الأربعاء، 15 يناير 2014

تكرّم علينا وكن رئيساً أيها الرمز العظيم


تكرّم علينا وكن رئيساً أيها الرمز العظيم

ياسر الزعاترة

لو لم يدخل عبدالفتاح السيسي الكلية الحربية، فربما كانت المهنة الأقرب لشخصيته هي التمثيل. وهنا ينبغي القول إن النجاح الأكبر الذي حققه في حياته إلى الآن هو إقناع الرئيس مرسي بأنه يقف إلى جانبه، وأقله على الحياد، في الوقت الذي كان يتآمر ضده. 
وأنا أعتقد أن مرسي كان طيبا أكثر من اللازم؛ إذ اعتقد أن التدين الذي كان يظهره السيسي (بعضه تمثيل بالطبع) كان كافيا للجم أحلامه في السلطة، والتي كشف عنها في مقابلة المصري اليوم، حين تحدث عن الأحلام (الرؤى) التي يراها، وتؤكد أنه سيغدو رئيسا.
قلنا مرارا إن السياسة لا تبنى على التسريبات، ولا الأحاديث الجانبية، بل تبنى على التحليل، لأن التسريب قد يكون مقصودا في كثير من الأحيان بهدف التضليل.
وقبل شهرين من الانقلاب قال لي كاتب مصري معروف إن مساعدين للسيسي أخبروه أنه (أي السيسي) لا يريد التدخل في السياسة، وأنه منشغل بترميم الجيش الذي ترهل، فقلت إنني أخشى أنهم قالوا ذلك كي تنقله إلى الإخوان فيزدادون اطمئنانا، وأظنه فعل، وهم اطمئنوا فعلا، مع الأسف.
 لو كان الجيش مع مرسي، أو على الحياد، لفرض شيئا من ذلك على أجهزة الأمن التي كانت تصل الليل بالنهار في سياق تحطيمه والتآمر عليه.
ولو شعرت تلك الأبواق التي كانت تطارده أنه باقٍ في السلطة، لما تجرأت عليه على ذلك النحو، لكن الهمس كان ينتقل على كل صعيد، بأن الرجل سيرحل، ولن يطول به المقام.
ليس هذا موضوعنا، وما يعنينا هنا هو إعلان السيسي عزمه الترشح لمنصب الرئاسة بعد موجة جدل حول القرار.
وإذا قيل إنه ربط الأمر بقرار من الجيش وتفويض من الشعب كما قال، فإن ذلك لا يعدو أن يكون لزوم الإخراج ليس إلا، لأن الجيش هو قائده، ومن الطبيعي أن يقرر الجنرالات ترشيحه، وهم قرروا بالفعل كما أوضح أكثر من مصدر لوكالات الأنباء، أما الشعب فيُترك أمر ترتيب تفويضه لسويرس وأجهزة الأمن، وبالطبع بذات الطريقة التي تم من خلالها الانقلاب (جمع التوقيعات، ومن ثم بعض المسيرات أو التجمعات)، مع أن جمع 30 يونيو لن يتكرر، فهو جمع لمرة واحدة من الفلول والطائفيين مع نكهة ثورية لتبرير الانقلاب، ويتأكد ذلك من خلال عجزهم عن إقامة مهرجانات مقنعة لترويج الدستور، والاكتفاء بالترويج الإعلامي.
لم يكن غريبا بطبيعة الحال أن يخرج إعلان السيسي عشية بدء التصويت على الدستور الجديد، والذي سيمر بنسبة تصويت أعلى من تلك التي توفرت لدستور 2012، وبحجم موافقة أكبر أيضا. سيحدث ذلك، إن لم يكن بشكل طبيعي في ظل الحشد الأحادي في الشارع والإعلام (أعني نعم وليس نسبة التصويت)، فمن خلال بعض الفهلوة والتزوير التي ستمر دون كثير ضجيج. بعد إنجاز الدستور، ستكون الخطوة التالية هي الانتخابات الرئاسية كما يبدو (هناك جدل حول أيهما أولا: الرئاسية أم البرلمانية)، وبعد تأمين فوز مريح للسيسي في ظل عدم وجود منافسين، سيتم ترتيب مجلس الشعب من خلال قانون تتفوق فيه الدوائر الفردية على القائمة النسبية، وستكون النتيجة هي حشد من رجال الأعمال الذين سيعملون بكل إخلاص تحت عباءة السيسي، سواء تم ذلك أيضا بشكل طبيعي في ظل غياب الإخوان، أم احتاج الأمر بعض الفهلوة والتزوير.
الفارق بطبيعة الحال بين هذا الوضع وما كان عليه أيام مبارك، هو أن الدولة البوليسية القمعية ستكون أكثر وضوحا وحسما هنا، إذ إن إرادة قمع أكبر قوة سياسية في البلاد لن تعني غير عسكرة المجتمع، وتأكيد حالة الانسداد السياسي التي يمكن أن تؤدي إلى موجة عنف لا يُستبعد أن يتورط بها شباب من الإخوان لا يلتزمون بقرار القيادة في العمل السلمي.
لا يُعرف كم ستستغرق هذه الرحلة بين افتضاح طبيعة الدولة التي يبنيها السيسي ومن حوله، وبين اجتماع القوى الحية في الشارع المصري من جديد على كلمة سواء تستعيد الثورة الأولى، لكن المؤكد أن ذلك سيحدث، وإذا اعتقد الانقلابيون أن الحملة التي ينفذونها ستستأصل الإخوان، فهم واهمون، وسيتأكدون من ذلك بعد وقت لن يطول.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق