امسكوا الخشب
يبدو أن حظ الدكتور هشام قنديل من الإنجار خارج مصر أفضل منه داخلها، وسواء أكان ذلك راجعا إلى أن صوت العراك السياسي في مصر حجب كل ما عداه، أم لأن أغلب وسائل الإعلام عندنا انحازت إلى مخاصمة السلطة، ولم تعد تتحدث إلا عن مثالبها وعوراتها، فالشاهد أننا ما عدنا نرى في الحكومة إلا سلبياتها، وما عاد واحد مستعدًا لأن يرى في أدائها شيئـًا إيجابيـًا، وقد سمعت منه مرة شكواه من أنه ذهب إلى الإسكندرية ذات يوم، وظل طول النهار يتابع بعض الأنشطة في المحافظة، وأثناء عودته في المساء تعطل القطار الذي استقله إلى القاهرة ومعه بعض المرافقين، فلم تشر صحف اليوم التالي بكلمة إلى ما فعله الرجل على مدار اليوم، في حين أبرزت شيئـًا واحدًا هو أن القطار تعطل برئيس الوزراء أثناء قدومه من الإسكندرية!
لقد كنت أحد الذين دعوا الرجل إلى الاستقالة من منصبه، لا لعيب فيه، ولكن لأن العبء أكبر منه، فضلًا عن أن المرحلة بحاجة إلى رئيس حكومة وتشكيلة وزارية بمواصفات أخرى، ورغم أنني لم أغير رأيي إلا أنني لا أرى غضاضة في أن نحتفي بأي إنجاز يحققه، وسوف يسرني لا ريب أن تتعدد إنجازاته على نحو يقنعني وغيري بأننا تسرعنا في الحكم عليه أو أخطأنا في حيثيات الحكم.
إنني أعترف بأن بيننا من يتمنى للرجل الفشل ــ وهو ما ينسحب على رئيس الجمهورية أيضـًا ــ إلا أنني لا أرى مصلحة وطنية أو أخلاقية في ذلك، حيث أزعم أن نجاحهما هو نجاح للوطن والثورة، بقدر ما أزعم أن انتقادهما ضروري لتصويب أدائهما الذي يفترض أن يصب في صالح الوطن والثورة.
لقد قام الدكتور هشام قنديل بزيارة مهمة وناجحة إلى العراق هذا الأسبوع ــ امسكوا الخشب! ــ اصطحب فيها ستة من الوزراء و70 من رجال الأعمال أغلبهم من المتخصصين في التشييد والبناء، وفيما فهمت كان الهدف من الزيارة تحقيق التعاون الاقتصادي بين البلدين، وفتح السوق العراقية أمام الخبرات والصادرات المصرية، وللعلم فإن حجم الواردات العراقية السنوية يقدر بنحو 27 مليار يورو، نصيب الصادرات المصرية منها 1.3٪ فقط (نحو 600 مليون دولار)، في حين أن نصيب صادرات تركيا 25٪.
وللعلم أيضـًا فإن مجالات العمل في العراق لا حدود لها، لأن سنوات الاحتلال والاقتتال خلفَّت دمارًا كبيرًا، ليس في البنية التحتية وحسب، ولكن في كل المشروعات الإنشائية الأخرى، بما في ذلك الطرق والمدارس والمستشفيات والأحياء السكنية، وغير ذلك، وللأسف فإن شركات المقاولات المصرية ترددت في دخول السوق العراقية بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة، الأمر الذي فتح المجال واسعا أمام الشركات التركية والكورية لكي تمد أنشطتها إلى مختلف أرجاء العراق، وللتذكرة فقط، فإن العمالة المصرية في العراق في عهد الرئيس السابق صدام حسين تراوحت ما بين مليونين وثلاثة ملايين شخص، في حين أن العمال المصريين الآن يتراوح عددهم بين 50 ألفـًا و100 ألف شخص فقط.
حين سألت عن حصيلة الزيارة، قيل لي
ــ إنه تم الاتفاق فيها على توريد 4 ملايين برميل نفط كل شهر إلى مصر
ــ مد خط أنبوب للنفط من العراق إلى مصر عن طريق الأردن
ــ إقامة منطقة صناعية مصرية عراقية في داخل العراق
ــ تكرير جزء من البترول العراقي في مصر التي تتوافر لديها إمكانات للتكرير جيدة، في حين أن إنتاجها ضعيف نسبيـًا بعكس العراق الذي يتوافر لديه إمكانات الإنتاج بأكبر من طاقة التكرير ــ استعادة 47 مليون دولار متأخرة لحساب استحقاقات ومعاشات العمال المصريين
ــ وقعت شركة «المقاولون العرب» عقدًا لإنشاء 20 ألف وحدة سكنية هناك
ــ إطلاق سراح 33 مصريـًا صدرت بحقهم أحكام بالسجن من جانب المحاكم العراقية
ــ رفع حظر استيراد الألبان والأجبان المصرية إلى العراق
ــ تنشيط الدور المصري في مجالات إنشاء وصيانة محطات الكهرباء.
كانت تلك أهم حصيلة لرحلة الدكتور هشام قنديل واجتماعاته مع رئيس الوزراء العراقي السيد نورى المالكي، وكذلك مباحثات الوزراء الستة مع نظرائهم العراقيين، وفهمت أن الزيارة السابقة التي قام بها إلى الجزائر حققت تطورًا مهمـًا في مجالات التعاون بين البلدين لم يحظ بالاهتمام الإعلامي، وستكون له زيارة أخرى إلى جنوب السودان خلال الأسبوع المقبل لبحث موضوع المياه الذي يوليه الدكتور قنديل عناية خاصة بحكم اختصاصه الأصلي. وحين سألت عن الوضع بالنسبة لليبيا التي لا تقل عن العراق في حاجتها إلى الخبرات ومشروعات الإعمار، خصوصـًا أن رئيس وزرائها يفترض أن يكون قد وصل إلى القاهرة أمس (الأربعاء)
ـ حينذاك قيل لي إن عدم استقرار الأوضاع الأمنية هناك يشكل العقبة الأكبر التي تحول دون تطور العلاقات بنفس القدر الذي حدث مع العراق.
هممت أن أسأل محدثي القريب من الدكتور قنديل عن حصاد جهود الرجل في الداخل لكنني أحجمت عن السؤال، لأن ذلك سيقودنا إلى معترك السياسة، وهذه ملفها عند الرئيس مرسي وليس عنده.
ومن ثم اعتبرت أن توجيه السؤال إليه في هذا الصدد من قبيل مخاطبة العنوان الغلط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق