قراءة في نتائج مؤتمر مصر الاقتصادي
خلود عبدالله الخميس
حتى لا يزايد أحد على عروبتنا وأخوّتنا، أنا من أول الداعمين للشعب المصري في محنته الاقتصادية والتي تسبب بها الانقلاب العسكري وتبعاته، وكذلك سوء الأوضاع السياسية منذ ثورة يناير وحتى خطف الرئيس محمد مرسي، ولكن أن أؤيد سلطة غير شرعية فلا، وأقصد بالشرعية هنا الشعبية التي ارتضاها المصريون لا بمفهومها الديني لأنهما مختلفان تماماً.
المصريون اتفقوا على دستور يحدد نظام الحكم، وبناء عليه كانت الانتخابات التي أفرزت تفوق حزب الحرية والعدالة بفارق بسيط على المرشح الذي يرتدي طاقية الإخفاء لنظام مبارك.
من هنا أتحدث. النظام السياسي القائم في مصر تم تقويضه عبر دول لها مصالح سياسية واقتصادية ولنقل «سيادية» وجودية، تجعل من نجاح أي تجربة ديمقراطية محيطة و «صديقة» تعتمد على الانتخاب المباشر واختيار الشعوب للسلطة الحاكمة خطراً يجب محاوطته وإفشاله، وهذا تماماً ما حدث، وكل شيء بترتيب أميركي.
الآن، وبعد أن هدمت العراق وسوريا ومصر واليمن ونجت تونس بجلدها بحنكة حزب النهضة السياسية الذي تنازل عن الحكم لحقن الدماء ولحفظ التجربة من التدمير، بدأت مشاريع مارشال للإعمار.
ومن الذي يدفع الثمن؟ جهاز السحب الآلي طبعاً: الخليج!
أميركا تعيد ترتيب خرائطنا بالفوضى الخلاقة، ونحن ندفع لها للترتيب ولإعادة البناء!
أميركا تهدم دولنا بحجة الحرب على الإرهاب، ونحن ندفع لها للهدم ولإعادة البناء!
وسندفع حتى يقيض الله لنا أمر رشد وقيادة رشيدة.
الصدمات التي انهالت على الجانب المصري، أنه دعا ما يزيد على ثلاثين دولة، والدعم جاء من أربع فقط:
السعودية والكويت والإمارات وعمان، تلك الأولى،
أما الصدمة الثانية فهي في حجم التبرعات ومصارفها وعدم تضمن الاتفاقات أي منح مجانية، قياساً ببداية الدعم الخليجي الذي كان شبه مفتوح، مع تحديدها بمدة زمنية قصيرة، وتوجيهها لاستثمارات مدرّة محددة.
ما سبق مؤشر إيجابي للحذر الخليجي -باستثناء الإمارات- من التعامل مع سلطة الانقلاب، ومن لا يعتبر بالضغط الشعبي عليه قراءة نتائج أفعال الشارع في التاريخ، وإن اختلف معها.
أيضاً قد يكون لانخفاض أسعار النفط تأثير على القرار السياسي في شأن المساعدات الخارجية والالتزام بجداول الخطط الداخلية والتعهدات الحكومية للشعوب برفع موازنات الإسكان والتعليم والصحة، الودائع دعم لقيمة الجنيه التي بلغت الحضيض وليست استثماراً فعلياً، أما المشاريع الاستثمارية فهي شراكات تجارية مدروسة وربحية للطرف المستثمر وليست منحا وهدايا، وكثير من المشاريع ما زالت في طور الدراسات، وتم إعدادها فقط لبيعها في المؤتمر «المزاد بلا مزايدون» كما أراه، ولن تنفذ إلا باتفاقات أخرى.
انظر أيها القارئ الفاضل في الدعم الخليجي منذ الانقلاب العسكري على الشرعية السياسية وتحول مصر من الحكم المدني إلى الحكم العسكري، وقارن.
لن أطيل في أمر حسمته الأرقام، وسأنتقل معك لما هو أهم بنظري: الموقف السياسي من سلطة الانقلاب..
أولاً: لنصحح مفهوم المصطلح، لا أعلم لماذا يتحسسون وينكرون أنه انقلاب عسكري؟ إن كنتم على قناعة بحكم العسكر فاعترفوا أنه انقلاب وأنتم من مؤيديه، لا بأس من حق الجميع أن يعبر عن رأيه وقناعاته ويدعمها، وإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فذلك لأنه فِعلٌ مُخزٍ أن تكشفوا عن تأييده، أن يكون العالم يتجه للدولة المدنية والمؤسسية والحريات العامة، وأنتم عكس بوصلة التمدن، كما يعرفه «الأسياد»!
والأسياد هم بالطبع الغرب وأميركا، والأخيرة لا ترضى قوانينها بدعم «معلن» للانقلابات العسكرية، وفقط تدعم الثورات المدنية فقط إن تقاطعت مصالحها معها.
الكونجرس يرفض تقديم أي مساعدات لدولة إذا جاءت سلطتها الحاكمة عبر انقلاب عسكري، لذلك مؤيدوه لا يستخدمون مصطلح «انقلاب» ولو انقلبت عليهم الأرض.
الموقف السياسي من سلطة الانقلاب خفّت وطأته، قلّت حدته، تحشرج صوته، بهت لونه، وصار يجرُّ أقدامه جراً ليقدم الدعم ويدفعه للأمام، وهو رابض بل يتراجع ويحتضر، والتعبير الأدق أنه ميت إكلينيكيا.
الخليج بالفعل تورط في قضية النزاع الحزبي في مصر على الحكم، وتورط أكثر في تصنيفات ليست منطقية ولا هي حلت الأزمة بل كرستها، ولا ضيقت هوة الصراع بل شرعته على مصراعيه، لذلك أظن أن حجم ونوع وكيفية صرف الأموال التي لم تتعد 12 مليار دولار في المؤتمر الاقتصادي المذكور، ليس إلا رسالة شبه رسمية «بأننا إلى هنا فعلنا لإنعاشكم المستحيل على حساب ميزانيات شعوبنا، وجزانا الله خيراً وبيض وجوهنا ما قصرنا»!
لعلي أبالغ قليلاً؟ نعم أبالغ وأعتبره تمنيا وحلما، فما قيمة أن تعيش بلا أحلام؟!
احلم وإن أفقت قل: خيراً رأيت إن شاء الله وسيجعله ربك كذلك.
•  @kholoudalkhames
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق