عند ولادة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أسرعت "ثويبة السّلمية" التي كانت جاريةً مملوكةً إلى سيّدها ومالكها عبد العزّى بن عبد المطّلب "أبي لهب"، تبشّره بأنّ آمنة بنت وهب زوجة أخيه عبد الله قد أنجبت ولداً ذكراً.
فرحَ أبو لهب فرحاً غامراً ومضاعفاً بهذا الخبر؛ وأعلن أنّه أعتقَ ثويبةَ مكافأة لها على هذه البشارة الكبيرة.
وهكذا غدت ثويبة حُرّةً من الرّقّ والعبوديّة، ونالت حريّتها في مجتمعٍ لا يراها إلّا متاعاً يباع ويشترى، لا إرادة لها ولا حقّ في الحياة، بل لا حقّ لها في إبداء أدنى رأي في أبسط تفاصيل حياتها.
لقد كانت هذه الحادثة إيذاناً ببدء مسيرة انعتاق الإنسان من نير العبوديّة، وإعلاناً بأنّ ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلّم هي شارة الانطلاق في ميدان تحرير الإنسان من أغلال الرّقّ لاستعادة إنسانيّته المهدورة.
وهكذا كان أوّل إنجاز تحقّق بولادة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم هو تحرير العبيد من الرّقّ، ونيل الإنسان أغلى ما يطلبه في هذه الحياة: الحريّة.
من أراد أن يعيش ولادة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فعليه أن يتحسّس الحريّة في نفسه؛ ومدى تشبّع روحه بمعاني الحريّة والكرامة، وعليه أن يقف مع نفسه وقفة مصارحةٍ يسائِلُها عن مدى تحقّق حريّته هو قبلَ الآخرين من قيود الطّغاة والمجرمين، وعن مدى انعتاقه من الخضوع لاستبداد المستبدّين على اختلاف أشكالهم ووجوههم وأقنعتهم، ويسائل نفسه أيضاً عن مدى عمله وسعيه من أجل تحرير الإنسان؛ أيّ إنسان بغضّ بعضّ النّظر عن انتمائه وعرقه وجنسه ولونه وجنسيّته ومعتقده من الخضوع لأغلال الرّقّ والاستعباد بصورها المختلفة وأوجهها المتداخلة والمتعدّدة.
ولا يمكن أن تتحقّق فينا الولادة الحقيقيّة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا بمقدار عتقنا من أغلال الخضوع للمخلوقين وكسرِنا قيود تأليه البشر وتحطيمنا أصنام ظلمهم وعدوانهم واستكبارِهم، وانطلاقنا في فضاء الحريّة الأرحب.
وقد أبدع الشّاعر اليمني عبد الله البردّوني أيّما إبداع حين بيّن في قصيدته البديعة "بشرى النّبوءة" مدى اغتمام الطّغاة من ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلّم، وكيف أنّها أضاءت فضاءات الحريّة للإنسان؛ فيقول في بعض أبيات قصيدته البديعة كلّها:
أمّا الطّغاة المستبدّون الذين يتصدّرون احتفالات المولد النبويّ،ويتعاملون معها بوصفها جزءاً من البروتوكولات التي تدلّل على انتمائهم للإسلام بغية إيصال رسائل إعلاميّة عن مدى ارتباطهم بالنبيّ صلى الله عليه وسلّم إلى الجماهير الغافلة؛ فهؤلاء حالهم كحال فرعون الذي يتلبّسُ برداء المصلح ليسوّغ ألوهيّته، فهم يلبسون ثوب حبّ النبيّ والاحتفال بذكرى ولادته ليسوّغوا استعبادهم للنّاس وإنزال بطشهم وظلمهم على عباد الله تعالى؛ انظروا إلى قوله تعالى: "قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ".
إنّ ذكرى ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلّم فرصةٌ حقيقيّة لتحقيق الولادة من جديد في عالم الحريّة وتجديد العهد على رفض الخضوع لرقّ الطّغاة والعبوديّة للمستبدّين أيّاً كانوا، وإلّا فإنّنا مهما ردّدنا من أناشيد الحبّ والشّوق لرسول الله صلى الله عليه وسلّم سنبقى في أقبية الرقّ المظلمة نبحثُ عن النّور وهو نصب أعيننا لكنّنا لا نراه ولا نجده؛ فلا حريّة بغير ولادة، ولا ولادة بغير حريّة.
twitter.com/muhammadkhm
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق