نيزك ولو طار!
أدهم شرقاوي
في حكايا الجدَّاتِ، أنَّ صديقين قد خرجا للصيدِ معاً، فشاهدا سواداً من بعيدٍ، فقالَ أحدُهما للآخر: إن هذا السَّوادَ البعيدَ غراب.
فقالَ له صديقُه: لا إنَّها عنزة!
وأصرَّ كلُّ واحدٍ منهما على رأيه، وأرادَ أن يُثبتَ لصاحبِهِ أنّه على خطأ. فتوجَّها نحو هذا السَّواد، فإذا به غراب، ولما أحسَّ بهما طار!
فقال أحدُهما لصاحبه: أرأيتَ؟ أخبرتُكَ منذ البداية أنّه غراب!
فقال له: كلا، إنها عنزة!
فقال له صاحبه مستهجناً: عنزة تطير؟!
فردَّ عليه بإصرارٍ: عنزة ولو طارتْ!
ثُمَّ إنَّ في الحياة حكايا أغربُ من حكايا الجدَّات، وكلُّ شيءٍ قابلٍ للطيران ليست العنزات فحسب!
منذ أيَّامٍ ذهبَ شبابٌ «إيرلنديون» في رحلةٍ إلى الشَّاطئ، وأخذوا يلعبون في الرِّمال، وحفروا حفرةً، ثم تركوها وعادوا إلى بيوتهم.
بعد يومين من الحادثة، بثَّ التليفزيون «الإيرلنديّ» تقريراً عن حُفرةٍ غريبة على الشاطئ، استطاعَ رائد الفضاء «ديف كينيدي» حلَّ لغزها، حيث قال إنَّ هذه الحُفرة تشكَّلتْ بسبب نيزكٍ سقطَ في هذا المكان، وأخذ يشرحُ بكلِّ ثقةٍ الفرقَ بين الرَّمل الذي تعرّضَ لضربةِ النيزك، وبين الرَّمل الذي عافاه الله! ثمَّ بعد أن انجلت الحقيقة، تحولت القناة الرَّسمية، ورائد فضائها إلى مسخرة في أنحاء البلاد!
أعتقد أنَّ أصعب مرضين يُعاني منهما النَّاسُ هما التناحة، وادعاء المعرفة! وللأسف هما مرضان لا يُعاني منهما المصابون بهما، وإنما الذي يُعاني هم الذين حولهم! ولا أعتقدُ أنَّ أحداً منكم لا يوجد في حياته هذا الموسوعة الذي يعرفُ في كل شيء!
إذا كان الحديث عن الشِّعر تحسب أن الخليل بن أحمد قد أخذ عنه!
وإذا كان الحديث عن الطب تخال أن جالينوس تلميذه وابن سينا صبيه الذي يحمل قوارير عقاقيره!
وإذا كان الحديث في النحو تحسبه سيبويه قد بعث من قبره!
وإذا كان الحديث في الفقه تحسبه أبا حنيفة إذ يمد رجليه!
وإذا كان الحديث في التاريخ فكأنه أملى على الطبري كتابه!
وإذا كان الحديث في علم الاجتماع فكأن ابن خلدون يحمل دواته!
وإذا كان الحديث في التفسير فابن كثير بعض مما لديه!
وإذا كان الحديث في النقد فالنابغة الذبياني وقد بسطوا له مجلسا في عكاظ يقضي بين الشعراء!
وإذا كان الحديث في علم النفس ففرويد أحد مرضاه!
وإذا كان الحديث في الحروب المستعرة في هذا الكوكب فكأنه ابن الوليد إذ يرسم خطة انسحاب متقنة من مؤتة ويُغيّر تشكيل الجيش في اليرموك!
وإذا كان الحديث عن جاذبية الرجال على النّساء فابن ربيعة إذ تيّم الصغرى!
رحمَ الله جدّتي كانت تقول في التعامل مع أمثال هذه الكائنات: اللي كتب غلب، واللي ابتلي يصبر!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق