البحث عن تعريف للفضيحة
وائل قنديل
لا تزال الوقائع المنشورة عن تلقّي رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي هدايا ورشاوى من رجال أعمال محسوبين على أجهزة رسمية بالنظام المصري، مجرّد اتهامات خاضعة لتحقيقات أميركية.
أي مواطن مصري مهما كانت درجة معارضته النظام الحالي لا يمكن أن يتمنّى أن تكون الوقائع صحيحة والاتهامات ثابتة، فالخاسر هنا ليس نظام الحكم، بل اسم دولة كبيرة كانت رقمًا مهمًا في معادلات الحرب والسلام والتبادل الحضاري والثقافي في العالم.
اسم الدولة المصرية في هذه اللحظة مُقحَم في وقائع مخجلة لأية دولة.
وبالتالي، يكون صادمًا ومرعبًا ومخجلًا أكثر أن يدافع أتباع هذا النظام عنها بل ويعتبرونها، حال ثبوتها، من إنجازات الدولة المصرية، بل من بطولاتها:
أن تغدق كل هذه الأموال وسبائك الذهب المذكورة في لائحة الاتهامات على السيناتور الأميركي المرتشي وزوجته.
مؤسفٌ كذلك أن يرى بعضُهم في استضافة الأجهزة المصرية هذا الرجل والاحتفال به وتحميله بالهدايا الثمينة، كما لو كان خارجًا من مغارة علي بابا، عملًا وطنيًا وسياسة حكيمة تعود على الدولة والوطن، وحجتهم في ذلك أن كل الدول تفعل هذا، أي تشتري سياسيين وجماعات ضغط تتبنّى مصالحها في الخارج لقاء أموال طائلة وهدايا ثمينة يتحمّلها بالطبع المواطن المصري، الذي يعيّرونه طوال الوقت بأنه فقيرٌ ومعدم، وأن الموارد قليلة والأزمة طاحنة، ولا سبيل للبقاء سوى الاستدانة من كل جهة وبأي طريقة.
نعم، في أثناء الحروب ومواجهة الأعداء الخارجيين تُنفق الدول على تجنيد جواسيس ورجال معلومات استعدادًا للحرب، هذا واردٌ وقائمٌ وحدث كثيرًا، لكن ما نحن بصدده مختلفٌ تمامًا، فالمستهدف هنا ليس صالح الوطن، وإنما مصلحة نظام حاكم يواجه إداناتٍ دوليةُ فيما يخصّ سجله في مجال الحرّيات وحقوق الإنسان والقمع الواقع على المواطنين، وليس ضد الأعداء الخارجيين، ومن ثم فإن هذه الوقائع حال ثبوتها تعد تورّطًا في جريمة فساد سياسي ومالي، وليست بطولة في أي حال، أو عملًا استخباريًا جبّارًا يعود بالفائدة على الأمن القومي للبلاد.
فوق ذلك، لو ثبتت الوقائع المذكورة، فإننا نكون بصدد شهادة عدم صلاحية للدبلوماسية المصرية في الخارج، التي تمثلها وزارة الخارجية والهيئة العامة للاستعلامات، لصناعة صورة محترمة للدولة المصرية أمام العالم، أو التصدّي لما تعتبره الحكومة تشهيرًا أو استهدافًا ظالمًا لسمعة الدولة لدى دوائر مثل الكونغرس الأميركي أو الهيئات الدولية المعنية بالعدالة وحقوق الإنسان، أو إجمالًا باستحقاقات الأمن القومي بالخارج، مثل قضية سد النهضة وغيرها، على نحو ما فعلت الخارجية المصرية قبل أعوام حين نشرت مقالًا مدفوعًا لسفيرها في واشنطن، معتز زهران، هو خطاب من السفير، وجّهه إلى الرئيس الأميركي على صفحات مجلة فورين بوليسي، يستجدي تدخله تحت عنوان "واشنطن هي المنقذ الوحيد لمفاوضات سد النهضة الآن".
أما وأن وقائع الاتهامات الموجهة للسيناتور الأميركي الديمقراطي روبرت مينيديز تتضمّن فسادًا ماليًا من جهاتٍ مصريةٍ وصفقات تجارية لمصلحة رجال أعمال النظام، فإن الأمر هنا مختلف تمامًا، ويرقى إلى مستوى الفضيحة، حال ثبوت الوقائع.
ولا يمكن لعاقل أن يفخر به أو يدافع عنه أو يبرّره، كون ما جرى ينتمي أكثر إلى عالم المافيا الدولية بأكثر مما ينتمي إلى السياسة الخارجية، وهو ما يستلزم من الخارجية المصرية أن تتكلّم ويفرض على الجهات الرقابية أن تحاسب وعلى ما يسمّى مجلس نواب الشعب أن يسأل ويسائِل، إذا كنّا نتحدث عن دولة فعلًا، وليس عن شيء آخر.
باختصار، الدولة المصرية بصدد موقف سياسي لا تُحسد عليه، واختبار أخلاقي عسير، فإما دولة أو شركة تجارية تبحث عن الربح بأي شكل، حتى لو غرقت في الفساد حتى كتفيْها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق