الثلاثاء، 19 سبتمبر 2023

لا ولاية شرعية في الإسلام ‏إلا وفق حكم الله

 لا ولاية شرعية في الإسلام ‏إلا وفق حكم الله

د. حاكم المطيري

 

هناك من أهل العلم من يقول إن الحديث: (ما أقام فيكم كتاب الله)، ليس شرطًا في طاعة أولي الأمر، قالوا إن مفهوم المخالفة في الحديث ملغاة، وليس شرطا مقيدا، لذلك يعتبرون الحاكم بغير ما أنزل الله من العلمانيين أولي أمر وممن يستحقون الطاعة الشرعية وتحرم مخالفتهم. نرجو البيان..

– إقامة الأحكام شرط لشرعية الولاية والإمام في الإسلام بالنص والإجماع ..

‏ولا تكون السلطة الجبرية أو التعاقدية التي لا تحكم بالإسلام نيابة شرعية عن النبي ﷺ لعموم الشرط في قوله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء} أنتم وأولي الأمر {فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} فمن لم يفعل مع العلم والقدرة فليس بمؤمن أصلا!   

‏ولم يقل أحد من سلف الأمة وأئمة السنة وفقهائهم قط بأن هذا الشرط لا مفهوم له، ولا يقول ذلك فقيه أو أصولي، فإن لفظه كما عند أحمد والترمذي بإسناد صحيح: (يا أيها الناس اتقوا الله، وإن أمر عليكم عبد حبشي مجدع فاسمعوا له وأطيعوا ما أقام لكم كتاب الله)، وفي رواية عند أحمد وابن ماجه بإسناد صحيح: ( فاسمعوا له وأطيعوا، ما قادكم بكتاب الله).

‏ولفظه في صحيح مسلم: (ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله، فاسمعوا له وأطيعوا).

‏وقوله: (يقودكم بكتاب الله) الجملة الفعلية صفة للعبد تقيد الإطلاق فيه.

‏وما هنا (ما قادكم) و (ما أقام لكم) مصدرية زمانية يعني مدة إقامته للكتاب وإقامته أحكامه، ومدة قيادته لكم بالكتاب وأحكامه.

‏وهذا شرط وقيد صريح بمنطوقه تماما مثل: (ما أقاموا الصلاة)!

‏ وهو معقول المعنى أيضا فإن الإمارة في الإسلام والأمر بالسمع والطاعة إنما شرعت أصلا لإقامة حكم الله وشرعه وما جاء به رسوله، كما قال تعالى في الغاية من إرسال الرسل والأمر بطاعتهم {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله}، {قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين}، فمن تولى عن طاعة الله ورسوله وأعرض عنها؛ فهو من الكافرين لا المؤمنين فلا سمع ولا طاعة له بل لا ولاية له أصلا مع المسلمين فضلا عن الولاية عليهم!

‏قال الأثرم في «ناسخ الحديث ومنسوخه»: (فاختلفت هذه الأحاديث في ظاهرها، فتأول فيها أهل البدع.

‏فأما أهل السنة: فقد وضعوها مواضعها، ومعانيها كلها متقاربة عندهم.

‏وأما أهل البدع: فتأولوا في بعض هذه الأحاديث مفارقة الأئمة والخروج عليهم.

‏والوجه فيها أن هذه الأحاديث يفسر بعضها بعضا، ويصدق بعضها بعضا.

‏فحديث أبي هريرة الذي ذكر فيها «من أطاع الإمام» فقد فسره حديث أبي هريرة الثاني الذي قال فيه: «من أطاع أميري» ثم بين أنه أيضا لم يخص أميره إذا أمر بغير طاعة الله، لأنه حين بعث عبد الله بن حذافة فأمرهم أن يقحموا النار فرجعوا إليه فأخبروه فقال: «من أمركم منهم بمعصية فلا تطيعوا».

‏وأما حديث عبد الله بن عمرو فإنه قد قال فيه «فليطعه ما استطاع» فقد جعل له فيه ثنيا، وإنما يريد الطاعة في المعروف.

‏وحديث أم الحصين قد اشترط فيه «يقودكم بكتاب الله».

‏وحديث علي رضي الله عنه قد فسره حين قال: «إنما الطاعة في المعروف».

‏وحديث ابن عمر أيضا مفسر أنه إنما أوجب الطاعة «ما لم يؤمر بمعصية».

‏وأما حديث ابن مسعود، وأنس فهما اللذان تأولهما أهل البدع فقالوا: ألا تراه يقول «لا طاعة لمن عصى الله عز وجل»، فإذا عصى الله لم يطع في شيء، وإن دعا إلى طاعة! وإنما يرد المتشابه إلى المفسر، فما جعل هذا على ظاهره أولى بالاتباع من تلك الأحاديث؟ بل إنما يرد هذا إلى ما بين معناه فقوله: “لا طاعة لمن عصى الله”، إنما يريد أنه لا يطاع في معصية).

‏وقال القاضي عياض في شرح مسلم: (وفيه ما يلزم من طاعة الأئمة إذا كانوا متمسكين بالإسلام، والدعوة لكتاب الله كيف ما كانوا هم فى أنفسهم وأنسابهم وأخلاقهم). وقال أيضا («ما صلوا»، أي ما كان لهم حكم أهل القبلة والصلاة، ولم يرتدوا ويبدلوا الدين ويدعوا إلى غيره. والإشارة أيضا بقوله: «عبدا حبشيا يقودكم بكتاب الله» أي بالإسلام وحكم كتاب الله وإن جار).

‏وقال الطيبي في «شرح المشكاة»: (..«يقودكم» يسوقكم بالأمر والنهي علي ما هو مقتضى كتاب الله وحكمه..).

‏وقال النووي في شرح مسلم: (..«يقودكم بكتاب الله» قال العلماء: أي ما داموا متمسكين بالإسلام والدعاء إلى كتاب الله على أي حال كانوا في أنفسهم وأديانهم وأخلاقهم).

‏وقال القاري في «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح»: ((يقودكم) أي يأمركم (بكتاب الله) أي بحكمه المشتمل على حكم الرسول).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق