تحطمت الطائرات عند الفجر – جزء 9
الجزء التاسع من كتاب تحطمت الطائرات عند الفجر
ترجمة الكتاب بالعربية
آيات عرابي
كتاب ( تحطَمت الطائرات عند الفجر )
آيات عرابي
الجورنال سيعرض الكتاب في 30 حلقة إن شاء الله و هذا هو
الجزء التاسع:
فنحن أبناء المصريين القدماء. قلت . . الله أكبر, هل تؤمنين بهذا الكلام ؟ أنتم الاقباط, حافظتهم على النصرانية التي أخذتموها من الاحتلال البيزنطي. وآخرون أعتنقوا ديانة المحتلين الجدد. وهذا هو الفارق, أن إله المنتصرين يبدو دائما أقوى وأكبر وأنت طالبة الاثار في الجامعة تصدقين هذه الافكار ؟
فجأة تغيرت نفسياً, وابتعدت صوفي عني قليلا, وانطوت في طرف مقعد السيارة.
ووقفنا بالقرب من بناية قديمة, في آثار ( قبطس ) وأشارت صوفي باصبعها الى طريق يؤدي إلى الاسفل, ويتعرج في سهل منبسط ثم يرتفع عبر واد ضيق حتى جبال الصحراء الغربية. وخلف تلك الجبال التي ترتفع حتى 1500 متر تمتد الصخور حتى البحر الاحمر.
قالت صوفي . . هل ترى ذلك الطريق المار بالوادي ؟ عبر هذا الطريق كانت ( قبطس ) مركزاً هاما للقوافل في العهد الهليني. وكانت فيها تلتقي القوافل من الجنوب والشمال, وتشق الطريق بين الجبال نحو مدينة ( برنيكا ) على شاطئ البحر الاحمر.
شعرت أن قشعريرة اجتاحت جسمي مع أن الشمس كانت حارقة, تذكرت أن ( برنيكا ) هي احدى ملكات اليهود القدماء وقالت صوفي أن برنيكا نفسها مدينة هامة, وهى تدعى على اسم الملكة ( برنيكا ).
وسألتها . ؟. أي عهد تاريخ الملكة برنيكا ؟
قالت . . الى عهد مصر الوسطى.
كنت على استعداد لان أقسم بأنه لم تخلق على الاطلاق أية ملكة مصرية باسم ( برنيكا ), وكنت أعرف كذلك أن مدينة برنيكا الواقعة على شاطئ البحر الاحمر تأسست قبل كثير من مولد الامير ( برنيكا ) الجميلة أبنة الملك أجريفاس الاول وهي أخت أجريفاس الثاني, وعشيقة تيتوس الروماني. وهي بطلة تمثيلية ( راسين ) التي تدرس كعلاقة من علاقات العهد الكلاسيكي الفرنسي, وهي بالتالي من بقايا اليهود القدماء.
هل سافرت مسافة 600 كيلو متر من القاهرة حتى أنجح في أمتحان حول برنيكا ؟
القسم السابع عشر
الحقيقة العارية
8 أكتوبر 1956
الساعة 22.00 حتى9 أكتوبر
1956 الساعة 10.50
( حسب توقيت القاهرة )
كنت متعبا بسبب رحلتنا الى ( قبطس ) ومحاولاتي المستمرة في التظاهر بغير شخصيتي الحقيقية . . التي اصبحت من صفاتي الرئيسية . . نجحت هذه المرة أيضا وأعتقد أن صوفي صدقت تماما بأن تعبي ناجم عن الرحلة الطويلة. فخلال الطريق كانت صوفي تحاول مداعبتي على المقعد وكنت أرمقها بالنظرات خلسة, اتفحص وجهها وجسدها المكور داخل ثيابها المجعدة. ليالي كثيرة أمضيتها ثملا مع هذا الجسد, أما الآن وأنا أحرص على التظاهر بابتسامة حب من طرف فمي, كان فكري يعمل منفصلا في شئ آخر بعيدا عن شهواتي, وذكريات الليالي الحمراء.
راجعت جميع أحاديثنا, أحللها بازميل حاد بارد, أزيل الاجزاء التي لا أهمية لها في تلك الاحاديث, وأبحث عما كان يختبئ فيها من المكيدة والخداع.
كنت أتنقل بالحديث من قسم لآخر كالمسلم يعد حبات مسبحته, لم أصل الى نتيجة, ففي جميع الاحاديث التي دارت بيننا, وفي جميع الاوقات التي كنا نفقد فيها السيطرة على أعصابنا وندع الشهوات والملذات تسيطر علينا, لم أنطق بكلمة واحدة يمكن أن تلحق الضرر بي, أو أن تكشف شيئا من هويتي الحقيقية.
أعدت لنا صوفي وجبة مساء خفيفة. مع الشراب البارد وتناولنا الطعام في الشرفة. أكلنا بصمت, ورأسي يميل من حين لآخر على صدري متظاهرا بأنني أقاوم كابوس النعاس. ثم دخلنا الى المنزل وأستلقيت على السرير الكبير : وأغمضت عيناي بينما ظل أزميل التحليل الحاد يعمل في فكري.
غمرني نور الصباح حينما صحوت على دغدغات صوفي. كانت قد ارتدت ملابسها وسرحت شعرها وقالت لي : انني ذاهبة, تعال مساء لتأخذني من الجامعة . . قلت بالطبع يا قلبي.
نزلت السلم الداخلي في المنزل, ثم سمعتها تفتح الباب الخارجي وتغلقه, فعدت ونمت من جديد. ولم أفق من النوم الا بعد أن قرعت الخادمة العجوز جرس الباب عدة مرات.
فتحت لها الباب وقلت ! !
أعدي لي وجبة كبيرة, مع كمية من القهوة وأحضربها الي بالأعلى.
دخلت الحمام, واستحممت لمدة طويلة, مرة بالماء الساخن وأخرى بالبارد وأعدت الكرة مرة أخرى. ثم تناولت الطعام, كان عبارة عن سلطة بزيت الزيتون, وبيضة مسلوقة بداخل صحن حمص, وشربت القهوة الساخنة التي كانت تضع بها الخادمة دائما حبوبا خاصة لها نكهة لذيذة منعشة.
كان على أن أسرع, فقد اقترب موعد الاتصال الللاسلكي الأسبوعي ويجب أن أتصل بهم, وكنت قد رفضت أن أتصل بهم باتصالات معينة في أوقات منتظمة, لان الاتصالات المنتظمة في ساعات معينة تجعل من السهل على العدو أن ينصت اليها ويكشف الامر.
ولذلك فقد اتفقت معهم على اجراء أتصال لاسلكي قصير مرة في الاسبوع, في أى يوم من أيام الاسبوع وذلك كان من واجب المحطة الرئيسية أن تظل منصته لي طوال أيام الاسبوع, أي في الساعة الرابعة مساء وفي اليوم الذي يليه العاشرة صباحا.
أعطيت أجازة للخادمة العجوز بحجة أنني سأغادر المنزل وكانت الخادمة تعرف أنه لا يمكنها البقاء في منزلي أثناء غيابي. خرجت الخادمة تجر ساقيها على الطريق خارج المنزل, وكانت أرض ذلك الطريق مفروشة بالحصى الصغير, ثم قمت بتفحص الأبواب والشبابيك واحدا واحدا للتأكد من أغلاقها باحكام. ثم صعدت الى الطابق الثاني وأخرجت من درج صغير مفتاح الخزانة الحديدية وفتحتها, ثم تحسست مكان مفتاح الخزانة الثانية وفتحها وأخرجت جهاز الارسال . .
وضعته على الطاولة وسحبت سلك الهوائي وأخرجت مفتاح الشفرة الللاسلكية. ولكن في تلك اللحظة بالذات خطرت في بالي خاطرة مريعة مخيفة . .
تذكرت وقع أقدام للخادمة العجوز حينما خرجت على الطريق المفروش بالحصى تجر ساقيها وتذكرت أنه في صباح ذلك اليوم, حينما غادرت صوفي المنزل, بينما كنت في الفراش لم أسمع لقدميها أى وقع أو صوت على ذلك الطريق. صحيح أنني سمعتها تفتح الباب الخارجي ثم تغلقه, ولكني لم أسمع وقع أقدامها تخطو على الحصى.
وعند باب الغرفة في الخارج رأيت عينيها مشدودتان إلى عيني كانت هناك تقف صوفي ياسين.
القسم الثامن عشر
يجب قتل الشاهد
9أكتوبر
الساعة 10.50 حتى الساعة 12.15
( حسب توقيت القاهرة )
راحت الافكار تمر في خيالي بسرعة, وبدون ترتيب, لقد حذرني فيشل من المرأة وأكثر أمرأة أعترضت سبيلي لاقت حتفها, والآن هل يمكن أن يقبض علي بواسطة هذه الجاسوسة التي استخدمت معي أبسط وأقدم وسائل مكافحة التجسس, الابتسامة الماكرة والصدر العاري, وجسد في الفراش, ثم سقوط في المصيدة, هل يمكن يحدث هذا مع تلميذ فيشل ؟امتقع لون وجه صوفي وأصبح بلون غرفتي, وأطل الخوف من عينيها وهما تنظران إلى عينيّ. ثم ما لبثت أن استدارت الى الخلف وولت هاربة, فتبعهتها دون وعي, ولحقت بها ولطمتها بضربة من كف يدي المفتوح على مؤخرة عنقها. كانت الضربة حادة وقاسية بحيث كل من تنزل عليه لا بد أن يهبط على الارض ككيس من الحبوب انفرط فجأة.
قبل أكثر من أربعين سنة وفي نادي الجواسيس الذي أقامته اليزابيت شارجمولر في شارع ( لا بابينيير ) رقم 10 في ( أنتفورفان ), وهي المرأة المعروفة أكثر بلقبها ( السيدة دكتور ) وضعت عددا من القواعد الاساسية بالنسبة لتصرف الجواسيس ويتوجب على كل تلميذ جاسوس أن يحفظ تلك القواعد الاساسية عن ظهر قلب, وتقول أحدى تلك القواعد : ( صادق فقط النساء المعروفات لك والملخصات لك ).
وأنا مررت على هذه القواعد, والآن أجدني أتذكر أبتسامة الاستهزاء التي أبتسمها قائد الجناح عبد النبي حينما رآني أستسلم لاغراء صوفي. ولكن من الذي أرسلها يا ترى ؟
إن رجلا واحدا فقط, يتجرأعلى ذلك. ويستطيع أن يخطط لمثل هذه العملية من أولها الى آخرها, وينفذها بدقة متناهية. رجلا واحدا فقط, في مثل موقع فيشل, يستطيع أن يتغلب على افضل تلميذ من تلاميذ فيشل, وهذا الرجل, عرفت الآن أنه صياد ماهر بل رئيس صيادين.
لقد استطاعت ( صوفي ياسين ) أن تخدعني.
ففي الصباح حينما أبلغتني أنها ذاهبة الى الجامعة لم تغادر المنزل, وأنما قامت بفتح الباب الخارجي, ثم أغلقته وأختبأت في داخل المنزل. ولهذا لم أسمع في الصباح وقع أقدامها على الطريق المفروش بالحصى خارج المنزل. ولكن ليس المجال الآأن للتفكير بما حدث. فهي الآن ممدة هنا, بعد أن شاهدت جهاز الارسال وسلك الهوائي وورقة الشفرة الللاسلكية.
يجب أن تموت صوفي.
سأناديك ياسمين , قلت لها مرة في هذه الغرفة في احدى الليالي الملتهبة. ويومها قالت لي, كان يجب أن تكون شاعراً. نعم سأكون شاعراً يا صوفي ياسين, ولكن أشعاري لن تروق لأذنيك. هدأت أفكاري, وعادت أعصابي إلى برودتها – وأصبحت أفكاري منتظمة منطقيه. إذا لم تكن تحب أن تكون ممددا على طاولة خشب, وجسدك مجمد بدرجة 20 مئوية تحت الصفركجسد الرجل الذي اؤدي دوره فاحرص اذن على أن تتجمد أعصابك ومشاعرك.
الأمر في غاية الوضوح , صوفي حبيبتي يجب أن تموت .
فتاة أحلامي, فاتنة صحرائي, طالبة الجامعة التي ركضت نحوي وفستانها يتطاير ويكشف عن ساقيها السمراوين, يجب أن تزول من العالم. انها هي التي ستمدد على طاولة خشب, ويقوم الاطباء المصريون بتشريح جثتها بأمر من الرجل الذي أرسلها ليعرف كيف ماتت.
حبيبتي صوفي . . زهرة حياتي . . يجب علي أن أقتلك.
تركزت أفكاري كلها في القضية المطروحة أمامي. القضية الملقاة في وسط غرفتي على الارض, انها العقبة التي يجب أن تزول من طريقي ولكن قبل ذلك يجب أن أقوم بالاتصال الللاسلكي. وعلى الفور فككت أزرار فستانها, فستان صوفي, وخلعته عن جسدها, ليتني أستطيع أن ادفن رأسي في أحضانها وأبكي.
ومرة أخرى اختلطت الأفكار برأسي . .رأيت أن طائرة (موسكيتو) قديمة تنفجر في الجو, والطيارون يقتلون بمجرد هبوط طائراتهم القديمة على الارض. ورأيت أسرابا عديدة من طائرات(اليوشن)تقف في مطار الماظة, ورؤوسها متجهة نحو الشرق. ثم هدأت أفكاري قذفت الفستان المجعد على السرير إذ لن يحتاجه أحد بعد الآن. ثم أوثقت يديها خلف ظهرها.
أمرا واحداً كنت أعرفه بكل تأكيد وهو . .
إن أية أمرأة لن تحاول الهرب عارية. وكل امرأة تفضل أن تموت على أن تركض في الشوارع وهي عارية كما ولدتها أمها ويديها مقيدتين خلف ظهرها. أعدت جهاز الارسال للعمل وأرسلت اشارة المحطة الرئيسية. وكررت ذلك أربع مرات, وجاءني صوت المحطة الرئيسية ثم أرسلت العلامة اللاسلكية المميزة من روما إلى المسؤول. . نتهى . وأغلقت الجهاز.
كانت المحادثة قصيرة جدا ( لاجديد ) احرقت ورق الشفرة . وانتهيت من هذه المشكلة وأعدت الجهاز الى مكانه وبعد أن أغلقت أبواب الخزانتتين وضعت المفاتيح في مكانها السري.
أستطيع الآن أن أتفرغ لموضوع صوفي ياسين.
كنت أعرف أن صوفي ستصحو خلال دقيقة أو دقيقتين, وعندها لن تشعر بشئ سوى صداع حاد. ويجب أن أدعها تصحو قليلا مع بقائها مكتوفة اليدين ممدة على أرض الغرفة ولكن يجب أن أبتعد عن أستخدام العنف معها. فالعلاقات بيننا ليست علاقات محقق مع متهم, ولكنها علاقات (( ذكر بأنثى )) وكل عمل عنيف من شأنه أن يثير أنوثتها ويشجع فيها العناد والمقاومة ولن أحصل على شئ عن طريق العنف, خاصة وأنا أعرف نفسي جيدا.
أنا نفسي الذي كنت السبب في نقل الاسلحة والمعدات الحربية العديدة من ناحية الى أخرى في العالم, وقطعت بالاسلحة والمعدات البحار والبراري, لم يكن بحوزتي حتى مسدس قديم.
فتحت صوفي عينيها, ونظرت لي نظرة استغراب وخوف, وعادت اليها ذاكرتها وحالتها الطبيعية وتذكرت كل شئ. كانت تضم ساقيها الى بعضها البعض, وتكورت على نفسها قدر ما استطاعت واستدارت بظهرها الي ثم عادت وجلست القرفصاء ورأسها الى الخلف تتطلع الي وتحاول رسم أبتسامة على شفتيها.
زهرة صحراوية أدوسها بقدمي.
أطلق يدي, قالت صوفي هامسة, وأغمضت عينيها بينما أبقت شفتيها منفرجتين قليلا كأنهما تدعوني. جلست بجانبها وسألتها بما يشبه الهمس. من أرسلك يا صوفي ؟ السفاح ؟ ترددت صوفي قليلا ثم هزت رأسها بالايجاب.
كل انسان في القاهرة يعرف من هو المقصود بالسفاح, فقد كان هذا اللقب, هواللقب الرسمي تقريبا لمحيي الدين رئيس مصلحة التجسس والامن الداخلي.
وقلت لها – وبماذا أخبرتيه ؟ وكيف علمت أنني أعمل لحساب الانجليز ؟ كنت أحاول خداعها, فقد أصبحت صفة المخادعة صفة رئيسية طبيعية في نفسي, وها أنذا أسلك طريق الخداع مع هذه المكتوفة التي لا تقدر على الحركة, والتي صدر الحكم عليها بالاعدام من قبل محكمة ميدان سريعة الحكم, تتكون من قاض واحد فقط. الانجليز ؟ قالت صوفي وهي تستدير الي, لقد كان محي الدين يشك بأنك تعمل لحساب الاسرائيليين.
الاسرائيليون ؟ قلت ضاحكا ونهضت على قدمي, ولكن بماذا بماذا أخبرتيه أنت ؟
وأبتسمت ولكن أبتسامتي لم تكن ابتسامة النصر. وسألتها كم من مرة أختفيت هنا في بيتي بدون علمي ؟ هذه هي المرة الرابعة قالت صوفي واعتقد أنها كانت صادقة ؟ ثم واصلت, لقد مللت ذلك, ولكن فجأة سمعت الضجة التي احدثها أخراج جهاز الارسال(ياآرام) ماذا ستفعل الآن ؟
قطبت جبيني, كمن يجد نفسه في البحث عن مخرج. ولكن في تلك اللحظة وجدت المخرج واضحا جليا. تقدمت من صوفي, وركعت الى جانبها, وفككت الحبل عن يديها, كان جسدها يرتعش من الموت المنتظر, وخوفا من العذاب الذي سأنزله بها, تعذيب الذكر للانثى.
التصقت بي بجسدها العاري, وتحولت جميع مخاوفها وآلامها الى رغبة جامحة, وشهوة عارمة, بعضها مصطنع, وبعضها حقيقي.
صوفي حبيبتي جميلتي ! !
رفعتها بين ذراعي, أشد جسدها الطويل الى جسدي بقوة, أخفف من خوفها, وأنشر في جسدها رعشة جديدة, خلف شاطئ الاستحمام في الاسكندرية , وراء شاطئ ( أبو قير ) الهادئ يدخل البحر في الاراضي المصرية مسافة طويلة ويشكل بذلك خليجا صغيرا تتكسر أمواجه على الصخور الحادة المنتشرة في أرض البحر وفوق سطح الماء.
وهذا المكان مهجور ومهمل بسبب خطورته للاستحمام, حتى أن العشاق الذين يتفرقون في منطقة شاطئ أبو قير للاختلاء ببعضهم لايصلون الى هذه المنطقة.
ولكن في هذا اليوم, قررت أن يصل الى هذه المنطقة عاشقان مدلهان ويغطسان في مياه البحر. وأحدهما ستسحبه التيارات المائية ويرتطم رأسه في صخور البحر, وعندما يلفظ أنفاسه سأرفعه من داخل الماء وأسرع بالسيارة الى المستشفى في الاسكندرية . . ان طريقة الموت هذه ربما تثير الشكوك حولي ولكنني لم أجد أفضل منها.
واذا تزايدت الشكوك, سأقوم بتدمير جهاز اللاسلكي وأغادر البلاد. جلسنا القرفصاء, مغمضي العينين, نخاف أن نفتحها لئلا نرى الواقع الرهيب, ورحت أداعب صوفي والاطفها بخفة ثم قلت هامسا تعالي ياحبيبي لنخرج من هنا نسافر نبحث عن أي مخرج. كنت بحاجة الى تعاونها, على الاقل حتى نصل السيارة وندخلها. يكفي أن يرانا أحد الجيران أو أي أنسان وعندها سأدفع الثمن غاليا.
ارتدينا ملابسنا باناقة, وتظاهرت بتناسي ما حدث, حتى لا تشعر صوفي بأنن شيئا في نفسي.
الابواب مغلقة جميعها ولن تستطيع صوفي أن تهرب فقبل أن تحاول الوصول الى المفتاح أستطيع أن أوجه ضربة الى رأسها وألقيها على الارض مغمى عليها.
هبطنا بهدوء الى الطابق الارضي في المنزل, ولدى مرورنا بجانب غرفة المطبخ هربت صوفي وأمسكت بقطعة خشب من المطبخ تستخدمها الخادمة في تحريك مواد الطبخ على النار, ورفعتها لتلقي بها على رأسي, ولكنى قفزت خلفها واحتضنتها بقوة ومنعت يديها من الحركة وأنزلت يديها الى الاسفل, والصقتها الى جسدي وهمست في أذنيها. (( لا تفعلي شيئا من ذلك يا صوفي )).
راحت صوفي تبكي بحرقة, وشعرت كأنها تفرغ جميع مخاوفها ودموعها على كتفي فهدأت من روعها, ثم سألت نفسي- ترى أي منا سينتصر بخداعه على الثاني – وخرجنا من المنزل, ممسكين بأيدي بعض, نبتسم, وعند وصولنا السيارة فتحت الباب أمام صوفي, وبعد أن دخلت أغلقت الباب وأستدرت لادخل من الباب الثاني وعلى المقعد الخلفي القيت ملابس الاستحمام التي أخذتها من المنزل وتحركنا الى الطريق المؤدي نحو الاسكندرية.
وبعد أن خرجت من المدينة أوقفت السيارة, وأخرجت من جيبي الحبل الذي كنت أربط به يديها في المنزل وقلت, هاتي يديك أربطهما يا صوفي, لن أدع الحبل يؤلمك, سأربطك من الامام بلطف لئلا تقومي بعمل متهور, ربطت يديها, وطبعت قبلة على جبينها. لقد أحببتها حبا جارفا, أما الآن فسأقتلها بدون تأنيب من ضمير, بدون أن تهتز يدي.
لقد أخطأت, ويجب علي أن أصحح الخطأ وأواصل السير الى الأمام.
واصلنا السير على الطريق المستقيم المؤدي شمالا الى شاطئ البحر, نظرت إلى صوفي بعينيها السوداوين, وهمست بدون صوت تقريبا . . أنا أعرف من أنت يا آرام أسمك ليس آرام وليست تركياً, ولاتعمل لحساب الانجليز ولا من أجل المال, انك ستقلني بعد قليل, أعرف ذلك, وبما أنني أعرف أنني سأموت بالتأكيد أقول لك كلمة أخيرة, لقد أحببتك, . . لم أجب بل ضاعفت سرعة السيارة بدون أي تفكير أو احساس بما قالته.
على بعد حوالي 100 كيلو متر شمالي القاهرة, مقابل المدينة العمرانية الجديدة ( طنطا ) التي تعرض على أنها نماذج من أعمال النظام المصري الجديد, هناك ينحني طريق الاسكندرية القاهرة, ويمر بعدة منعطفات خطيرة.
كما أن أعمال الانشاء والعمران الواسعة التي تجري في تلك المدينة وضواحيها سببت زيادة في الحركة على الطريق ولكن المنعطفات الخطيرة هنا تمنع سائقي السيارات من رؤية الطريق على مسافة بعيدة, وصلت تلك المنعطفات, ولا تزال سرعة السيارة كبيرة كانت العجلات تحدث صوتا حادا وهي تدور في المنعطفات كأننا نهرب من أنفسنا, وبنفس الوقت نقود أنفسنا بسرعة نحو النهاية التي خشيناها كثيرا.
من سيارات الشركة التي تعمل هناك, جنحت واحدة فى الجهة اليسرى وسارت في خط سيري المقابل تماما. انعطفت نحو اليمين لابتعد عن السيارة الكبيرة وأتفادى الاصطدام بها, ولكنني فقدت السيطرة على سيارتي وخرجت عن الطريق العام, وسقطنا في واد سحيق واستقرت السيارة على ظهرها مستندة الى جذع شجرة كبيرة. وتداخل جذع الشجرة بالسيارة من بابها الايمن وهشم صوفي. فقد سالت الدماء من رأسها, وأنتفخ وجهها حتى لم أعد أعرفه.
وأنفجر البنزين من محرك السيارة واشتعلت النار فيها. وقمت لاخرج السياره ثم عدت الى صوفي وفككت الحبل عن يديها بسرعة لئلا يجدوها محروقة فى السيارة وبقايا الحبل متفحم مربوط حول يديها.
وقذفت بنفسي من شباك السيارة وهربت زحفا على ركبي لئلا أتعرض لشظايا السيارة حينما تنفجر. وبعد 30 خطوة من زحفي على أربع, وقع الانفجار.
فألقيت بنفسي مرة أخرى على الارض وشعرت باللهيب الحار يمر من فوق جسدي ملامساً له ورأيت رجلا يأتي مسرعا نحوي. وفي هذه اللحظة سمحت لنفسي بالإغماء, تظاهرت بأنني مغمى علي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق