الاثنين، 30 يونيو 2014

من يمثل الأقباط الدولة أم الكنيسة



من يمثل الأقباط الدولة أم الكنيسة


أ. د. زينب عبد العزيز 

أستاذة الحضارة الفرنسية

تحية واجبة للكاتب الصحفى جمال أسعد عبد المالك، لكتابه المعنون "من يمثل األقباط.. الدولة أم البابا ؟" 
(1992).. 
تحية لمجرد تناوله هذا الموضوع المثقل بالمغالطات والحساسيات على مر القرون، ولكن إصراره على "مواجهة الحقائق ومواجهة الأخطاء" بصراحة وموضوعية، وإصراره على الحوار الصادق.. 
واستجابة منى لهذه الدعوة البناءة، لايسعنى إلاأن أتناول ما طرحه فى كتابه بالتعقيب الصريح الموضوعى 
وفقا لطلبه، على الرغم من بعض المآخذ العلمية، من حيث التداخل والتكرار وعدم التوثيق أو التأريخ إلا فيما ندر، الأمر الذى يمس بمصداقية معظم ما يطرحه، أو ما ينجم عنه من نتائج واستنتاجات تخالف الواقع، مما يستوجب إعادة صياغة الكتاب برمته. 
إلاأنه يمكن إختصار محتواه فى عبارة واحدة هى : أنها محاولة لتحقيق المزيد من المكاسب السياسية للطائفة القبطية بغية الوصول إلى الحكم (صفحة 87). وهنا يقوم المؤلف بمطالبة الاستاذ فهمى هويدى وأصحابه وجميع الفقهاء التوصل إلى فقه يسمح بمبدأ تبادل السلطة بين المسلمين واألقباط ! 
وذلك إلى جانب العديد من القضايا، منها على سبيل المثال لاالحصر : إن "الشعب القبطى وحده هو الشعب المصرى الاصيل، وأنه يتميز بالصبر الطويل وبالمقدرة على طرد المستعمر مهما إمتد به األمد"، والمستعمر هنا حاليا وفى نظر السيد جمال أسعد هو الاسلام ، وإن كان قد ألصق القول بالوجدان الطائفى، و"أن الكنيسة المصرية هى أول كنيسة فى التاريخ"، و"أنها باتت تمثل أحد قطبى المسيحية فى العالم مع الكنيسة الكاثوليكية".. 


كما تناول المؤلف بوضوح طائفية الحكومة المصرية و"مواقفها الحقيرة مع الأقباط" (صفحة 146)، والجماعات الدينية الإسلامية، ومبالغة الإعلام المصرى فى تناول مذبحة البوسنة، وعزل الأقباط ، والشكوى من الدور السياسى للبابا شنودة الثالث ، وأنه "منذ السبعينيات يوجد مناخ طائفى وصل إلى ذروته فى إعلان السادات أنه رئيس مسلم لدولة مسلمة" (صفحة 96) !!
وهنا لا بد من توضيح بعض الحقائق التاريخية فى عجالة، ولا أظنها بخافية على المؤلف، إذ أنها حقائق راسخة ثابتة فى التاريخ، يتحتم عليه أن يعلمها، وأن يعلمها الجميع، لا ليصبح الحوار مثمرا فحسب، وإنما لتصويب ما علق خطـأ بالأذهان أو ما يتم غرسه فيها عمدا عن طريق بعض القساوسة المنفلتة..
ولا يسع المجال فى هذا الحيّز الضيق للرد على كل ما ورد بالكتاب من مغالطات أو من تسريب جديد لبعض الفريات فى الوجدان العام ، لكننى أتناول بعضا منها فحسب.
وأول ما أبدأ به هو أن أوضح للصحفى السياسى، الذى يعرف معنى الكلمة وتأثيرها، بل يعرف أهمية أداة التعريف فى الكلمة ومدى تغييرها للمعنى، وكيف أن تكرار أية عبارة أو فكرة، مهما كانت خطأ أو فى سياق خطأ يقوم بترسيخها فى ذهن القارئ، وخاصة فى ذهن الإخوة المسيحيين الذين يأخذون كلام إبن عقيدتهم على أنه حقائق مسلّم بها.
والكتاب للأسف يغص بمثل هذه الفريات التى ما كنت أتوقعها ممن بدأ حديثه بزعم الأمانة والمطالبة بمواجهة الحقائق..
بل إن الصياغة برمتها تشى عن ذلك الموقف الطائفى المختلق من مثل هذه الفريات التى يشكو منها.
فكان يتعيّن عليه بدايةً الإبتعاد عن مثل هذا الأسلوب فى بحثه عن الحقيقة ، وخاصة الإبتعاد عن السب ووصف الحكومة المصرية التى تمثله وتمثل الشعب المصرى برمته بأنها حكومة "حقيرة"..
وأولى هذه الحقائق التى عليه أن يعرفها كحقيقة تاريخية، وليست حقيقة مسلّم بها فحسب أو أنها تحصيل حاصل كما يقول، أى بلا أى توثيق، هى :
إن مصر دولة مسلمة، وأن الإعتراف بذلك لا "يمثل ذروة المناخ الطائفى"، وأن الأخوة الأقباط كانوا منذ البداية وظلوا حتى الآن طائفة أقلية بدليل الوقائع التالية :
* اللغة القبطية هى محاولة لكتابة اللغة المصرية القديمة بالأحرف اليونانية لغة المستعمر آنذاك، وذلك فى حوالى القرن الثانى قبل الميلاد : أى قبل مولد المسيح، وبالتالى فلا علاقة لها أصلا بالمسيحية، وإن ربطها بالإخوة المسيحيين هو بداية تحريف الحقائق بغية إكتساب عمق تاريخى حضارى غير حقيقى.
وإن هذه "الصياغة الكتابية" إن أمكن القول، لم تكن أبدا اللغة الرسمية للبلد فى أى وقت من الأوقات. فالأبجدية اليونانية كانت تتكون من 24 حرفا إضافة إلى سبعة أحرف مصرية قديمة، واللغة القبطية لم تتحول إلى لغة واسعة الإنتشار لسببين : لم تكن أبدا فى أى فترة من الفترات اللغة الرسمية للبلد أو اللغة الوحيدة فى مصر ؛ وفترة وجودها كانت قصيرة المدى (Mallon : Grammaire Copte, 1956).
وطوال العصر الرومانى والبيزنطى كانت لغة الحكومة وعلية القوم هى اليونانية.
 وهناك العديد من الكلمات اليونانية فى اللغة القبطية لأن معظم الأعمال القبطية كانت عبارة عن ترجمات لأعمال يونانية.
وأولى النصوص المسيحية المكتوبة باللغة القبطية هى ترجمات لنصوص العهدين القديم والجديد، وأقدم هذه النصوص يرجع إلى أواخر القرن الثانى الميلادى.
ويقول العالم جاردينر (A. Gardiner) "أن اللغة القبطية تعد إلى حد ما لغة مصطنعة ، قام بصياغتها الرهبان المسيحيون ، وهى شديدة التأثر بالأدب الإنجيلى اليونانى" (Egyptian Grammar).
 ومن ناحية أخرى يقول القس رينودو (Renaudot) : "بعد فتح العرب لمصر بنحو قرن تلاشت اللغة القبطية نهائيا فى معظم القطر المصرى ولم تعرف إلا بين العلماء ورجال الدين" (Recherches sur la langue et l’écriture de l’Egypte). 
* حينما دخلت المسيحية مصر كان يسكنها كلا من : الشعب المصرى القديم أو الفرعونى، فالمعابد الفرعونية ظل بعضها يعمل حتى القرن السادس الميلادى ؛ والجالية اليونانية ؛ والجالية الرومانية ؛ والجالية اليهودية ؛ والبُجاه (من جنوب السويس حتى كَسَلا) ؛ وأهالى النوبة. وكانت الديانة المصرية القديمة أو الديانة الوثنية هى السائدة سواء بالنسبة للشعب المصرى أو بالنسبة للحكام. وظلت هذه الوثنية قائمة حتى ألغاها الإمبراطور تيودوز الأول فى أواخر القرن الرابع سنة 380 . أى إن الديانة المسيحية كانت تُحارب حتى ذلك الحين، ولم تكن فى أى لحظة من اللحظات هى الديانة الرسمية أو حتى الديانة الوحيدة فى مصر، بل ظلت حتى القرن الخامس الميلادى فى تخبط عقائدى متناقض وتعانى فى نفس الوقت من الإضطهاد الرومانى.
* أما الأب الكنسى والأديب الفرنسى إرنست رينان (E. Renan) فيقول عن كنيسة الإسكندرية : "إن التراث القائل بتبشير مرقس الرسول الإسكندرية يعد من الإختلاقات المتأخرة التى كانت الكنائس الكبرى تحاول أن توجد لنفسها إمتدادا رسوليا. وكلنا نعلم جيدا الخطوط العامة لحياة القديس مرقس ، وأنه قد إتجه إلى روما وليس إلى الإسكندرية. فقد كانت كل الكنائس الكبرى تزعم أن لها مؤسس رسولى ، وكانت كنيسة الإسكندرية قد نمت وأرادت أن تتزود بألقاب العراقة التى كانت تنقصها. وكان مرقس يعد من الشخصيات التاريخية الرسولية التى لم يكن قد تم تبنيه بعد ... ويستشهدون بكتابات فيلون (Philon) على ذلك ، إلا أن هذا بمثابة هذيان غريب ... لأن فيلون كان قد توفى منذ فترة طويلة قبل مجئ مرقس المزعوم إلى الإسكندرية" (الأناجيل ، صفحة 157ـ158) .
* عند دخول المسيحية مصر إعتنقها جزء من المصريين ولم يفقد هذا الجزء مصريته، وظلت غالبية الشعب وثنية.
وأيام الفتح الإسلامى إعتنقه المصريون الوثنيون ولم يفقدوا مصريتهم. كما إعتنقه عدد كبير من المسيحيين ولم يفقدوا مصريتهم أيضا. ومن ظل منهم مسيحيا أصبح أقلية ولم يفقد مصريته. وبذلك فإن المسلمين والمسيحيين فى مصر ، منذ الفتح الإسلامى وحتى الآن هم جميعا مصريون أصلاء، ولم يفقدوا مصريتهم بسبب العقيدة. 
وبالتالى فإن مقولة "أن الأقباط وحدهم هم الخيط الأصيل" تزييف رخيص، مغرض و فاضح، ولا يؤدى إلا إلى غرس مفاهيم خاطئة لدى الجميع، بل ويؤدى إلى ما يقوم به البعض حاليا من محاولة الإستحواذ على الحضارة المصرية القديمة على أنها الجذور الممتدة للحضارة الغربية من خلال "الأقباط" الذين هم وحدهم من سلالة الفراعنة
(راجع مجلة "العالم القبطى" التى يصدرها أقباط فى فرنسا).
* لذلك أؤكد و أعيد تأكيد حقيقة : إن مختلف أنواع الحكم التى عرفتها مصر هى : الحكم الفرعونى ، ثم اليونانى ، ثم الرومانى ، ثم البيزنطى ، ثم الإسلامى. ولم يحدث فى التاريخ أن حكم الأقباط أى بلد.
* إن الأقباط الذين كانوا أقلية فى كافة العصور ولم يتولوا الحكم أبدا فى أى عصر من العصور، وبالتالى فهم أقلية دينية مصرية بحكم الواقع، لا يجوز أن يطلق عليهم كلمة "شعب"، وإنما "أتباع الكنيسة" أو "أتباع العقيدة الفلانية". فكلمة "الشعب" لا تطلق إلا نسبة إلى دولة ذات سيادة وإقليم خاص بها، والأقباط هم جزء من تعداد هذا الوطن . وبالتالى فإن إستعمال وتكرار تعبير "الشعب القبطى" أو "الأمة القبطية" هى مغالطة تاريخية ولغوية فى آن واحد. 
كما إن مقولة : "إن الأقباط جزء أصيل من الشعب المصرى : عددهم عدد الشعب المصرى" تمثل منحنى غير أمين لا أعتقد أن الكاتب الباحث عن الحقيقة لا يدرك فداحة هذه العبارة تشير ضمنا إلى خرافة تنصير مصر بأكملها وفقا لما فرضه عليكم مجمع الفاتيكان الثانى (1962ـ1965)، حين فرض على جميع الأتباع وعلى كافة الكنائس المحلية المساهمة فى عملية تنصير العالم !.
وأقول فداحة هذه العبارة وفداحة ما يمكن أن يترتب عليه : فإذا ما ربطنا بين هذا المطلب إلى جانب المطالبة بإختلاق "فقه يسمح بذلك" ، مع كل ما يدور فى الغرب بدأب، بالتواطوء مع أقباط المهجر، خاصة بعد سنة 1965 وقرارات مجمع الفاتيكان الثانى بتنصير العالم، فإن الموقف يتخذ أبعادا خطيرة.
فهناك خطان يمكن متابعتهما فى الصحافة الغربية بعامة، وفى الصحافة الفرنسية بصفة خاصة:
الخط الأول يتناول تكرار زعم ما يتعرض له الأقباط من محن ومجازر وتقطيع الأيدى والأقدام وإجبارهم على تغيير العقيدة فى البطاقة الشخصية للحصول على وظيفة ما، وما إلى ذلك من فريات جد رخيصة ؛ 
أما الخط الثانى فهو ما نراه فى مجلة "العالم القبطى" التى يرأس تحريرها أشرف إسكندر صادق فى فرنسا، وفى العديد من المراجع الأثرية أو الحضارية والفنية والتاريخية الحديثة من محاولة للإستحواذ على الحضارة المصرية القديمة وقصرها على الأقباط ، ويا لها من محاولات تزوير فجة..
وإذا ما كان البابا شنودة قد إعترض على ما صدر من بيانات تناشد الغرب التدخل لحماية الأقلية القبطية، أو إذا ما كان قد استنكر ذلك، فها هو الغرب يورطه أو ينوه بعكس ذلك. فإن ما نشرته مجلة "فيجارو ماجازين" الفرنسية الصادرة فى 15/5/1993 على تسع صفحات، تتوسطها صفحة بكاملها للبابا شنودة رافعا بيد واحدة الصولجان والصليب معاً، لا معنى له إلا أن الحكم القادم للكنيسة وللصليب !
وهنا لا يسعنى إلا أن أترك الأمر للمسئولين فى الدولة ، كلا فى مجاله لإتخاذ اللازم ، لأواصل التعقيب على بعض النقاط التى أثرها المؤلف، علها تساعد على توضيح الرؤية له ولمن يتبع هواه :
* إن المسيحية لم تدخل مصر من الوهلة الأولى كما يقول الكتاب، ولم يكن بها "أول كنيسة فى التاريخ". وذلك لأن أولى الكنائس التى تم تشييدها فى الإسكندرية ترجع إلى القرن الثالث. وأول كنيسة أقيمت خارج القدس بعد وفاة المسيح، كما تقولون، كانت فى إنطاقيا وأسسها برنابا الحوارى/النبى الذى كان أول من باع كل ما لديه ليتبع المسيح، وليس القديس أنطونيوس. إلا إن كان السيد المؤلف أصدق من الأناجيل الحالية !
* إن تعداد الأقباط الخاضعين للجزية بعد معاهدة بابليون عام 21 هجرية (قبل أن يُوقف العمل بها) كان ستة آلاف شخصا. وكانت كل الطائفة القبطية حوالى مائة وستون ألف ضخصا. وعام 1940 وصل تعدادهم إلى مليون وثمانمائة ألفا. وعام 1980 إرتفع إلى مليونين، ليصل عام 1988 إلى ثلاثة ملايين ونصف ، وهو آخر إحصاء إستطعت التوصل إليه فى كتاب الأب دى بورجيه عن "الأقباط". وهو ما يؤكده أيضا كتاب "الجغرافيا السياسية للفاتيكان" الصادر عام 1992 ، إذ يورد أن عدد المسيحيين فى الشرق الأوسط إثنى عشر مليونا، ربعهم تقريبا يوجد فى مصر، أى أنهم ثلاثة ملايين. ولعل هذه الحقيقة هى التى تكمن خلف رفض الأقباط التمثيل النسبى بزعم رفض الطائفية.. كما أن محاولة رفع التعداد إلى عشرة ملايين ـ على الرغم من ذلك العدد الضخم الذى هاجر، يمثل تزييفا صارخا للواقع.
ونفس الإصرار على المبالغة فى رفع نسبة الأقباط نجدها فى كتاب "المسيحيون والقومية المصرية" للدكتور زاهر رياض (صفحة 56)، فهو الوحيد الذى رفع عدد فيلق الأقباط الذى كونه الخائن يعقوب من 500 جندى إلى 2000، ثم يضيف : "إن الأقباط لم يدخروا وسعا فى التعاون مع الفرنسيين على أمل أن يخلصوهم من الحكم الإسلامى" (صفحة 37)..
* أما العبارة الغريبة الخاصة بالكنيسة القبطية و"أنها باتت تمثل أحد قطبى المسيحية فى العالم مع الكنيسة الكاثوليكية".. فيؤسفنى الإشارة إلى ضحالة معلومات السيد جمال أسعد عن دينه ، فالمسيحية ليست مجرد قطبين عالميين أحدهما كاثوليكى والآخر أرثوذكسى، وإنما المسيحية منقسمة إلى أكثر من 349 كنيسة مختلفة ومنشقة عقائديا ولاهوتيا، وهذا الرقم هو عدد الكنائس المشارك فى مجلس الكنائس العالمى ، بخلاف الفاتيكان والكرسى الرسولى الذى رفض الإشتراك ليتمكن من المساعدة بصورة فعالة أكثر من الخارج. وإنما هذه العبارة تشير إلى العبارة الواردة فى مختلف نصوص مجمع الفاتيكان الثانى حين تحدث عن وحدة الكنائس المنشقة لتكون بمثابة "رئتين" يتنفس بهما العالم !!
* أما عن عدد الكنائس فيقول تقرير الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء أنها كانت 442 كنيسة عام 1972، وفى عام 1989 نطالع فى كتاب "السادات والبابا" أنها وصلت إلى 1691 كنيسة، بخلاف مائتين تم بنائها أيام السادات، وأن عددها بالنسبة لتعداد الأقباط مماثل تقريبا لعدد المساجد بالنسبة للمسلمين. 
مع مراعاة فارق أساسى هو: أن الصلاة فى المسيحية وفقا لمطلب السيد المسيح ، وهو ثابت فى الأناجيل، فهى أن يصلى الشخص فى غرفته ويغلق عليه الباب، فلم تكن هناك كنائس أيام السيد المسيح ولم يطلب هو إنشاء أى منها.
أما الصلاة بالنسبة للمسلم فهى محددة بأن تكون فى المسجد خاصة صلاة الجمعة. 
فما معنى إفتعال أزمة ووصف الحكومة "بالحقارة" على الرغم من حمايتها للأقباط على حساب الإسلام والمسلمين، حفاظا على الوحدة الوطنية ؟!
* إن المطالبة "بدولة مستقلة" ليست مجرد "من الأفكار الراسخة" فى الوجدان، كما يزعم المؤلف وإنما هى من الوقائع التاريخية الإنفلاتية المعاشة ، وما أكثر مثل هذه المواقف التى لا توصف إلا بالخيانة للوطن، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر : المعلم يعقوب الذى كوّن فيلقا من 500 قبطيا للتعاون مع جيش الحملة الفرنسية والمطالبة بالإستقلال ؛ وهناك أخنوخ فانوس فى مطلع القرن العشرين وتكوينه "الحزب المصرى"؛ ومؤتمر الأقباط فى أسيوط المنعقد عام 1911؛ وحبيب جرجس الذى كان أول من إستخدم تعبير "الأمة القبطية" وأنشأ مدارس الأحد ؛ كما طالب بالإستقلال وتنظيم حزب "الأمة القبطية" الذى أسسه إبراهيم فهمى هلال سنة 1952 وتم بعدها تغيير إسم جريدة "الوطن" إلى "وطنى" ، وهو الذى طالب بتطبيق أحكام الإنجيل على الإقباط فى كل المواقف، وأن تتكلم "الأمة القبطية باللغة القبطية"، وطالب بإصدار جرائد يومية وأسبوعية وشهرية، والتعامل على أساس التقويم القبطى فقط، وإنشاء محطة إذاعة خاصة بالأمة القبطية، والإهتمام بالدعاية الدولية والمحلية، وبالرياضة وإنشاء دار كبرى فى وسط القاهرة تسمى "المركز الرئيسى للجماعة"، وهو ما له مغزاه الواضح فى محاولة تنصير مصر بكاملها !..
كما أن هناك حادثة إنقلاب قطار الصعيد سنة 1957 وما كشفت عنه من مطالب إنفصالية ؛ وأيام أحداث 1965 ؛ وأثناء المؤتمر القبطى عام 1977 ؛ وأثناء مؤتمر "مسيحيو الشرق" المنعقد فى باريس عام 1985؛ إضافة إلى منشورات أقباط المهجر ومناشدتهم الغرب لإنقاذ ذويهم ، الخ ، الخ !! أى إن المطالبة بتقسيم مصر أو تنصيرها ليس من الأفكار الوجدانية فحسب وإنما هى حقيقة تغذيها النعرات الإنفلاتية التاريخية المتراكمة والتى لم تكف عن الظهور منذ الحملة الفرنسية، والتى توصم الأقلية المسيحية بالخيانة للوطن.
* جماعة "الإخوان المسلمين" التى تم أنشاؤها عام 1928 ، لم تكن من باب المزايدة فى التعصب وإنما بسبب ما وصل إليه التبشير من تحد إستفزازى بدخول السيد زويمر مسجد الأزهر الشريف لتوزيع منشوراته التبشيرية ! وبالتالى فإن تبرير قيام "الجماعة القبطية" ردا على قيام الإخوان مغالطة غير أمينة فى عرض الحقائق التاريخية.
* عزلة الأقباط المزعومة وهجرتهم "بسبب العزلة" أو "لأن المجتمع يلفظهم" مقولة غير صادقة ، فلقد هرب الأقباط بأمواهم أيام تأمينات عبد الناصر، ثم أيام النكسة 1967 .. أما عن العزلة فيكفينا جميعا عار أن يمثل الشعب المصرى فى إحدى المنظمات الدولية واحدا من أولئك الموصومون بالخيانة رسميا.. ولا يسع المجال هنا لسرد قوائم الخيانة أو التعصب والكيل بمكيالين.
* عرض مقتل بطرس غالى بعبارة "على حسب قول الوردانى" (صفحة 38) وكأن بطرس غالى هذا لم يقم فعلا بتوقيع إتفاقيات السودان التى أسلمته للإدارة الإنجليزية سنة 1899 ، أو كأنه لم يرأس محكمة دنشواى سنة 1906 وشنق الفلاحين المسلمين ، أو لم يعمل على مد إمتياز قناة السويس 40 عاما بعد إنتهائه !!
عيب ، نعم عيب عليك أن تشارك فى نشر الفريات وأنت تطالب بقول الحق والبحث عن الحقيقة.
* أما عن الشكوة المزعومة من البابا شنودة ، فلا شك فى أنها من المعالم المشتركة فى أكثر من كتاب للإخوة المسيحيين ، فلا يسعنى إلا أن أتساءل : لماذا لا تقوم الطائفة القبطية بتغييره ، خاصة وإن هناك سابقة فى هذا المجال ؟.. 
أم إن ذلك من الشعارات التى ترفع ذرا للرماد فى الأعين حتى لا يسأل سائل : ما الذى فعله البابا زعيم الأثوذكسية فى الشرق الأوسط ، وأحد رؤساء مجلس الكنائس العالمى، لوقف مذبحة المسلمين فى البوسنة والهرسك ؟؟ فالكنيسة الأرثوذكسية توجد فى روسيا وفى الصرب وفى اليونان ككنيسة واحدة.
والمعلن فى الصحف الدولية هو أن روسيا واليونان تساعدان الصرب ، بينما المانيا والفاتيكان يساعدان الكروات ، وذلك هو ما أكده جون ميجر ، لتدمير البوسنة كدولة مسلمة غير مرغوب فيها فى وسط أوروبا ..
ولو سلمنا جدلا بما قاله فى نفس الخطاب ، من سيطرة الغرب على الحكومات الإسلامية ، فهل يتفق هذا الموقف مع تعاليم السيد المسيح أو حتى مع حقوق الإنسان والمطالبة بحرية العقيدة ، أو حتى ليطالب الأقباط بالوصول إلى الحكم ؟!
والعكس هو الصحيح فى هذه العزلة المزعومة والتى تخفى وراءها حقيقة مغايرة ، هى العمل على إثبات إن مصر قبطية وأن المسلمين غزاة (راجع حوار البابا شنودة مع المناوى)، فما يدور من محاولة لتغيير معالم التاريخ وإختلاق مفهوم وبُعد حضارى قبطى مزيف ، وما يدور من محاولات لربط الأقباط بالغرب وخيانة الوطن عبارة عن حقائق معاشة ، كان الأجدر بالسيد المؤلف أن ينتقدها أو يطالب بالكف عنها !
وفى نهاية هذه المحاولة الشديدة الإختصار والتى لم أتناول فيها إلا بعضا مما ورد بالكتاب ، لا يسعنى إلا أن اقول للسيد جمال أسعد ، الباحث عن الحقيقة والمصارحة ، إن الصدور جد مفعمة بالمرارات ، والأحداث الراهنة جد عصيبة ، ولا تحتمل اللعب بالألفاظ والتلاعب بالمسميات .. لكى لا أضيف وبالمغالطات.
نحن مصريون ، شعب واحد بلا شك ، شعب أغلبيته مسلمة وبه أقلية مسيحية ، نسيج واحد فى كيان الوطن ، والحوار الصادق الأمين ، الحوار الصريح ، هو المطلوب لدرء كل ما ألم بهذا الوطن من جراح على مر القرون.. وخاصة بعد أن بدأ الغرب يضع إخواننا المسيحيين أمام الإختيار الواضح :


خيانة الوطن ، أم الدفاع عن وحدته ؟!




ديسمبر 1992





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق