الاثنين، 30 يونيو 2014

سنة أولى انقلاب

سنة أولى انقلاب

عام بالتمام والكامل يمر اليوم على ذكرى وقوع أول انقلاب عسكري ، وأول تآمر مضاد من قوى الاستبداد ضد ثورات الربيع العربي ، عام مضى على مصر وهي تعاني من انشقاق مجتمعي خطير ، وفاشية شعبية بغيضة ، وانهيار اقتصادي كبير ، وتدهور سياسي وأمني مستمر، بعد أن أصبحت عربة مصر تسير على منحدر بلا كوابح ، عام مضى على عودة الاستبداد والتخلف السياسي والعودة لحكم الفرعون الذي يرى ما لم ير شعبه ، عام مضى على أكثر من ستة آلاف قتيل ، وثلاثون ألف جريح ، وثلاثون ألف معتقل ، و1207 جمعية خيرية مجمدة ، وعشرات المساجد والجوامع المغلقة والمهدمة والمحترقة ، عام مضى على تكميم الأفواه ، وكسر الأقلام ، ومصادرة الحريات ، وقمع المعارضين ، عام مضى على عودة الدولة البوليسية والقبضة الأمنية المرعبة ، وعودة زوار الفجر وسراديب الخوف وزنازين القهر ، عام مضى على إجهاض الآمال والطموحات ، وأخيرا عام مضى على كشف الغطاء وعودة الوعي وتمايز الصفوف .  
ففي لحظة فارقة وحاسمة في مصائر ثورات الربيع العربي، وفي مشهد لم تره مصر منذ أكثر من 60 سنة؛ جاء التغيير العسكري المصري ليعيد إلى الأذهان ذكريات أليمة، وحصائد تجارب مريرة، كانت الشعوب أول وأكبر من دفع ثمنها. في مصر؛ أغار العسكر على الإرادة الشعبية الحرة والنزيهة، معيدا الأوضاع في مصر إلى المربع رقم صفر، حيث الحكم العسكري الذي ظل متسلطًا على البلاد لعقود ممتدة ، وفي نادرة تاريخية فريدة أن يخرج الملايين على الحكم الفاشي والاستبدادي في 25 يناير ، ثم يخرج شطر منه بعد ذلك بعامين ونصف ينادي بعودته وعودة الاستبداد والديكتاتورية، بعد أن غلبه الحنين والشوق لقرع السياط على ظهره ووقع البيادة على مستقبله السياسي.
الانقلاب العسكري هو أحد أفرع فلسفة (البرجماتية العسكرية) التي تحكم فكر معظم القيادات العسكرية المسيطرة على جيوش العالم الثالث عامة وجيوش محيطنا الإقليمي خاصة. والانقلاب هو عملية عسكرية بحتة يقوم بها بعض المغامرين العسكريين في جيش تقليدي محترف، من أجل التدخل في مسار العملية السياسية، والتحكم في مقاليد السلطة لمصالحهم الخاصة أو مصالح قوى معينة، سواء داخلية أو خارجية؛ من أجل تأمين وضعية سياسية تجهض محاولات الخروج عن الخطوط المرسومة والنطاقات المحجوزة إقليميًا ودوليًا لهذا البلد، وتعيده مرة أخرى للسير على الدرب القديم والأطر المرسومة سلفًا، أو بعبارة أخرى العودة بالدولة لسياسات النخبة الموروثة.
الانقلابات العسكرية ليست حدثًا عفويًا أو ردود أفعال وقتية، بل هي مخططات مرسومة من إجهاض إيمان الشعوب في أن خلاصهم السياسي في استكمال مسيرتهم نحو سقف لا محدود من الديمقراطية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، من خلال فرض وصاية غير شرعية بنكهة عسكرية على الإرادة الشعبية. البرجماتية العسكرية هي التي تبرر هذا الوثوب اللا أخلاقي على إرادة الشعوب، ومصادرة اختياراتها، وهي شارع طويل المدى، شاحح الملامح، صامت المعاني، أصم المنافذ لا مداخل فيه ولا مخارج، ولا مجال فيه للبحث والتفكير والالتفات، لكن دائمًا وأبدًا تنظر للأمام حتى لو على حساب هرس الشعوب، وسحق اختياراتها. وثقافة الانقلابات العسكرية ثقافة متجذرة في منطقتنا العربية والإسلامية، لها أعوان وأنصار وأولياء وخدم وعبيد لا يرون عزهم إلا في ركاب العسكر، ولا يتحقق لهم سلطانهم وولايتهم إلا بفوهة البنادق ومن على ظهور الدبابات ، ومن باكستان شرقًا إلى موريتانيا غربًا، ومن تركيا شمالًا إلى اليمن والصومال جنوبًا، كانت الانقلابات العسكرية حاضرة بقوة في المشهد السياسي، وكانت لها كلمة الفصل في وأد تجارب الديمقراطية الوليدة في منطقة أريد لها دائمًا أن تظل أسيرة النظم السلطوية الشمولية.
الانقلاب العسكري المصري جاء بنكهة ثورية غافلة أو مغفلة ، وطلاء من قشرة شعبية رقيقة ممن لم يفهم لعبة العسكر جيدا ، ولم يدرك حجم الكيد والتآمر المحيط بالثورة المصرية منذ البداية ، فقد كشف مراسل صحيفة "التلغراف" البريطانية في القاهرة، ريتشارد سبنسر، أن الجنرال عبد الفتاح السيسي دبر انقلابا عسكريا حتى في الوقت الذي كان فيه حسني مبارك في السلطة، وكان يرى نفسه بأنه المنقذ لمصر. وأفاد الكاتب، نقلا عن كبار المستشارين، أن "الرجل القوي الجديد" في مصر وضع مخططا لاستيلاء الجيش على السلطة حال حدوث ثورة ضد الرئيس السابق حسني مبارك منذ العام 2010. وكان المشير محمد حسين طنطاوي، وزير الدفاع في عهد الرئيس مبارك، ينادي السيسي ب"ابني" ثقة منه أنه سيكون خليفته ، وهذا ما كشف عنه ضابط عسكري بارز يعرفه شخصيا لمراسل "التلغراف"، وأضاف: "حتى عندما كان (السيسي) لا يزال عقيدا، كنا جميعا نعلم أنه سيكون وزير الدفاع المقبل"، إذ لم يكن للمشير طنطاوي طموحات سياسية شخصية، ولكنه كان حريصا على اختيار خليفته . وهذا الأمر يعني أن الثورة كانت منذ البداية تحت سيطرة العسكر وداخل نطاق خططه المعدة سلفا ، مما حدا بالدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية للقول بأن الجيش كان يمتلك خططا مسبقة للانتشار قبل وقوع ثورة 25 يناير ، وأن الجيش قد استفاد من الثورة في التخلص من مخططات التوريث ، ثم التضحية برأس النظام ؛ مبارك ، من أجل الحفاظ على النظام نفسه الذي يهيمن عليه العسكر .
الانقلاب العسكري الذي جاء على خلفية إنقاذ البلاد من سوء إدارة الإخوان ووقف مسلسل التدهور الاقتصادي والأمني لم يجن منه المصريون سوى الفقر والإذلال وتعطل المصالح والتبعية التامة للغرب والشرق ، والعرب والعجم ، فقطاع السياحة الذي يعد أحد أعمدة الاقتصاد المصري ، والذي ولول إعلاميو الانقلاب على انهياره بسبب الثورة يشهد بعد الانقلاب انهيارا مروعا ، وقد تراجعت إيرادات السياحة في مصر خلال الربع الأول من العام الجاري إلى 1.3 مليار دولار بانخفاض 43% عن الربع ذاته من العام الماضي إبان حكم الرئيس "محمد مرسي"، والذي سجل نحو 3 مليارات دولار. وقالت عادلة رجب المستشارة الاقتصادية لوزير السياحة الانقلابي في تصريح لها في 17 أبريل الماضي: إن مصر استقبلت نحو 2 مليون سائح في الربع الأول من 2014 م بانخفاض 30% عن الربع المقابل من 2013م. وفي نهاية العام الماضي اعترف هشام زعزوع، وزير السياحة في حكومة الانقلاب العسكري بأن القطاع السياحي في مصر فقد 95% من التعاقدات الشتوية لهذا الموسم، بعد أحداث فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة يوم 14 أغسطس الماضي. ووفق آخر تقارير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فإن نسبة البطالة في مصر بلغت 13.4% بزيادة قدرها 1 من عشرة خلال فترة الانقلاب، وهو ما يقدر بـ33 ألف شخص انضموا إلى قائمة البطالة خلال الستة شهور الأولى من عمر الانقلاب العسكري الذي استطاع في غضون شهور قليلة أن يقفز بأزمة البطالة بمعدلات غير مسبوقة ،وبلغ عدد المصانع التي أغلقت 855 مصنعًا وذلك وفقاً للخطابات المقدمة من أصحاب تلك المصانع لمركز تحديث الصناعات.وقال د. يوسف القريوتي، المدير الإقليمي لمنظمة العمل الدولية لمنطقة شمال إفريقيا: إن معدل البطالة في مصر خلال العام الماضي، بلغ 25% . وهذا غيض من فيض الانجازات المشئومة للانقلاب العسكري في مصر ، وذلك فقط بعد مرور عام واحد ، فأي مستقبل مظلم ينتظر المصريون تحت حكم هذه السلطة الجديدة ؟! وهل سيطول مداها وتترسخ قواعدها ؟ وهل فشل الحراك الثوري ضد هذا الانقلاب ؟ وسيستسلم  المصريون وخاصة الشباب منهم للوضع القائم ؟ أم سيكون للقدر خبيئة أخرى يفاجئ بها المنطقة والعالم بأسره ؟
الله أعلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق