"سيكولوجيــة الجماهــير"
سيكولوجية الجماهير
تاريخ الصدور : 1991
عدد الصفحات : 224
مقدمة:
يرى المؤلّف أن الجماهير لا تعقل، فهي ترفض الأفكار أو تقبلها كلاً واحداً، من دون أن تتحمّل مناقشتها. وما يقوله لها الزعماء يغزو عقلها سريعاً فتتّجه إلى أن تحوّله حركة وعملاً، وما يوحى به إليها ترفعه إلى مصاف المثال ثم تندفع به، في صورة إرادية، إلى التضحية بالنفس. إنها لا تعرف غير العنف الحادّ شعوراً، فتعاطفها لا يلبث أن يصير عبادة، ولا تكاد تنفر من أمر ما حتى تسارع إلى كرهه.
وفي الحالة الجماهيرية تنخفض الطاقة على التفكير، ويذوب المغاير في المتجانس، بينما تطغى الخصائص التي تصدر عن اللاوعي.
وحتى لو كانت الجماهير علمانية، تبقى لديها ردود فعل دينية، تفضي بها إلى عبادة الزعيم، وإلى الخوف من بأسه، وإلى الإذعان الأعمى لمشيئته، فيصبح كلامه دوغما لا تناقش، وتنشأ الرغبة إلى تعميم هذه الدوغما. أما الذين لا يشاطرون الجماهير إعجابها بكلام الزعيم فيصبحون هم الأعداء.
لا جماهير من دون قائد كما لا قائد من دون جماهير. كتب لوبون قبل قرن من الزمن.
قراءة:غازي كشميم
رغم إن الكتاب ألِف منذ أكثر من قرن إلا أن الظروف والأجواء السياسية التي كتب بعدها هذا الكتاب تكاد تشبه ظروفنا وأجواءنا التي نعيش؛ فقد كتب جوستاف لوبون المؤرخ الفرنسي وعالم الاجتماع الشهير كتابه "سيكولوجية الجماهير" في عام 1895 أي بعد ما يقارب المائة عام على قيام الثورة الفرنسية وما أعقبها من انتكاسات، وما تلاها أيضًا من استرداد لها وتصديرها أو تأثر الدول الأوروبية بها في القرن التاسع عشر، وعلى ضوء ذلك كتب لوبون كتابه ذائع الصيت الذي قيل إن النازيين اتخذوه منهجًا لهم في ترويض جماهيرهم.
بدايةً، إن ما وصفه لوبون قبل أكثر من قرن في أوروبا بأنه عصر الجماهير، نكاد نشهد الآن مرحلة تدشينه لدينا في عالمنا العربي، والذي يشي بانتقال عوامل تحريك الأحداث من سياسات الحكام التقليدية والمنافَسة فيما بينهم إلى محاولات كسب رضا الجماهير، والأخذ في الاعتبار ميولهم وأفكارهم، ومعرفة توجهاتهم لا توجيههم. والكتاب يغوص في أعماق نفسية الجماهير وتقلباتها، وكيفية حراكها وتفكيرها، وسيساعدنا الكتاب في فهم بعض الظواهر والتغيرات الشعبية التي تظهر لنا خاصة على شعوب ما يسمى "دول الربيع العربي".
وإذا كان الكتاب قد تحدث في أقسامه الثلاثة الرئيسية عن: الخصائص العامة للجماهير، وآراء الجماهير وعقائدها، ثم تصنيف الجماهير، فإننا نقدم محاولة لفهم بعض الظواهر التي صاحبت وما تزال حراك شعوب الربيع العربي على ضوء بعض المعطيات التي قدمها لوبون في وصفه للخصائص النفسية والعقلية للجماهير.
يصف لوبون الجماهير في بعض صورها بالكثرة اللاواعية والعنيفة والبربرية والتي يتم على يدها الانحلال النهائي لعصر ما أو مجتمع ما بعد أن تفقد القوى الأخلاقية أو الهياكل الرسمية التي تحكم زمام المبادرة من يدها، لكنه لم يشر إلى أن هذه القوى الأخلاقية أو الهياكل الرسمية عند فسادها وطغيانها -إذ إن احتكار أي فئة لأي مسؤولية لمدى طويل ناتج عنه فساد أو ترهل لا محالة- تتسبب هي بذاتها في انفلات الأمور، وتفاقم حالة السخط التي يمكن أن تخرج عن السيطرة، ليأتي بعدها الجمهور في رسم الفصل الأخير من الفوضى أو العنف بعد أن يضيع زمام الأمور، كما أن هذا الفصل الأخير ليس حتميًا أو إنهائه لحالة التحضر التي وصل إليها المجتمع، وإن كان موجودًا بصورة ما، غير أن تلك الجماهير قد تفرز قيادة واعية من داخلها تقودها إلى مرحلة ما بعد الفوضى أو التخبط الذي تسببت فيه تلك الهياكل الرسمية، ولعل تجربة مانديلا تحضر في هذا الصدد، وكيف استطاع قيادة حركة الجماهير من غير أن تقضي على ما وصلت إليه جنوب إفريقيا من تقدم.
ذوبان شخصية الفرد
يرى لوبون أن من أهم خصائص الجمهور النفسية انطماس شخصية الفرد وانخراطه في سيل الجمهور، والذي سيترتب عليه تخليه عن عقله الواعي ومنطقيته حتى يتماهى معهم؛ إذ إن سيل التيار هادر وليس من السهولة مدافعته أو المشي عكسه. ويشير لوبون إلى أن هذه العقلية اللاواعية قد تجر إلى تصرفات همجية ووحشية أو بدائية لا تراعي ماوصلت إليه الإنسانية من تقدم ورقي أخلاقي، الأمر الذي يعيد المجتمع البشري إلى تاريخه الأول في العداوة والانتقام من نفسه بغير مرجع أخلاقي أو قانوني.
وفي هذا الصدد وعندما تغيب شخصية الأفراد ووعيهم في موجة الجماهير العاطفية يمكن لنا أن نفسر انسياق بعض النخب الواعية والمستقلة- بعيدًا عن النخب المأجورة أو المستعارة لأداء دور ما- خلف آراء وعواطف الجمهور حتى وإن كانت مخالفة لأبسط قواعد التحاكم العقلي التي عرفت بها تلك النخب، لا سيما وإن كانت مخالَفة تلك الجماهير ستجلب لها نوعًا من الهجوم والانتقاد، أو على الأقل ستبعدها عن أداء دور ما في توجيه الرأي العام.
وكما يتميز الجمهور في هذه الحالة بالتفكير اللاواعي نتيجة طغيان العاطفة والحماسة على مشاعره وتفكيره فإنه يكون في حالة تلقي وتلقين للأفكار لا إنتاجها، تجذبه الانطباعات والأفكار السهلة والسطحية. لذلك تنتشر في أوساطه كثير من الأفكار غير المنطقية والتي لو فكر فيها الفرد على حدة لرأى هشاشتها وعدم مصداقيتها. ويشبه لوبون الجماهير في هذه الحالة بالمنوَّم المغناطيسي الذي يسلم نفسه لمنومه وبالتالي تتعطل عنده الإدراكات العقلية الواعية، كما يتم استدعاء العقل اللاواعي الجمعي والذي تتجلى فيه "الأخلاق النفسية" للعرق أو الأمة كما يسميها أيضًا لوبون في كتابه الآخر "السنن النفسية لتطور الأمم". لكن لوبون يؤكد على إمكانية توجيه تلك العواطف والمشاعر نحو الأفضل أو نحو الأسوأ بحسب التحريض الذي تستقبله هذه الجماهير.
ولجوستاف لوبون نظرية يعتقد من خلالها أن ظاهرة التحريض تنتقل بالعدوى في أوساط الجمهور، الأمر الذي يمكن أن يفسر لنا شيئًا من انتقال الكراهية والرضا بالعنف أو القوة الذي انتشر في أوساط جمهور من الشعوب العربية ضد تيار معين، ذلك التحريض الذي كان له أداة دعائية كبيرة استخدمت فيها شعارات الاستقرار وتعطيل الحياة، ومحاربة الإرهاب، وغيرها من الشعارات التي يجد الجمهور نفسه مندفعًا لها تلقائيًا لأنها تلامس رغبات لديه.
سرعة الانفعال
من أبرز الخصائص النفسية للجمهور التي يقررها وبون في كتابه سرعة انفعالها ونزقها؛ "فلا شيء مدروس لدى الجماهير، فهي تستطيع أن تعيش كل أنواع العواطف، وتنتقل من النقيض إلى النقيض بسرعة البرق وذلك تحت تأثير المحرضات السائدة"، إننا بذلك يمكن أن نفهم تحولات قطاع كبير من عامة الناس بعد ثورات الربيع العربي مع تيار أو آخر ثم ضده، بل وفي أحيان ضد الثورة ذاتها التي خرجوا من أجلها. وذلك تحت عوائد التحريض اليومي والممنهج. بل إن لوبون والذي كتب كتابه قبل أكثر من قرن يصف مشاعر الجماهير الثائرة بالتحديد بتنوع وتقلب عواطفها، ومع اتحاد النزق وتأجج العواطف يبرز أيضًا جانب العرق النفسي لكل جمهور؛ "وهو المكون الثقافي والنفسي لكل أمة والذي تتميز به عن غيرها، ويمكن أن تلعب المحرضات المحلية والطرق على مواضيع لها وقع ثقافي أو اجتماعي خاص على هذا الجمهور يمكن أن تلعب مثل هذه المحرضات الثقافية والاجتماعية دورًا بارزًا في تهييج الجمهور وانفعالاته".
ويثبت لوبون أن سرعة تأثر الجماهير وسذاجتها في التصديق لأي شيء، سمة بارزة من سمات العقلية الجماهيرية، الأمر الذي يقود إلى سرعة التوجيه. وهناك حالة نفسية لدى الجماهير خاصة الثورية أو التي في حالة غليان اجتماعي وهي حالة الترقب والاستعداد في التلقي، وهو ما يساعد على قبول كثير من الأفكار وتمرير العديد الرسائل، ولعل هذا مايفسر حالة انتشار الإشاعات والأكاذيب في مثل هذه الأوساط (ترقب وانتظار.. يجد شائعات وتحريض تسد فراغ الانتظار والترقب.. انتقال العدوى) مع عدم امتلاك الجماهير للحاسة النقدية التي يمكن أن تكون عند آحادهم. بل ويذهب لوبون إلى أبعد من ذلك حين يقرر أن شهادات الجماهير هي أقرب إلى الوهم والأساطير منها إلى الحقيقة ذلك أنها بنيت على وهم أحدهم ثم عن طريق العدوى وانتقال الشائعات والتي تصبح بفعل العقلية التبسيطية للجماهير بمثابة الحقيقة.
من صفات الجماهير أيضًا التعصب والاستبداد والنزعة للمحافظة؛ لذلك فإن الجماهير عادة ما تكون أشد تعصبًا للأفكار والعقائد وأشد تطرفًا ضدها كذلك، فإذا ما أضيف لذلك التعصب شعور الجمهور بقوته فإن استبداده برأيه يكون بحجم تعصبه؛ ومن الصعوبة أن يقبل الاعتراض عليه أو مناقشته، ولعلنا نلحظ ذلك خاصة في الاجتماعات العامة للجماهير. ومن عاطفة هذا الاستبداد يظهر احترامها للقوة وعدم ميلها للطيبة التي تعتبرها شكلاً من أشكال الضعف، لذلك هم يميلون إلى نحو المستبدين الذين يسيطرون بقوة وبأس، ويظهر في هيئته الخيلاء الجذابة والقوة المهابة التي رغم أنها مخيفة إلا أنه يستعذبها في ذات الوقت. ويؤكد لوبون أنه حتى في حالة هجومها على ديكتاتور مخلوع فلأنه فقد قوته ودخل في خانة الضعفاء غير المهابين. ويضع لوبون تفسيرًا لظاهرة تقلب الجماهير من العبودية إلى الفوضى والثوران على السلطة بتقلبات السلطة ذاتها وتقلباتها بين سلطة قوية ديكتاتورية وسلطة ضعيفة بشكل من الأشكال.
ولأن الجماهير محكومة باللاوعي فإن من الصفات النفسية المرتبطة بذلك والتي أشار إليها لوبون في صفات الجماهير: المحافظة، والتي تتحكم فيها العوامل الوراثية العتيقة، وحتى عند ثورانها وانتفاضاتها، فإنها سرعان ما تمل من الفوضى والانفلات الذين تخلفهما تلك الموجات الاحتجاجية أو الثورات، وتميل مرة أخرى بغريزتها إلى العبودية أو إلى من يقمعها بحجج كثيرة كالاستقرار وحماية البلد وغيرها، ويستشهد بنابليون والتي راحت تصفق له مجموعات شعبية كبيرة عندما راح يلغي الحريات ويحكم بيد من حديد رغم أنه جاء بعد ثورة قدمت الكثير من التضحيات. ويلفت لوبون إلى نقطة مهمة في ثورات الجماهير؛ فرغم أنها عندما تثور تبغي من وراء ذلك تغيير واقعها بمؤسساته وهياكله إلا أنها تكتفي من ذلك بتغيير الأسماء وظواهر المؤسسات الرسمية بينما تبقى تلك المؤسسات بعمقها ومضمونها لتعبر عن سبب قيام تلك المؤسسات ونموها واستفحال وجودها والتي في أصلها تعبر عن احتياجات وراثية لذلك الشعب أو الجمهور، هل يمكن أن يقاس كلام لوبون هذا على ميل بعض الشعوب وثقتها في مؤسسات أمنية أو عسكرية رغم ما لدى تلك المؤسسات من جرائم وفظائع ارتكبت بحقه؟!
من تلك الصفات التي يسبغها لوبون على الجماهير: الأخلاقية، وهي تجمع بين متناقضين ولكن في حالات مختلفة؛ فيمكن للجماهير أن تمارس أقسى أنواع الوحشية والقتل والحرق مستعيدة بذلك الغرائز الوحشية البدائية النائمة في أعماق كل منا –كما يرى لوبون- والتي هذبتها وصقلتها الحضارة والتقدم الإنساني، غير أن هذه الجماهير أيضًا تمتلك حسًا وروحًا أخلاقية عالية في البذل والتضحية من أجل قضايا كبرى كما في الثورات والحروب الوطنية وإنجاز الأعمال الحضارية والتقدمية، بل إنه لولا هذه التضحيات الجماهيرية التي تصل إلى حد لا يصل إليه الفلاسفة والحكماء إلا نادرًا كما يقول لوبون لولاها لانعدمت الحضارات على كوكبنا ولما كان للبشرية تاريخ، ويلاحظ بعض علماء الاجتماع أن أقسى البشر أو من يتصفون بصفات ذميمة سيكونون أنقى وأرقى وأكثر أخلاقية حين ينخرطون في أعمال جماهيرية راقية.
أفكار الجماهير
ليست مجرد البرهنة على صحة فكرة ما يعني أنها سوف تفعل مفعولها لدى الناس أو حتى المثقفين وذلك بسبب الوقوع تحت تأثير الأفكار السابقة التي تحولت إلى عواطف وترسخت، وهذه الأفكار هي التي تؤثر علينا وتحرك بواعثنا. وعندما تنغرس فكرة ما بواسطة مجريات متعددة في روح الجماهير فإنها تكتسب قوة لا تقاوم وينتج عنها سلسلة من الانعكاسات والنتائج. ويؤكد لوبون أنه إن كان يلزم وقتًا طويلاً لكي تترسخ الأفكار في نفوس الجماهير فإنه يلزم وقتًا لا يقل عنه طولاً لكي تخرج منها. ورغم تأكيده لعاطفية الجماهير وقلة أو ضعف استخدامها للمنطق العقلاني وصعوبة إقناعها بالمحاجات العقلية إلا أن هناك وسيلتين عقليتين متدنيتين يمكن بهما مخاطبة الجماهير؛ الترابط عن طريق الظواهر الشكلية، وتعميم الحالات الفردية والخاصة. وهذا مايستخدمه خطباء الجماهير.
وضعف المحاكمة العقلية لدى الجماهير يجعلها تتأثر بالصور والخيالات؛ لذلك تنتشر بين الجماهير الأساطير والقصص اللاعقلية والمحملة بالعواطف والخيال، الأمر الذي يجعلها لا تميز بين الواقعي واللاواقعي. لكنها في نفس الوقت تساهم في تجييش الجماهير ومخيلتها لتحريكها نحو أفكار كبرى وعميقة، ولولا تلك الحماسة وراء الأفكار الكبرى لما نهضت أمم وقامت حضارات. وأخيرًا يقرر لوبون أن "معرفة فن التأثير على مخيلة الجماهير تعني معرفة فن حكمها"؛ فليست الوقائع بحد ذاتها هي التي تؤثر على مخيلة الجماهير وإنما الطريقة التي تعرض بها هذه الوقائع.
مقتطفات من الكتاب
الفرد ما ان ينخرط في جمهور محدد حتى يتخذ سمات خاصة ما كانت موجودة فيه سابقا , او يمكن القول انها كانت موجودة ولكنه لم يكن يجرؤ على البوح بها او التعبير عنها بمثل هذه الصراحة و القوة
علم النفس الجماعي يفيدنا ويضيء عقولنا عندما يشرح لنا جذور تصرفاتنا العمياء و الاسباب التي تدفعنا للانخراط في جمهور ما و التحمس اشد الحماس للزعيم فلا نهي ما فعلناه الا بعد ان نستفيق من الغيبوبة وربما جعلنا ذلك اكثر حيطة و حذراً في الانبطاح امام زعيم جديد قد يظهر
ان النفسية الجماعية لفئة ما ليست هي مجموع النفسيات الفردية لاعضائها .. كما ان الجماعة ليست محصلة لمجموع الافراد
لقد حلت السياسة محل الدين ولكنها استعارت منه نفس الخصائص النفسية .. بمعنى آخر اصبحت السياسة دينا معلمنا وكما في الدين فقد اصبح البشر عبيدا لتصوراتهم الخاصة بالذات
الحقائق ليست مطلقة ولا ابدية وانما لها تاريخ محدد بدقة و عمرها قد لا يتجاوز عمر الزهور او قد يتجاوز عمر القرون ان لها لحظة ولادة و نمو وازدهار مثلها مثل الكائنات الحية ثم لحظة ذبول فشيخوخة فموت
كما ان روح الفرد تخضع لتحريضات المنوم المغناطيسي او الطبيب الذي يجعل شخصا ما يغطس في النوم فان روح الجماهير تخضع لتحريضات و ايعازات احد المحركين او القادة الذي يعرف كيف يفرض ارادته عليها .. و في مثل هذه الحالة من الارتعاد والذعر فان كل شخص منخرط في الجمهور يبتدىء بتنفيذ الاعمال الاستثنائية التي ما كان مستعدا اطلاقا لتنفيذها لو كان في حالته الفردية الواعية والمتعقلة .. فالقائد الزعيم اذ يستخدم الصور الموحية و الشعارات البهيجة بدلا من الافكار المنطقية والواقعية يستملك روح الجماهير و يسيطر عليها
الجماهير مجنونة بطبيعتها .. فالجماهير التي تصفق بحماسة شديدة لمطربها المفضل او لفريق كرة القدم الذي تؤيده تعيش لحظة هلوسة و جنون .. والجماهير المهتاجة التي تهجم على شخص لكي تذبحه دون ان تتاككدك من انه هو المذنب هي مجنونة ايضاً .. فاذا ما احبت الجماهير دينا ما او رجلا ما تبعته حتى الموت كما يفعل اليهود مع نبيهم و المسيحيون المتعصبون وراء رهبانهم والمسلمون وراء شيوخهم .. والجماهير اليوم تحرق ما كانت قد عبدته بالامس و تغير افكارها كما تغير قمصانها
هناك نمطين من الفكر فقط : الاول يستخدم الفكرة المفهومية و الثاني يستخدم الفكرة المجازية او الصورية .. والاول يعتمد على قوانين العقل و البرهان والمحاجة المنطقية و اما الثاني فيعتمد على قوانين الذاكرة والخيار و التحريض .. واكبر خطأ يرتكبه القائد السياسي هو ان يحاول اقناع الجماهير بالوسائل العقلانية الموجهة الى اذهان الافراد المعزولين
الاحداث الضخمة المأثورة التي تتناقلها كتب التاريخ ليست الا الاثار المرئية للمتغيرات اللامرئية التي تصيب عواطف البشر
هناك عاملان اساسيان يشكلان الاساس الجذري لتحول وتبدل الفكر البشري في الفترة الحالية الاول هو تدمير العقائد الدينية و السياسية و الاجتماعية التي اشتقت منها كل عناصر حضارتنا .. والثاني هو خلق شروط جديدة كليا بالنسبة للوجود و الفكر و قد تولدت عن الاكتشافات الحديثة للعلوم و الصناعة
نضال الجماهير هو القوة الوحيدة التي لا يستطيع ان يهددها اي شيء .. وهي القوة الوحيدة التي تتزايد هيبتها و جاذبيتها باستمرار
لم تعد مقادير الامم تحسم في مجالس الحكام و انما في روح الجماهير
ان الجماهير غير ميالة كثيراً للتأمل .. وغير مؤهلة للمحاكمة العقلية ولكنها مؤهلة جداً للانخراط في الممارسة والعمل والتنظيم الحالي يجعل قوتها ضخمة جداً .. والعقائد الجديدة التي نشهد ولادتها امام اعيننا اليوم سوف تكتسب قريبا نفس قوة العقائد القديمة : اي القوة الطغيانية و المتسلطة التي لا تقبل اي مناقشة او اعتراض
عندما تفقد القوى الاخلاقية التي تشكل هيكل المجتمع زمام المبادرة من يدها .. فان الانحلال النهائي يتم عادة على يد الكثيرة اللاواعية والعنيفة التي تدعى عن حق البرابرة
ان معرفة نفسية الجماهير تشكل المصدر الاساسي لرجل الدولة الذي يريد الا يُحكم كليا من قبلها و لا اقول يحكمها لان ذلك قد اصبح صعبا جداً اليوم
ليست الوقائع بحد ذاتها هي التي تؤثر على المخيلة الشعبية و انما الطريقة التي تعرض بها هذه الوقائع
الانسان ليس متدينا فقط عن طريق عبادة آلهة معينة وانما ايضا عندما يضع كل طاقاته الروحية و كل خضوع ارادته و كل احتدام تعصبه في خدمة قضية ما او شخص ما كان قد اصبح هدف كل العواطف والافكار و قائدها
ان عدم التسامح و التعصب يشكلان المرافق الطبيعي للعاطفة الدينية
الكلمات ليس لها الا معان متحركة و مؤقتة و متغيرة من عصر الى عصر و من شعب الى شعب و عندما نريد ان نؤثر على الجمهور بواسطتها فانه ينبغى علينا اولا ان نعرف ما هو معناها بالنسبة له في لحظة معينة وليس معناها في الماضي او معناها بالنسبة لافراد ذوي تكوين عقلي مختلف فالكلمات تعيش كالافكار
لكي نقنع الجماهير ينبغي اولا ان نفهم العواطف الجياشة في صدورها و ان نتظاهر باننا نشاطرها اياها ثم نحاول بعدئذ ان نغيرها عن طريق اثارة بعض الصور المحرضة بواسطة الربط غير المنطقي او البدائي بين الاشياء
ان دور القادة الكبار يكمن في بث الايمان سواء اكان هذا الايمان دينيا ام سياسيا ام اجتماعيا , انهم يخلقون الايمان بعمل ما او بشخص ما او بفكرة ما , و من بين كل القوى التي تمتلكها البشرية نجد ان الايمان كان احدى اهمها و اقواها
في كل الدوائر الاجتماعية من اعلاها الى اسفلها نجد ان الانسان يقع تحت سيطرة قائد ما اذا لم يكن معزولا و نجد ان معظم الافراد خصوصا في الجماهير الشعبية لا يمتلكون خارج دائرة اختصاصهم اية فكرة واضحة و معقلنة و بالتالي فهم عاجزون عن قيادة انفسهم بانفسهم
ان التاثير المزدوج للماضي والتقليد المتبادل يؤديان في نهاية المطاف الى جعل كل البشر التابعين لنفس البلد ونفس الفترة متشابهين الى درجة انه حتى اولئك الذين يتوقع منهم ان يفلتوا من هذا التشابه كالفلاسفة والعلماء والادباء يبدون متشابهين في اسلوبهم ومطبوعين بطابع الفترة التي ينتمون اليها
ان الثورات تساعد على التدمير الكلي للعقائد التي اصبحت مهجورة ولكنها لا تزال رازحة بسبب نير الاعراف والتقاليد
ان الطغاة الحقيقيين للبشرية كانوا دائما اشباح الموتى او الاوهام التي خلقتها بنفسها
هناك اسباب عديدة تتحكم بظهور الصفات الخاصة بالجماهير و أولها هو ان الفرد المنضوي في الجمهور يكتسب بواسطة العدد المتجمع فقط شعورا عارما بالقوة , و هذا ما يتيح له الانصياع الى بعض الغرائز و لولا هذا الشعور لما انصاع , و هو ينصاع لها عن طوع و اختيار لان الجمهور مُغفل بطبيعته و بالتالي فغير مسؤول . و بما ان الحس بالمسؤولية هو الذي يردع الافراد فانه يختفي في مثل هذه الحالة كليا
الخصائص الاساسية للفرد المنخرط في الجمهور هي : تلاشي الشخصية الواعية , هيمنة الشخصية اللاواعية , توجه الجميع ضمن نفس الخط بواسطة التحريض والعدوى للعواطف و الافكار , الميل لتحويل الافكار المحرض عليها الى فعل و ممارسة مباشرة , و هكذا لا يعود الفرد هو نفسه و انما يصبح انسان آلي ما عادت ارادته بقادرة على ان تقوده
مجرد ان ينطوي الفرد داخل صفوف الجماهير فانه ينزل درجات عديدة في سلم الحضارة
ان الجمهور يمكنه بسهولة ان يصبح جلاداً و لكن يمكنه بنفس السهولة ان يصبح ضحية وشهيداً فمن اعماقه سالت جداول الدم الغزيرة الضرورية لانتصار اي عقيدة او ايمان جديد
الجمهور ليس بحاجة لان يكون كثير العدد لكي تدمر امكانيته على الرؤية بشكل صحيح و لكي تحل الهلوسات محل الوقائع الحقيقية التي لا علاقة لها بها , فيكفي ان يجتمع بعض الافراد لكي يشكلوا جمهوراً و حتى لو كانوا علماء متميزين , فانهم يتحلون بكل صفات الجماهير فيما يخص الموضوعات الخارجية عن دائرة اختصاصهم , ذلك ان ملكة الملاحظة و الروح النقدية التي يمتلكها كل واحد منهم تضمحل و تتبخر
ليس للاساطير اي تماسك ذاتي , فخيال الجماهير يحولها و يعدلها باستمرار بحسب الازمان , وخصوصا بحسب الاعراق و الاجناس
ان بساطة عواطف الجماهير و تضخيمها يحميها من عذاب الشكوك و عدم اليقين . فالجماهير كالنساء تذهب مباشرة نحو التطرف , فما ان يبد خاطر ما حتى يتحول إلى يقين لا يقبل الشك
بما ان الجماهير لا تعرف الا العواطف البسيطة والمتطرفة فان الاراء و الافكار و العقائد التي يحرضونها عليها تقبل من قبلها او ترفض دفعة واحدة , فاما ان تعتبرها كحقائق مطلقة او كاخطاء مطلقة
لحسن حظ الحضارة فان هيمنة الجماهير على الحياة العامة لم تولد الا بعد ان كانت الاكتشافات الكبرى للعلم و الصناعة قد تحققت و انتهت
الجماهير التي تضرب عن العمل تفعل ذلك من اجل اطاعة الاوامر اكثر مما تفعله من اجل الحصول على زيادة الرواتب و نادرا ما تكون المصلحة الشخصية محركا قويا لدى الجماهير هذا في حين انها تشكل المحرك الكلي تقريبا لدوافع الفرد الواحد
في زمن المساواة لا يعود البشر يثقون ببعضهم البعض بسبب تشابههم و لكن هذا التشابه يعطيهم ثقة لا حدود لها تقريبا في حكم الجمهور العام و رايه , و ذلك لانهم يجدون من غير الممكن الا تكون الحقيقة في جهة العدد الاكبر بما ان الجميع يمتلكون نفس العقل
ان التقليص التدريجي لكل الحريات لدى بعض الشعوب يبدو انه ناتج عن شيخوختها بقدر ما هو ناتج عن النظام السياسي . نقول ذلك على الرغم من مظاهر التحلل و الاباحية التي قد توهم هذه الشعوب بامتلاك الحرية . و هذا التقليص يشكل احد الاعراض المنذرة بمجيء مرحلة الانحطاط التي لم تستطع اي حضارة في العالم ان تنجو منها حتى الان
ليست الوقائع بحد ذاتها هي التي تؤثر على المخيلة الشعبية و انما الطريقة التي تعرض بها هذه الوقائع
الانسان ليس متدينا فقط عن طريق عبادة آلهة معينة وانما ايضا عندما يضع كل طاقاته الروحية و كل خضوع ارادته و كل احتدام تعصبه في خدمة قضية ما او شخص ما كان قد اصبح هدف كل العواطف والافكار و قائدها
ان عدم التسامح و التعصب يشكلان المرافق الطبيعي للعاطفة الدينية
الكلمات ليس لها الا معان متحركة و مؤقتة و متغيرة من عصر الى عصر و من شعب الى شعب و عندما نريد ان نؤثر على الجمهور بواسطتها فانه ينبغى علينا اولا ان نعرف ما هو معناها بالنسبة له في لحظة معينة وليس معناها في الماضي او معناها بالنسبة لافراد ذوي تكوين عقلي مختلف فالكلمات تعيش كالافكار
لكي نقنع الجماهير ينبغي اولا ان نفهم العواطف الجياشة في صدورها و ان نتظاهر باننا نشاطرها اياها ثم نحاول بعدئذ ان نغيرها عن طريق اثارة بعض الصور المحرضة بواسطة الربط غير المنطقي او البدائي بين الاشياء
ان دور القادة الكبار يكمن في بث الايمان سواء اكان هذا الايمان دينيا ام سياسيا ام اجتماعيا , انهم يخلقون الايمان بعمل ما او بشخص ما او بفكرة ما , و من بين كل القوى التي تمتلكها البشرية نجد ان الايمان كان احدى اهمها و اقواها
في كل الدوائر الاجتماعية من اعلاها الى اسفلها نجد ان الانسان يقع تحت سيطرة قائد ما اذا لم يكن معزولا و نجد ان معظم الافراد خصوصا في الجماهير الشعبية لا يمتلكون خارج دائرة اختصاصهم اية فكرة واضحة و معقلنة و بالتالي فهم عاجزون عن قيادة انفسهم بانفسهم
ان التاثير المزدوج للماضي والتقليد المتبادل يؤديان في نهاية المطاف الى جعل كل البشر التابعين لنفس البلد ونفس الفترة متشابهين الى درجة انه حتى اولئك الذين يتوقع منهم ان يفلتوا من هذا التشابه كالفلاسفة والعلماء والادباء يبدون متشابهين في اسلوبهم ومطبوعين بطابع الفترة التي ينتمون اليها
ان الثورات تساعد على التدمير الكلي للعقائد التي اصبحت مهجورة ولكنها لا تزال رازحة بسبب نير الاعراف والتقاليد
ان الطغاة الحقيقيين للبشرية كانوا دائما اشباح الموتى او الاوهام التي خلقتها بنفسها
هناك اسباب عديدة تتحكم بظهور الصفات الخاصة بالجماهير و أولها هو ان الفرد المنضوي في الجمهور يكتسب بواسطة العدد المتجمع فقط شعورا عارما بالقوة , و هذا ما يتيح له الانصياع الى بعض الغرائز و لولا هذا الشعور لما انصاع , و هو ينصاع لها عن طوع و اختيار لان الجمهور مُغفل بطبيعته و بالتالي فغير مسؤول . و بما ان الحس بالمسؤولية هو الذي يردع الافراد فانه يختفي في مثل هذه الحالة كليا
الخصائص الاساسية للفرد المنخرط في الجمهور هي : تلاشي الشخصية الواعية , هيمنة الشخصية اللاواعية , توجه الجميع ضمن نفس الخط بواسطة التحريض والعدوى للعواطف و الافكار , الميل لتحويل الافكار المحرض عليها الى فعل و ممارسة مباشرة , و هكذا لا يعود الفرد هو نفسه و انما يصبح انسان آلي ما عادت ارادته بقادرة على ان تقوده
مجرد ان ينطوي الفرد داخل صفوف الجماهير فانه ينزل درجات عديدة في سلم الحضارة
ان الجمهور يمكنه بسهولة ان يصبح جلاداً و لكن يمكنه بنفس السهولة ان يصبح ضحية وشهيداً فمن اعماقه سالت جداول الدم الغزيرة الضرورية لانتصار اي عقيدة او ايمان جديد
الجمهور ليس بحاجة لان يكون كثير العدد لكي تدمر امكانيته على الرؤية بشكل صحيح و لكي تحل الهلوسات محل الوقائع الحقيقية التي لا علاقة لها بها , فيكفي ان يجتمع بعض الافراد لكي يشكلوا جمهوراً و حتى لو كانوا علماء متميزين , فانهم يتحلون بكل صفات الجماهير فيما يخص الموضوعات الخارجية عن دائرة اختصاصهم , ذلك ان ملكة الملاحظة و الروح النقدية التي يمتلكها كل واحد منهم تضمحل و تتبخر
ليس للاساطير اي تماسك ذاتي , فخيال الجماهير يحولها و يعدلها باستمرار بحسب الازمان , وخصوصا بحسب الاعراق و الاجناس
ان بساطة عواطف الجماهير و تضخيمها يحميها من عذاب الشكوك و عدم اليقين . فالجماهير كالنساء تذهب مباشرة نحو التطرف , فما ان يبد خاطر ما حتى يتحول إلى يقين لا يقبل الشك
بما ان الجماهير لا تعرف الا العواطف البسيطة والمتطرفة فان الاراء و الافكار و العقائد التي يحرضونها عليها تقبل من قبلها او ترفض دفعة واحدة , فاما ان تعتبرها كحقائق مطلقة او كاخطاء مطلقة
لحسن حظ الحضارة فان هيمنة الجماهير على الحياة العامة لم تولد الا بعد ان كانت الاكتشافات الكبرى للعلم و الصناعة قد تحققت و انتهت
الجماهير التي تضرب عن العمل تفعل ذلك من اجل اطاعة الاوامر اكثر مما تفعله من اجل الحصول على زيادة الرواتب و نادرا ما تكون المصلحة الشخصية محركا قويا لدى الجماهير هذا في حين انها تشكل المحرك الكلي تقريبا لدوافع الفرد الواحد
في زمن المساواة لا يعود البشر يثقون ببعضهم البعض بسبب تشابههم و لكن هذا التشابه يعطيهم ثقة لا حدود لها تقريبا في حكم الجمهور العام و رايه , و ذلك لانهم يجدون من غير الممكن الا تكون الحقيقة في جهة العدد الاكبر بما ان الجميع يمتلكون نفس العقل
ان التقليص التدريجي لكل الحريات لدى بعض الشعوب يبدو انه ناتج عن شيخوختها بقدر ما هو ناتج عن النظام السياسي . نقول ذلك على الرغم من مظاهر التحلل و الاباحية التي قد توهم هذه الشعوب بامتلاك الحرية . و هذا التقليص يشكل احد الاعراض المنذرة بمجيء مرحلة الانحطاط التي لم تستطع اي حضارة في العالم ان تنجو منها حتى الان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق