الثورة المضادة برعاية هنري كيسنجر
بقلم: وائل قنديل
كنت ومازلت أتعامل مع التحليلات التي تتحدث عن أصابع متصهينة تمتد إلى تفاصيل المشهد السياسي في مصر بكثير من التحفظ وعدم التصديق، واعتبارها جنوحًا مفرطًا للاختباء في أحراش نظرية المؤامرة.
غير أنك لا تملك وأنت تنظر في تصريحات وزير الخارجية الأمريكي الأسبق اليهودي ذي الميول الصهيونية الواضحة هنري كيسنجر التي يبشر فيها بالحرب بين الجيش المصري والإخوان المسلمين، إلا أن تفكر خارج مربع العبث الضيق الذي تنحشر فيه مصر كلها الآن.
وهنري كيسنجر لمن لا يتذكر هو العقل المدبر لعملية إلحاق مصر العربية الثائرة بالمعسكر الأمريكي ــ الصهيوني مع تولي أنور السادات حكم مصر..ولا تزال ذاكرة التاريخ محتفظة بفلسفة السادات في حكم مصر بعد جمال عبدالناصر والقائمة على أن "99 في المائة من أوراق اللعبة في يد أمريكا "وهي الفلسفة التي أفضت إلى كامب ديفيد وانسلاخ مصر من محيطها العربي واستقرارها في قاع التطبيع مع العدو الصهيوني.
كيسنجر ــ وزير خارجية الولايات المتحدة في ذلك الوقت ــ كان أيضًا مهندسًا لإدارة حرب أكتوبر بين مصر و"إسرائيل"؛ لتخرج مصر منها بلا نصر كامل ولا هزيمة، ومن ثم يسهل قيادها صاغرة إلى فراش التطبيع.
وفي ضوء ذلك يمكن فهم تصريحات كيسنجر المنشورة أمس بشأن مستقبل ثورة ٢٥ يناير المصرية والتي احتفت بها صحف «ثورة ساقطي القيد»، وهي التصريحات التي يتوقع فيها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق أن يصل الصراع السياسي الحالي في مصر إلى مواجهة حتمية، وتصفية حسابات بين الجيش و«الإخوان»، وذلك خلال المؤتمر السنوي لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في نيويورك، وفيها يذرفالدمع أيضًا على مصير كنز "إسرائيل" الاستراتيجي الذي أسقطته الثورة، بقوله: "كان على الولايات المتحدة أن تعامل مبارك باحترام أكثر مما فعلت، فلم يكُن هناك ضرورة تدعو الإدارة الأمريكية إلى أن توجه دعوات علنية لمبارك بالرحيل من خلال شاشات التليفزيون".
إنها التصريحات ذاتها حرفيًّا التي صدرت عن قادة "إسرائيل" بعد إسقاط مبارك، وفي مقدمتهم بنيامين بن إليعازر وزير دفاع العدو وصديق مبارك الذي قال بعد الحكم عليه بالسجن: "هذا الرجل هو العامل الأساسي في استقرار الشرق الأوسط، العالم مدين له كثيرًا، وحتى الولايات المتحدة نفسها مدينة له بالكثير"، وأضاف: "هو أول من قام بتطوير منظومة العلاقات مع "إسرائيل"".
ولكي تتضح الصورة أكثر؛ من المهم الرجوع إلى موقف "إسرائيل" من انتخابات الرئاسة المصرية والتي تلخصها رؤية مستشرق "إسرائيلي" يدعى شاؤول بيلو في تلك الأثناء بقوله: "على الغرب البحث عن طرق (إبداعية) لمساعدة شفيق في الفوز بمقعد الرئاسة".
إذن فالأمر لا يحتاج إلى مزيد من الجهد لإدراك أن الدوائر الصهيونية تتحرق شوقًا لاندفاع الأوضاع داخل مصر إلى جحيم الحرب الأهلية، ولا تدخر حيلة لكي تذهب مصر إلى صدام بين الجيش والرئيس المنتخب؛ ذلك أن هؤلاء لا يستطيعون الحياة إلا في وجود كنوز استراتيجية تقود مصر وفقًا لسيناريوهات هم واضعوها، لتبقى ذلك الأسد العجوز منزوع المخالب والأنياب، يرقد متثائبًا في انتظار ما يلقى إليه من مخلفات المطبخ الأمريكي الصهيوني.
ويبقى السؤال: ماذا نحن فاعلون - سلطة وشعبًا - للخروج من هذا النفق المظلم؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق