل المال فقط، ومن أجل الحكم ؛ ولذلك سعوا كثيرا إلى إقناع الناس بأنهم لايمكن أن يحكموا أنفسهم وإنما الحكم هو لفئة محددة هي الأولى بالحكم من غيرها.
ويقول “الزبيري” إن فكرة هذا الحق الإلهي هي “فكرة خطيرة، وستستمر وسيعاني منها اليمن دائما”، وهذا بالفعل ما نعاني منه إلى اليوم.
ثم يتساءل “الزبيري” قائلا “من الأحق بالحق الإلهي؟ ومن الذي حدد هذا الحق بطائفة معينة“. ويضف أن “الشعب مهما حاولت الامامية إخضاعهم لحكمها فإنه لن يرضى بذلك، ولا بد أن يأتي يوم ويثور عليها”.
وأردف المؤلف “لو كان الشعب يريد إنقاذ الوطن من الإمامة فعليه بالدعوة إلى الحكم المحلي، وتمكين الكل من القيادة بالتساوي؛ وهذا هو ما سيجعل اليمنيين يحافظون على وحدة وطنهم”.
ويصل في هذا الكتاب إلى أن الهاشمية مهددة من الهاشميين أنفسهم فكل إمام يصعد إلى الحكم فإنه يعادي باقي الإماميين حتى لا يستولون على سلطته، بل إن شعور السادة بالتميز على الآخرين والتعالي، ورفض تزويج غير الهاشميين، كل هذا سيجعل منهم فئة صغيرة محصورة، وهذا ماسيؤدي إلى ضعفها وانتهائها.
ثم يقول “إن هناك من ينتمون إلى السلالة الهاشمية وجدوا في أقطار عربية مثل مصر، ولكنهم تخلوا عن فكرهم الزائف، واندمجوا مع الشعوب، وأنتجوا أبطالا حقيقيين، وصاروا أمثلة في الوطنية والعدل، حتى أن هناك من الإيرانيين والحبشيين من عاشوا في اليمن واندمجوا مع شعبها، وصاروا جزءا من هذا الشعب لا علاقة لهم بالفكر السلالي العنصري أبدا”.
ويختتم “الزبيري” كتابه بالحديث عن مصر التي قال إنها “ليست عنصرية ولن تكون كذلك؛ لأن شعبها لا يؤمن بالفوارق، ولا يدعو إلى العبودية أبدا، وستظل مصر وغيرها كذلك، ولن يستطيع تزييف الحقيقة أحد مهما حاول ذلك”.
*خاتمة:*
إن الكتاب رغم صغر حجمه إلا أنه استطاع أن يوضح خطر الإمامة على وحدة اليمن ليس من حيث الجانب الجغرافي فحسب، بل حتى من الجانب الديني والاجتماعي والسياسي.
إن كل ما قاله الشاعر الثائر محمد محمود الزبيري ونبه على خطورته هو ما وصلنا إليه اليوم ونعاني منه؛لأننا لم نقرأ هذا الكتاب وغيره، ونعمل بما جاء فيه، بل إذا قرأناه فإننا نقرأه قراءة عابرة ونتجاهل هذا الخطر الذي قد يعود لا قدر الله إلى حكم اليمن ألف عام مستقبلا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق