الجمعة، 1 نوفمبر 2013

أعمال درامية (1/2)

أعمال درامية (1/2)



د. سلمان بن فهد العودة
الجمعة 27 ذو الحجة 1434 الموافق 01 نوفمبر 2013

(مسلسل عمر) كان أقرب إلى أن يكون (حدثاً) أثار الكثير من ردود الأفعال المعارضة والمؤيدة، وكان أحد أهم الموضوعات التي أثارت جدلاً في الصحافة والتلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي والمجالس الخاصة والعامة.



تمثيل الصحابة محل خلاف وأكثر المجامع الفقهية ترفضه، ووجود المرأة ولو بشكل محدود ومحتشم، ومدى ثبوت بعض التفاصيل التاريخية، وشخصيات الممثلين .. هي عنوانات من أبرز ما دار الحديث حوله.


اللجنة المشرفة والتي كنت أحد أعضائها عنيت بقراءة النص (السيناريو) والتوثق من تطابقه مع المخرَج، ولم تشأ أن تقحم نفسها في الجدل حول المسلسل بعد تحوله إلى عمل فني، لأن من حق الناس أن يختلفوا دون سقف يصادرهم إلا أن يكون أمراً شرعياً محكماً، وإن كان لرئيس اللجنة الشيخ يوسف القرضاوي رأي يجوز فيه ظهور الصحابة بعد أن كان يمنع ذلك مراعاة للمتغير وأن الميدان ليس مقصوراً على جهة وهناك أعمال درامية ضخمة تقوم عليها أطراف إيرانية سيئة النظرة إلى ذلك الجيل الفريد، فضلاً عن الأثر المتعاظم للدراما لدى الأجيال الجديدة في العالم كله.



لم تستطع الفتاوى أن تمنع مشاهدة المسلسلات والأفلام الرومانسية من تركيا أو أمريكا الجنوبية أو كوريا، وظلت مجتمعات الخليج السوق الأكثر طلباً تستقبل الكثير من القنوات المحلية والعالمية المخصصة لذلك النوع من الانتاج دون فرز أو رقابة.



حدث هذا مع إحجام العقول الهادفة والمواهب المخلصة ذات الرسالة، وفي تردد رؤوس الأموال عن الاستثمار في الميدان الضخم.



وإذا كان الشعر ديوان العرب -كما يقول ابن عباس- فإن الدراما كانت ولا زالت ديوان الكثير من شعوب العالم؛ التي أبرزت فيها عاداتها في الحياة وطريقة حل المشكلات والتعبير عن الآلام والأحلام.



لغة ضخمة في التعبير والتغيير وصناعة الرأي العام، تعتمد على مجموع الحواس، وليس على مجرد السماع، وتخاطب الإنسان كله، وتستهدف المتعة والإثارة والتعليم في وقت واحد.



في المثل الصيني:



"قل لي وسوف أنسى، أرني وربما أتذكر، أشركني وسوف أحفظ".



الحفظ هنا ليس مجرد تلقين، ولكنه وسم راسخ في العقل والقلب يصعب محوه.



المشاهد شريك يدخل في التفاصيل، ويعيش الحادثة بلحظتها، ويضحك ويبكي ويستثار ويتعاطف، ويحقد أحياناً ويغضب ويرضى، وفي كل مرة يندمج مع العمل الدرامي وينسى تماماً أنه أمام صور تمثيلية، يحسّ أنه في معترك الحياة.



المشاهد مشارك من شأنه أن يصوّت على نجاح العمل أو فشله، وأن يجعل العمل أكثر إبداعاً عبر التحليل والقراءة والغوص على أبعاده ومراميه وفلسفته.



الشباب والفتيات يجدون مجالاً رحباً للمغامرة والحركة والمفاجأة والاكتشاف، إلى جوار العواطف والرومانسيات التي لها أعمالها الخاصة.



ليس سراً أن الشوارع في دول عدة تكاد تخلو من المارة في أوقات معينة، وأن المشاهدين يعدون بمئات الملايين عبر العالم.



وليس سراً أن تكلفة إنتاج فيلم واحد كفيلم "إنسبشن inception " تبلغ مائة وستين مليون دولار، ومردوده ثمانمائة وخمس وعشرون مليون لحد الآن، وتمت مشاهدته في سائر بلاد العالم، وهو يحكي أن الحياة حلم بصيغة فلسفية.



ومثله فيلم "آفاتار avatar" الذي كلف إنتاجه مائتين وسبع وثلاثين مليون دولار، وإيراداته تفوق مليارين وسبعمائة مليون دولار، ولا يزال يتصدّر قوائم الأكثر مشاهدة، وحاز على ثلاث جوائز للأوسكار.



فيلم (كوني) الوثائقي يتحدث عن أوغندا وأمراء الحرب كان يحلم بـ 500 ألف مشاهدة، حصل قبل نهاية العام (2012م) على 75 مليون مشاهدة.



نجوم الدراما في هوليوود في الولايات المتحدة مثل (دينزل واشنطن وبراد بت وتوم هانكس.. إلخ ) يحوزون شهرة تفوق شهرة رؤساء الدول.



وأموال الدراما ونجومها في بوليوود في الهند تشكل الاستثمار الأعظم عبر 100 عام.



لم يعد المنتج محصوراً في رقعة جغرافية، الغالبية العظمى من الشباب والبنات يشاهدون الأفلام الغربية، والقنوات الفضائية تتنافس في العرض، وتقدم الأموال الطائلة للحصول على حقوق العرض المبكر، ثم قنوات كثيرة جداً دورها هو التفنن في تقديم خدمات إضافية تتعلق بتمكين المشاهد من الاختيار بين قائمة واسعة من العناوين.



قادتني خطاي إلى مواقع إلكترونية خليجية متعلقة بعروض الأفلام فوجدت تبادل معلومات غير عادي بين الشباب والفتيات؛ خاصة حول المشاهدات والاستشارات والتقييم بصورة أكّدت لي أن هذا الضخ الهائل يفعل فعله حتماً في عقول أجيالنا ويشكل شخصياتهم، ويصنع قيمهم، ويرسم لهم الأنموذج الذي لا يستقل بتكوينهم، ولكنه يؤثر فيهم بصورة شديدة، ويصنع لديهم عادات جديدة منها الجيد ومنها الرديء، وغالبية المتلقين لا يملكون القدرة على الفرز والنقد ويستسلمون لما يتكرر أمامهم، كيف وأحدهم لا يستطيع مشاهدة برنامج تلفزيوني لمدة ساعة كاملة ولكنه يستطيع مشاهدة سبعة أفلام في اليوم الواحد تمتد لساعات دون ملل؟!



في اللباس والعادات الصحية والاجتماعية والعلاقات والحركات والكلمات والمصطلحات والطقوس، بل وفي الأفكار والمشاعر والأحاسيس والمفاهيم والرؤى والمواقف يخضع جمهور عريض لتغيير مستمر وتأثير عميق لا تقاومه الوسائل العادية.



ثمَّ ثقافة بشرية مشتركة في اللباس والألعاب والتجميل والأكل والاتصال والفرح .. إلخ، وثمَّ عادات مشتركة أو متقاربة، وقبل الرسالة المحمدية كان في عادات العرب الفارسي والروماني والصيني والعربي الجاهلي ولم يرفض الإسلام منها إلا ما كان محتوياً على معنى مرذول.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق