السبت، 13 سبتمبر 2014

انهيار النظام الإقليمي القديم: كيف غطت داعش على التقسيمات الجديدة للحدود؟


انهيار النظام الإقليمي القديم: كيف غطت داعش على التقسيمات الجديدة للحدود؟





بقلم: مايكل ستيفنس/باحث في دراسات الأمن الدولي 
(خدمة العصر)
(المصدر: موقع "ميديل إيست آي")


لمدة ثلاث سنوات، تناغمت منطقة الشرق الأوسط مع خطوط نقل السيطرة، انهيار النظام الإقليمي والحروب المرافقة.

التقدم السريع لداعش حطم فكرة أن النظام الإقليمي لا يزال قائما. ولكن ليست داعش وحدها التي انخرطت في عملية إعادة ترتيب الحدود على عجل وتحطيم كل الخطوط المرسومة قبل 100 سنة، وإنما هناك آخرون يلعبون بأرواق داعش بطريقتهم الخاصة.

بعد زيارة أخيرة إلى كردستان السورية (المعروفة باسم "روج آفا Rojava" وهي الترجمة الحرفية لكلمة غرب كردستان، حيث يطلق على الجزء الكردستاني الواقع في سوريا)، تبين لي بشكل واضح مدى التعسف في عملية رسم الحدود بين العراق وسوريا، وأيضا حجم الفراغ الناجم عن انسحاب حكومتي العراق وسوريا والذي شُغل من قبل آخرين.

تسيطر قوات البيشمركة في حكومة إقليم كردستان وقوات إدارة "روج آفا" المعروفة باسم وحدات حماية الشعب (YPG) على نقطة العبور بين سوريا والعراق في فيشخابور، ولا أثر لأي ضابط يمثل الحكومة العراقية أو السورية.

وتثبيتا لهذا الوضع، فعند عبور الحدود مرة أخرى إلى كردستان العراق، كل ما هو مطلوب أن عضوين من الحزب المحلي على جانبي نهر دجلة يستخدمان الهاتف المحمول وإشارات اليد لإرسال قارب ليعبر بي إلى الجانب الآخر.
وهذا حدث بعد ساعتين من إغلاق الحدود "رسميا".


يمكن أن تظهر أحيانا مخبولا عند الحديث عن نهاية حدود سايكس بيكو، ولكن في هذا المعبر، وفي وقت متأخر من الليل، ومع ارتفاع أصوات الأغاني الوطنية الكردية عبر الوادي، فلا أستطيع أن أفكر في أي طريقة أخرى لوصف ذلك غير نهاية حدود سايكس بيكو.

وفي الوقت نفسه إلى الجنوب، تقاتل قوات حماية الشعب YPG على الحدود الدولية عند معبر "اليعروبية"، حوالي 2 كلم تقريبا ناحية المدينة العراقية "ربيعة". وعدوهم، بالطبع، ليس الجيش العراقي، ولكن قوات داعش التي سيطرت على البلدات المحيطة بها في المنطقة، وكذا مساحات شاسعة من الأراضي من تكريت إلى حلب.

45 كلم آخر إلى الجنوب، تسيطر ميليشيات YPG على الحزام الأمني الذي يمتد من سوريا إلى جبل سنجار، حيث تدرب هذه القوات وبدعم من حزب العمال الكردستاني (PKK) مقاتلين يزيديين على حراسة المنطقة ضد توغل داعش لحماية السكان المحليين من اعتداء وحشي آخر ضد هذه الأقلية.

وعند زيارة معسكرات التدريب العسكري في سوريا، رأيت شبابا يزيديين متعطشون للانتقام من ذبح شعبهم على يد مقاتلي داعش، ويهتفون باسم عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني، ويحيون مقاومة سنجار.

وهنا تكمن المشكلة: يعبر يزيديو العراق الآن عن الولاء لأكراد سوريا وتركيا، وقد تلقوا التدريب العسكري والأسلحة من سوريا. في آخر حديث لي في القامشلي مع الناطق باسم YPG "رودور خليل"، أشار إلى أنهم سيستمرون في تدريب اليزيديين في المستقبل على أن تتولى YPG تنظيم هذه الوحدات لكنها لن تكون إلا محلية.
وكل من حكومة إقليم كردستان وابن عمها ومنافسها في "روج آفا" Rojava منشغلون بعمل ما تفعله الجهات الفاعلة المحلية في الشرق الأوسط عندما يتحرك المجتمع الدولي ببطء شديد: إنها تفرض الحقائق على الأرض، في حين أن الجميع ناقش المشكلة السياسية الشهر الماضي.

وفي محاولة لاستعادة بعض النظام في هذا التقسيم الإقليمي، أنفقت حكومة إقليم كردستان بعض الوقت والأموال في حفر خندق بينها وبين "روج آفا" Rojava في محاولة لفرض حدود غامضة. ولكنه بناء هش سهر العبور، وقد شاهدت بنفسي ثلاثة صحفيين يجري تهريبهم عبر الخندق في وضح النهار من قبل متعاطفين مع البشمركة من الجانب العراقي، فهي بالكاد حدود آمنة لدولة قومية في المستقبل.

في الوقت الحالي، على الأقل، تعتبر هذه القضايا ذات أهمية ثانوية، لأن تهديد داعش لكل من يعارضه شديد بحيث لا تبدو معه قضايا السيادة والحدود الضبابية ذات بال.
ولكن الوضع أصبح أكثر تعقيدا مع التدخل العسكري الانتقائي من الولايات المتحدة لإبعاد مقاتلي داعش. وعلى افتراض أن تنسحب قوات داعش في نهاية المطاف إلى معاقلها في دير الزور والرقة، فإن مناطق النزاع في شمال سوريا والعراق بدأت تبدو وكأنها مكان غريب جدا.

في الحقيقة، فإن ما سيظهر هو خطوط بسيطة جدا للنفوذ والسيطرة تمتد إلى ما وراء الحدود الدولية، تسهل عمليات تدفق الأسلحة والتمويل والأفراد ممن يعتنقون أفكارا وأيديولوجيات ترى في الولاء للهيكل و"المنهج" والاعتقاد مقدم على أي ولاء آخر حتى ولو كان سوريا أو العراق.

ويبدو المستقبل عبارة عن مجموعة من الدويلات، تُدار بشكل مستقل بواسطة شبه حكومات تحافظ على السيطرة الأمنية الكاملة وتقيد حركة السكان داخل المناطق التي تحكمها.


وعلى افتراض أن الدولة الإسلامية باقية بشكل أو آخر، فإن مظهر المنطقة يبدو كأنه فسيفساء من تحول الحدود والصراعات ذات المستوى المنخفض إلى دويلات ومناطق تكافح من أجل تشكيل كيانات مستقلة ذات سيادة يمكن أن تقف على رجليها وحيدة في مواجهة القوى الإقليمية المحيطة بها.

كيف ستحافظ هذه الدويلات على بقائها حية، فهذه مسألة مفتوحة للنقاش.
لا داعش ولا حكومة إقليم كردستان، ولا "روج آفا" Rojava ولا جيبها في سنجار لديهم القدرة على طباعة وتوزيع المال، كلهم غارقون في مستنقع الأعداد الهائلة من اللاجئين والقتال المستمر على امتداد حدودهم، بما يمتص الموارد والقوى العاملة بعيدا عن الاحتياجات التنموية.

ومع ذلك، فقد أظهرت تجربتي في شمال سوريا والعراق أنه، بطريقة ما، ورغم الصعوبات، فإن الناس يدبرون حالهم بالأموال التي يبدو أنها في أيدي الباعة والمياه والكهرباء، وإن كان ذلك بشكل غير منتظم، لكن الحياة تستمر رغم المصاعب.

الحقيقة أن المزيد من النقاش حول ما إذا كان النظام الإقليمي القديم لا يزال موجودا أم لا أصبح بلا قيمة: فقد ذهب ولن يرجع أبدا. حان الوقت لتستفيق القوى الإقليمية والعالمية على حقيقة أن سورية والعراق قد تغيرت بشكل دائم.

وبينما العالم مشغول في محاولة لاصلاح مشاكل النظام الإقليمي القديم الذي انكسر، فإنه يتجاهل مشاكل النظام الإقليمي الجديد الذي يتم إنشاؤه.
 
ثم إن كيفية استجابة العالم للتحديات المقبلة هي التي ستحدد شكل المنطقة. ومن المرجح أن نعيش المزيد من الحروب، ولكن ظهور التجمعات المستقلة سيكون هو المستقبل. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق