باعوا محمد مرسي لأنه ليس مرتزقاً !!
شريف عبدالغني
هل تذكرون فيلم «5 باب» الذي كان -وما زال– بعض ضعاف النفوس يعايرون به المصريين؟!
الفيلم يحكي عن أحوال مصر في فترة الأربعينيات حينما كان الاحتلال الإنجليزي للبلاد يقنن أوضاع بيوت البغاء بالقاهرة، ويعطي تراخيص بمزاولة المهنة لمن تعمل في تلك البيوت، مع إخضاعهن لكشوف دورية حرصا على السلامة الجسدية.
في خمارة «5 باب» كان جمهورها من السكارى والتافهين والمغيبين يدين بالولاء لـ «الكابتن» -وهو البلطجي الذي يسيطر عليها بقوة الذراع- ويلقى مع الحاكم الجديد إلى خارج الخمارة، البلطجي القديم المهزوم الذي كان قبل لحظات محل تملق منهم.
هذا الفيلم يعبر للأسف عن مصر خاصة في ظل الحكم العسكري من أيام جمال عبدالناصر، وحتى الزمن الأغبر الحالي.
هذا الفيلم يعبر للأسف عن مصر خاصة في ظل الحكم العسكري من أيام جمال عبدالناصر، وحتى الزمن الأغبر الحالي.
الجمهور الذي سبق ورفع عبدالناصر إلى عنان السماء، انهال عليه باللعنات لما وجد أن «الكابتن» الجديد أنور السادات، يسير على تاريخ سلفه بـ «أستيكة».
ثم نسي نفس الجمهور السادات وأعطى الولاء لـ «مبارك».
ومن بعده المجلس العسكري، وها هو يفعل حاليا في عصر الفكاكة نفس الشيء حاليا.
هذا نموذج لأحد التافهين المغيبين الذين أيدوا كل «كابتن» سيطر على «5 باب» بالقوة والبلطجة.
وجدته أمامي في كل حدث وأية مناسبة تهم قريتنا منذ أن تفتحت مداركي. زيارة مسؤول مهم.. افتتاح مشروع. ارتبط بالسلطة ارتباط الابن بالأم. عاصرته وهو قيادي في الحزب الوطني «الحاكم أيام مبارك» بمحافظتنا. يساند بحماس منقطع النظير أي مرشح للحزب. يفتح بيته لاستضافة حشود المؤيدين للمرشح.
ذات مرة قدم الحزب مرشحاً ضعيفاً جداً في انتخابات مجلس الشعب، وقتها عرض عليه محبوه أن يترشح مستقلاً وسيكسب حتماً، لكنه رفض بإصرار ونطق جملته التي صارت «لازمة» شهيرة على لسانه: «أنا ملتزم حزبياً».
طوال عمره كان هكذا على حجر السلطة ولا يحيد عنها. مهما تغيرت الأنظمة هو مع « الكابتن» الذي يكسب. في مدرسته الإعدادية كان يهتف في طابور الصباح بحياة «مولانا المعظم حضرة صاحب الجلالة فاروق الأول ملك مصر والسودان.. أدام الله بقاءه»، وفي شبابه خلال الستينيات كان من أشد المناصرين لـ «الزعيم الخالد قائد القومية العربية جمال عبدالناصر.. أدام الله بقاءه»، وفي السبعينيات له صولات وجولات في حب «الرئيس المؤمن بطل الحرب والسلام محمد أنور السادات.. أدام الله بقاءه»، وذات مرة حشد أبناء القرية للذهاب إلى مدينة مجاورة كان يمر بها قطار «الرئيس المؤمن» لتحيته والهتاف له «بالروح والدم نفديك يا سادات».
أما خلال عصر «سيادة الرئيس مفجر الضربة الجوية محمد حسني مبارك.. أدام الله بقاءه» فحدث ولا حرج. كلام لا ينقطع عن «التنمية والبناء والديمقراطية» التي كانت «لبانة» يمضغها إعلام السلطة آناء الليل وأطراف النهار. طول فترة مبارك وتقدم سن رمز قريتنا جعلت تفكيره «مباركياً» تماماً. المعارضة يصفها بالعمالة، والجمود يسميه استقراراً، وتصلب الشرايين يطلق عليه «الخبرة». كان طبيعياً أن يتشرب أولاده نفس العقلية. يبذلون الجهد من أجل «الالتزام الحزبي». أثناء انتخابات الرئاسة الصورية عام 2005 جندوا أنفسهم لتجييش الناس للتصويت لـ «الزعيم المحبوب» من أجل استمرار «مسيرة التنمية والبناء والديمقراطية».
من كثرة ترديد الإعلام هذه الكذبة ومن طول حفظهم لها فقد صدقوها. في إحدى اللجان حزن أحد أبنائه وخاصم قريبا له بعدما خرج «هذا المارق عن الصف الوطني» وأعطى صوته للدكتور أيمن نور. تصادف أنه أثناء إعلان القاضي المشرف على الانتخابات النتيجة النهائية عبر شاشة التلفزيون، كنت معهم. كانوا ينتظرون النتيجة باهتمام وترقب بشكل يوحي أنه كانت هناك انتخابات حقيقية ونزيهة بجد. بمجرد إعلان القاضي اكتساح «سيادة الرئيس» جميع منافسيه بلمس الأكتاف وحصوله على نسبة %89، حتى تنفسوا الصعداء وعلت الابتسامات الوجوه وأشار الأب والابن الكبير لأنفسهما بعلامات النصر، ولسان حالهما أن المجهود الذي بذلاه لحشد الناخبين لم يضع هباء، وأن الله نصرهم نصراً مبيناً، وستستمر «مسيرة التنمية والبناء والديمقراطية» رغم كيد الكائدين وحقد الحاقدين. تبادلوا التهاني وقام الأبناء بتجهيز أكواب الشاي وفناجين القهوة والشيــش (الأراجيل) لزوم مزاج وفود المهنئين بالنصر الكبير.
حاولت بحذر أن أوضح لهم بحذر سلبيات استمرار مثل هذا الرجل في السلطة، لكن كبير الأبناء خرج دون أن يسمع باقي كلامي، وعاد مسرعاً ومعه قصيدة قال إنه نظمها قبل إعلان النتيجة، كان سعيداً منتشياً وهو يؤكد المعجزة التي تفرد بها بأنه توقع فوز «سيادة الريس» قبل إجراء الانتخابات بشهور، ولذلك جهـز القصيدة ورجاني أن أنشرها له في الجريدة. لم أكن أعرف أن إلهام الشعر هبط عليه من قبل. قرأت القصيدة فوجدتها تشبه مقالات رؤساء تحرير الصحف الموالسة في نفاق «سيادة الرئيس». أتذكر أنها تضمنت تهنئة بالفوز لـ «مبارك الطيار.. القائد المغوار.. حامي الديار.. وكاتم الأسرار» وغيرها من العبارات الشبيهة. ولم يفت «الشاعر الأعجوبة» أن يوصيني بأن آخذ حذري وأكتب اسمه وعنوانه كاملاً مع القصيدة «حتى لا يقوم شاعر زميل ابن حرام بسرقتها ونسبها لنفسه.. آه إحنا في زمن صعب الواحد ما يأمنش فيه لأخيه» كما قال.
راحت الأيام ودارت الشهور، وقابلت الشاعر مداح ومحب مبارك إلى الأبد، بعد ثورة 25 يناير. سألته عن رأيه ومشاعره بعد إزاحة حبيبه «سيادة الريس» الذي ذهب إلى غير رجعة ومعه الثلاثي الأثير «التنمية والبناء والديمقراطية»، فلم يجب، لكنه دسّ يده في جيب الجلباب، وأخرج عدة قصائد جديدة رجاني أن أنشرها له. فتحتها من باب الفضول وأنا أظنها بكائيات على «الطيار المغوار كاتم الأسرار»، لكن وصلت الدهشة إلى حد الصدمة بعدما قرأت أبيات كلها إشادة وتفخيم في «الثوار الأبطال.. حماة الديار.. وحافظي الأسرار». سألته متعجباً: أنت «قلبت» بسرعة على «الكابتن الريس» حبيبك؟ - أجاب وبراءة نانسي عجرم في عينيه المنتفختين من إدمان «المخدرات»: أصله كان بيخدعنا.. منه لله بقى ضحك علينا 30 سنة (!!).
تركته وأنا مطمئن أن الله هداه وأصبح ثورياً نقياً. مرت أشهر وتقابلنا ثانية، وبعد السلام والذي منه واصل هوايته كالعادة في دسّ يده في جيبه وأخرج منه ما تيسر من قصائده الجديدة. قلت له مؤكد أن القصائد ليس فيها جديد، فأنت رجل ثوري وتبت وندمت على عدم تأييدك للثورة من بدايتها، فقال: «بسّ مد إيدك واقرأ بعد ما تصلي على النبي». نفذت كلامه فوجدت عبارات شوق وهيام في حكم العسكر بقيادة المشير طنطاوي أيامها، واتهامات للثورة والثوار مستمدة مما يردده الإعلام الرسمي «بلطجية أشرار.. وعملاء كبار.. عاوزين يهدموا الديار».
هذا «الشاعر» وحاشيته كانوا يسبون ويلعنون محمد مرسي أيام رئاسته. وهم الآن فضلة خيرك يا قارئ يحملون لقب «مواطنين شرفاء». مهمتهم المقدسة مهاجمة وتفريق مظاهرات الأنقياء المعارضين لعصر»الكفتة»، ثم التلذذ بالجلوس تحت «حذاء» أصغر ضابط أمن لإبلاغه عن المشاركين فيها.
من حسن حظ محمد مرسي، الأكاديمى المحترم والرجل الطيب والحاكم العادل، أنه لم يحظَ بثقة وولاء جمهور «5 باب» سواء من السكارى أو «الشعراء التافهين»، لأن مرسي ببساطة ليس «مرتزقا» ولم يكن «بلطجيا» ولن يكون !
هذا نموذج لأحد التافهين المغيبين الذين أيدوا كل «كابتن» سيطر على «5 باب» بالقوة والبلطجة.
وجدته أمامي في كل حدث وأية مناسبة تهم قريتنا منذ أن تفتحت مداركي. زيارة مسؤول مهم.. افتتاح مشروع. ارتبط بالسلطة ارتباط الابن بالأم. عاصرته وهو قيادي في الحزب الوطني «الحاكم أيام مبارك» بمحافظتنا. يساند بحماس منقطع النظير أي مرشح للحزب. يفتح بيته لاستضافة حشود المؤيدين للمرشح.
ذات مرة قدم الحزب مرشحاً ضعيفاً جداً في انتخابات مجلس الشعب، وقتها عرض عليه محبوه أن يترشح مستقلاً وسيكسب حتماً، لكنه رفض بإصرار ونطق جملته التي صارت «لازمة» شهيرة على لسانه: «أنا ملتزم حزبياً».
طوال عمره كان هكذا على حجر السلطة ولا يحيد عنها. مهما تغيرت الأنظمة هو مع « الكابتن» الذي يكسب. في مدرسته الإعدادية كان يهتف في طابور الصباح بحياة «مولانا المعظم حضرة صاحب الجلالة فاروق الأول ملك مصر والسودان.. أدام الله بقاءه»، وفي شبابه خلال الستينيات كان من أشد المناصرين لـ «الزعيم الخالد قائد القومية العربية جمال عبدالناصر.. أدام الله بقاءه»، وفي السبعينيات له صولات وجولات في حب «الرئيس المؤمن بطل الحرب والسلام محمد أنور السادات.. أدام الله بقاءه»، وذات مرة حشد أبناء القرية للذهاب إلى مدينة مجاورة كان يمر بها قطار «الرئيس المؤمن» لتحيته والهتاف له «بالروح والدم نفديك يا سادات».
أما خلال عصر «سيادة الرئيس مفجر الضربة الجوية محمد حسني مبارك.. أدام الله بقاءه» فحدث ولا حرج. كلام لا ينقطع عن «التنمية والبناء والديمقراطية» التي كانت «لبانة» يمضغها إعلام السلطة آناء الليل وأطراف النهار. طول فترة مبارك وتقدم سن رمز قريتنا جعلت تفكيره «مباركياً» تماماً. المعارضة يصفها بالعمالة، والجمود يسميه استقراراً، وتصلب الشرايين يطلق عليه «الخبرة». كان طبيعياً أن يتشرب أولاده نفس العقلية. يبذلون الجهد من أجل «الالتزام الحزبي». أثناء انتخابات الرئاسة الصورية عام 2005 جندوا أنفسهم لتجييش الناس للتصويت لـ «الزعيم المحبوب» من أجل استمرار «مسيرة التنمية والبناء والديمقراطية».
من كثرة ترديد الإعلام هذه الكذبة ومن طول حفظهم لها فقد صدقوها. في إحدى اللجان حزن أحد أبنائه وخاصم قريبا له بعدما خرج «هذا المارق عن الصف الوطني» وأعطى صوته للدكتور أيمن نور. تصادف أنه أثناء إعلان القاضي المشرف على الانتخابات النتيجة النهائية عبر شاشة التلفزيون، كنت معهم. كانوا ينتظرون النتيجة باهتمام وترقب بشكل يوحي أنه كانت هناك انتخابات حقيقية ونزيهة بجد. بمجرد إعلان القاضي اكتساح «سيادة الرئيس» جميع منافسيه بلمس الأكتاف وحصوله على نسبة %89، حتى تنفسوا الصعداء وعلت الابتسامات الوجوه وأشار الأب والابن الكبير لأنفسهما بعلامات النصر، ولسان حالهما أن المجهود الذي بذلاه لحشد الناخبين لم يضع هباء، وأن الله نصرهم نصراً مبيناً، وستستمر «مسيرة التنمية والبناء والديمقراطية» رغم كيد الكائدين وحقد الحاقدين. تبادلوا التهاني وقام الأبناء بتجهيز أكواب الشاي وفناجين القهوة والشيــش (الأراجيل) لزوم مزاج وفود المهنئين بالنصر الكبير.
حاولت بحذر أن أوضح لهم بحذر سلبيات استمرار مثل هذا الرجل في السلطة، لكن كبير الأبناء خرج دون أن يسمع باقي كلامي، وعاد مسرعاً ومعه قصيدة قال إنه نظمها قبل إعلان النتيجة، كان سعيداً منتشياً وهو يؤكد المعجزة التي تفرد بها بأنه توقع فوز «سيادة الريس» قبل إجراء الانتخابات بشهور، ولذلك جهـز القصيدة ورجاني أن أنشرها له في الجريدة. لم أكن أعرف أن إلهام الشعر هبط عليه من قبل. قرأت القصيدة فوجدتها تشبه مقالات رؤساء تحرير الصحف الموالسة في نفاق «سيادة الرئيس». أتذكر أنها تضمنت تهنئة بالفوز لـ «مبارك الطيار.. القائد المغوار.. حامي الديار.. وكاتم الأسرار» وغيرها من العبارات الشبيهة. ولم يفت «الشاعر الأعجوبة» أن يوصيني بأن آخذ حذري وأكتب اسمه وعنوانه كاملاً مع القصيدة «حتى لا يقوم شاعر زميل ابن حرام بسرقتها ونسبها لنفسه.. آه إحنا في زمن صعب الواحد ما يأمنش فيه لأخيه» كما قال.
راحت الأيام ودارت الشهور، وقابلت الشاعر مداح ومحب مبارك إلى الأبد، بعد ثورة 25 يناير. سألته عن رأيه ومشاعره بعد إزاحة حبيبه «سيادة الريس» الذي ذهب إلى غير رجعة ومعه الثلاثي الأثير «التنمية والبناء والديمقراطية»، فلم يجب، لكنه دسّ يده في جيب الجلباب، وأخرج عدة قصائد جديدة رجاني أن أنشرها له. فتحتها من باب الفضول وأنا أظنها بكائيات على «الطيار المغوار كاتم الأسرار»، لكن وصلت الدهشة إلى حد الصدمة بعدما قرأت أبيات كلها إشادة وتفخيم في «الثوار الأبطال.. حماة الديار.. وحافظي الأسرار». سألته متعجباً: أنت «قلبت» بسرعة على «الكابتن الريس» حبيبك؟ - أجاب وبراءة نانسي عجرم في عينيه المنتفختين من إدمان «المخدرات»: أصله كان بيخدعنا.. منه لله بقى ضحك علينا 30 سنة (!!).
تركته وأنا مطمئن أن الله هداه وأصبح ثورياً نقياً. مرت أشهر وتقابلنا ثانية، وبعد السلام والذي منه واصل هوايته كالعادة في دسّ يده في جيبه وأخرج منه ما تيسر من قصائده الجديدة. قلت له مؤكد أن القصائد ليس فيها جديد، فأنت رجل ثوري وتبت وندمت على عدم تأييدك للثورة من بدايتها، فقال: «بسّ مد إيدك واقرأ بعد ما تصلي على النبي». نفذت كلامه فوجدت عبارات شوق وهيام في حكم العسكر بقيادة المشير طنطاوي أيامها، واتهامات للثورة والثوار مستمدة مما يردده الإعلام الرسمي «بلطجية أشرار.. وعملاء كبار.. عاوزين يهدموا الديار».
هذا «الشاعر» وحاشيته كانوا يسبون ويلعنون محمد مرسي أيام رئاسته. وهم الآن فضلة خيرك يا قارئ يحملون لقب «مواطنين شرفاء». مهمتهم المقدسة مهاجمة وتفريق مظاهرات الأنقياء المعارضين لعصر»الكفتة»، ثم التلذذ بالجلوس تحت «حذاء» أصغر ضابط أمن لإبلاغه عن المشاركين فيها.
من حسن حظ محمد مرسي، الأكاديمى المحترم والرجل الطيب والحاكم العادل، أنه لم يحظَ بثقة وولاء جمهور «5 باب» سواء من السكارى أو «الشعراء التافهين»، لأن مرسي ببساطة ليس «مرتزقا» ولم يكن «بلطجيا» ولن يكون !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق