أوباما يكشف عن آرائه في الإسلام والشرق الأوسط والسعودية (2)
أثارت تصريحات أوباما حول الإسلام وعلاقته بالسعودية جدلا واسعا- أ ف ب
نشرت مجلة "أتلانتيك" الخميس الماضي حوارا مطولا مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ناقشت فيه أهم الخطوط الرئيسة لاستراتيجيته في السياسة الخارجية. وقد تحدث الرئيس الذي يغادر البيت الأبيض في العام القادم بصراحة أكثر من المعتاد، ما أثار جدلا كبيرا في الأوساط السياسية والإعلامية على مستوى العالم.
وتنشر "عربي21" أجزاء مهمة من المقابلة على حلقات، خصوصا ما يتعلق منها بالشرق الأوسط والسعودية والإسلام و"القبيلة".
وفي ما يأتي الجزء الثاني من هذه الحلقات:
لم يؤمن أوباما أبدا بأن الإرهاب يشكل تهديدا لأمريكا بقدر ما يولده من مخاوف لسكانها.
وحتى خلال الفترة من عام 2014 عندما كان تنظيم الدولة يعدم أسراه الأمريكان في سوريا، فقد كان أوباما يبقي مشاعره تحت السيطرة.
وحينما أخبرته فاليري غاريت، وهي من أقرب مستشاريه، بأن الناس قلقون من أن التنظيم قد يبادر قريبا إلى نقل حملته لقطع الرؤوس إلى داخل الولايات المتحدة، فقد أجابها مطمئنا إياها: "لن يأتوا إلى هنا ولن يقطعوا رؤوسنا".
كثيرا ما كان يذكّر أوباما موظفيه بأن ضحايا الإرهاب الأمريكيين أقل بكثير من الأرواح التي تزهق بسبب استخدام البنادق اليدوية وبسبب حوادث السيارات والسقوط في الحمام.
وكان قبل عدة سنوات قد أعرب عن إعجابه بثبات الإسرائيليين في وجه "الإرهاب الدائم"، ومن الواضح أنه يرغب في رؤية مثل هذا "الثبات" يحل محل الفزع الذي ينتشر في المجتمع الأمريكي.
ومع ذلك فإن مستشاريه يخوضون معركة مستمرة في الأروقة الخلفية للحيلولة دون أن يضع أوباما الإرهاب حيث يعتبره مكانه "الصحيح"، وذلك خشية منهم أن يبدو في أعين الشعب الأمريكي غير متعاطف مع مخاوفهم..
ومن هؤلاء جون كيري الذي يبدو أشد فزعا من تنظيم الدولة من الرئيس.
كنت مؤخرا قد سألت وزير الخارجية: "هل ما زال الشرق الأوسط مهما بالنسبة للولايات المتحدة؟"، فكانت إجابته تقتصر على الحديث عن تنظيم الدولة، حيث قال: "هذا تهديد للجميع في هذا العالم. إنها جماعة تعلن جهارا نهارا عزمها على تدمير البشر في الغرب وفي الشرق الأوسط.
تصور ما الذي يمكن أن يحدث لو أننا لم نقف ونقاتلهم، لو أننا لم نتزعم التحالف – كما نفعل الآن، على فكرة، لم لو نفعل ذلك لكنا رأينا حلفاء وأصدقاء لنا يتساقطون، ولكنت رأيت هجرة جماعية ضخمة باتجاه أوروبا وهذه بدورها ستدمر أوروبا، سوف تؤدي إلى التدمير التام لأوروبا، وستقضي على المشروع الأوروبي، فارضة على الجميع البحث عن ملجأ يهرعون إليه، وبذلك تتكرر تجربة ثلاثينيات القرن الماضي تارة أخرى، وسيشهد العالم انتشار القومية والفاشية وغير ذلك من الأمور. بالطبع لدينا مصلحة في مواجهة كل ذلك، وهي مصلحة كبيرة فعلا".
وعندما قلت لكيري إن لغة الرئيس لا تنسجم مع لغته قال لي: "يرى الرئيس أوباما كل ذلك، ولكنه لا يرغب في تضخيم الأمر، حيث يعتقد بأننا على جادة الصواب. ومع ذلك فقد ضاعف جهوده، ولكنه لا يريد خلق حالة من الهلع... أعتقد أن الرئيس يميل دوما باتجاه محاولة وضع الأمور في نصابها، وأنا أحترم ذلك".
يحرص أوباما على ضبط كلامه حول الإرهاب لعدة أسباب: فهو بطبيعته سبوكياني (متأثر بفلسفة بنجامين سبوك حول الأبوة)، وهو يعتقد أن الكلمة التي في غير محلها، أو النظرة المرعوبة، أو الزعم المبالغ فيه دونما اعتبار للعواقب، يمكن أن يغرق البلاد في حالة من الهلع. وأكثر نوع من الهلع يروعه هو الذي يمكن أن يتخذ شكل عداوة للمسلمين ناجمة عن الخوف منهم أو على شكل تحد للانفتاح الأمريكي والنظام الدستوري في الولايات المتحدة.
ويصاب الرئيس بالإحباط لأن قضية الإرهاب تعود كل حين لتطغى على أجندته الأكبر والأهم، وخاصة في ما يتعلق بإعادة التوازن لأولويات أمريكا الكونية.
فقد كان برنامج "آسيا هي المفصل" على رأس سلم أولوياته لعدة سنوات.
فهو يعتقد أن مستقبل أمريكا الاقتصادي موجود في آسيا، وأن التحدي الناجم عن صعود الصين يحتاج إلى اهتمام مستمر.
منذ الأيام الأولى له في البيت الأبيض لم يفتأ أوباما يركز على إعادة بناء الروابط –التي قد تبدو هشة في بعض الأوقات – بين الولايات المتحدة وشركائها الآسيويين في المعاهدة، ولا يكف بتاتا عن تصيد الفرص لجذب المزيد من الأمم الآسيوية إلى فلك الولايات المتحدة. وفعلاً، كان انفتاحه المفاجئ والجاد تجاه بورما واحدا من هذه الفرص، والتي منها أيضا فيتنام وكوكبة من بلدان جنوب شرق آسيا المتخوفة من الهيمنة الصينية.
في قمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والباسيفيك (المحيط الهادي) في مانيلا كان أوباما عازما على إبقاء المحادثات منصبة على أجندته وليس على ما كان يرى أنه تحد قابل للاحتواء يمثله تنظيم الدولة. وكان وزير الدفاع في إدارة أوباما آشتون كارتر قد أخبرنا قبل وقت ليس بالبعيد أن أوباما ظل مركزا اهتمامه على آسيا حتى أثناء اشتعال الصراعات في سوريا وفي غيرها من دول الشرق الأوسط.
وقال كارتر إن أوباما يعتقد أن آسيا "هي ذلك الجزء من العالم الذي سيكون لأحداثه أعظم التداعيات على مستقبل أمريكا، وأنه ليس بإمكان أي رئيس أن يغض بصره عن ذلك".
وأضاف: "ما فتئ دوما يسأل، وحتى في خضم كل ما كان يحدث: أين نحن من إعادة التوازن في منطقة آسيا والباسيفيك؟ أين نحن في ما يتعلق بالموارد؟ لقد ظل باستمرار مهتما بهذه القضايا، وحتى في أوقات التوترات التي كانت تعصف بمنطقة الشرق الأوسط".
وعند سؤال أوباما عن وجود شيء ما يتعلق بالشرق الأوسط يجلب له السعادة، قال: "في هذه اللحظة، لا أظن أن بإمكان أحد أن يشعر بالارتياح إزاء الوضع في الشرق الأوسط. لديك بلدان تفشل في توفير الرخاء وفرص التقدم لشعوبها. ولديك أيديولوجية أو أيديولوجيات عنيفة ومتطرفة يجري نشرها والترويج لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ولديك بلدان لا تكاد تحظى بشيء من التقاليد المدنية، ولذا فإنه حينما تبدأ الأنظمة التسلطية في الذبول ويعتريها الوهن فإن المبادئ المنظمة الوحيدة التي تسود فيها هي تلك ذات الصبغة الطائفية".
ومضى يقول: "قارن ذلك بالوضع في جنوب شرق آسيا، والتي لا شك أنها تعاني من مشاكل ضخمة – الفقر المدقع والفساد – ولكنها تعج بأناس مناضلين وطامحين ومفعمين بالطاقة، والذين يشقون طريقهم بكل ما أوتوا من وسائل وأدوات في كل يوم، من أجل أن يؤسسوا لمشروع تجاري أو يحصلوا على التعليم أو يجدوا فرصة عمل أو يقيموا بنية تحتية. وجه الاختلاف جلي جدا".
ويقول أوباما أيضا إنه يرى الشباب في آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، يتطلعون بشغف إلى تحسين ذواتهم ويقبلون على الحداثة وعلى التعليم وعلى بناء الثروات المادية.
ويضيف: "ليسوا مشغولين بالتفكير في كيفية قتل الأمريكان، وإنما ينصب تفكيرهم على سؤال: كيف لي أن أحصل على تعليم أفضل؟ كيف يمكنني أن أبدع شيئا ذا قيمة؟".
ثم ما لبث أن أبدى ملاحظة أدركت فيما بعد أنها تمثل فهمه السوداوي والمرعب لما عليه الشرق الأوسط من حال في يومنا هذا – وهذا الفهم ليس من النوع الذي قد يختار البيت الأبيض أن يروج له في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية- وقال: "إذا لم نتحدث إليهم لأن الشيء الوحيد الذي نقوم به هو محاولة البحث عن طريقة لتدمير مجتمعنا الإنساني ومحاصرته ووضع حد للمكونات الضارة والعدمية والعنيفة فيه، فإن ما لا ريب فيه هو أن القارب سيفوتنا".
يقول ناقدو أوباما إنه عاجز عن محاصرة عدميي الإسلام المتطرف الذين يمارسون العنف لأنه لا يفهم التهديد الذي يشكلونه.
فهو يقاوم رؤية الإسلام المتطرف من خلال منشور "صراع الحضارات" الذي تحدث عنه العالم السياسي الراحل صمويل هانتنغتون. إلا أن ذلك منشؤه، كما يحاجج هو ومستشاروه، حرصه على ألا يضخم من العدو ويزيد في صفوفه.
وفي هذا يقول مدير الـ"سي آي إيه" جون برينان: "الهدف هو عدم إقحام نموذج هانتنغتون بالقوة في هذا الصراع".
فرانسيس أولاند ودافيد كاميرون كلاهما تحدثا عن التهديد الذي يشكله "الإسلام المتطرف" بمفردات تعبر عن نظرية هانتنغتون، وقد سمعت أن الرجلين كانا يأملان في أن يستخدم أوباما لغة مباشرة وأكثر وضوحا عند التطرق لهذا التهديد.
وعندما ذكرت ذلك لأوباما قال: "لقد استخدم أولاند وكاميرون مفردات مثل الإسلام المتطرف، وهي مفردات لم نستخدمها نحن بشكل منتظم ضمن ما نبذله من جهود لمكافحة الإرهاب. ولكن لم يحصل إطلاقا أن جرى بيننا حديث قالا لي فيه يا رجل لماذا لا تستخدم هذا المصطلح بنفس الطريقة التي تسمع بها الجمهوريين يستخدمونه؟"، ويقول أوباما إنه طالب الزعماء المسلمين بأن يقوموا بجهود أكبر من أجل القضاء على تهديد الأصولية العنيفة. وقال لي: "ما أعنيه واضح جدا، ومفاده أن ثمة تفسيرا عنيفا ومتطرفا ومهووسا وعدميا للإسلام يقوم به فصيل، وهو فصيل صغير جدا، داخل المجتمع المسلم، وهذا الفصيل هو عدونا، وينبغي أن نلحق الهزيمة به".
ثم وجه نقدا بدا لسامعه منسجما إلى حد كبير مع خطاب كل من كاميرون وأولاند، حيث قال: "هناك أيضا حاجة ماسة لأن يقوم الإسلام ككل بتحدي ذلك التفسير للإسلام، وأن يقوم بعزله، وأن يجري حوارا قويا داخل المجتمع المسلم حول الدور الذي يناط بالإسلام كجزء من مجتمع عصري مسالم"، لكنه أضاف قائلاً: "لن أنجح في إقناع المسلمين المسالمين والمتسامحين بالمشاركة في النقاش إذا لم أبد تفهما لما يشعرون به من قلق من أنهم يُحمّلون بشكل جماعي وزر ما يرتكبه غيرهم".
وخلال لقاءات خاصة مع زعماء آخرين من زعماء العالم، قال أوباما إنه لن يتسنى إيجاد حل شامل لمشكلة الإرهاب الإسلامي ما لم يقم الإسلام بإنجاز مصالحة مع الحداثة وما لم يجر بعض الإصلاحات كتلك التي غيرت المسيحية.
ومع ذلك فقد صرح أيضا، وبشكل مثير للجدل، أن صراعات الشرق الأوسط "يعود تاريخها إلى الألفية الأولى"، كما عبر عن اعتقاده بأن الغضب المكثف الذي شهده المسلمون في السنوات الأخيرة وقع بتشجيع من بلدان تعتبر صديقة للولايات المتحدة الأمريكية.
وخلال لقاء جرى على هامش قمة التعاون الاقتصادي الآسيوي الباسيفيكي مع مالكولم تيرنبول، رئيس وزراء أستراليا الجديد، وصف أوباما كيف أنه شاهد إندونيسيا تنتقل بالتدريج من إسلام متنوع المذاهب والأعراف إلى إسلام أصولي ذي تفسير لا يعرف التسامح، وقد لاحظ بنفسه كيف أن عددا كبيرا من النساء الإندونيسيات التزمن بارتداء الحجاب.
سأله تيرنبول: "ولماذا يحدث هذا؟".
أجابه أوباما: "لأن السعوديين وغيرهم من عرب الخليج أغدقوا الأموال وأوفدوا أعدادا ضخمة من الأئمة والمدرسين إلى البلد. في تسعينيات القرن الماضي مول السعوديون بشكل مكثف المدارس والمعاهد الوهابية التي تعلم النمط الأصولي من الإسلام الذي تفضله العائلة السعودية الحاكمة، وقال له إن الإسلام في إندونيسيا اليوم هو إسلام أكثر شبها بالإسلام العربي منه إلى ذلك الإسلام الذي كان سائدا أثناء الفترة التي عاشها هو هناك".
سأله تيرنبول: "أوليس السعوديون أصدقاءك؟".
ابتسم أوباما وقال: "الموضوع معقد".
لطالما كان صبر أوباما على المملكة العربية السعودية محدودا. في أول خطاب له حول السياسة الخارجية في عام 2002، وكان ذلك خطابا أمام حشود التم شملها في مهرجان معارض للحرب في مدينة شيكاغو، قال ما يلي: "تريد أن تقاتل يا سيد بوش؟ فلنقاتل حتى نضمن أن من يسمون حلفاءنا في الشرق الأوسط – السعوديين والمصريين – يتوقفون عن قهر شعوبهم وعن اضطهاد من يخالفهم وعن التساهل مع الفساد وانعدام المساواة".
داخل البيت الأبيض هذه الأيام، يمكن للمرء من حين لآخر أن يسمع مسؤولي مجلس الأمن القومي في إدارة أوباما يذكرون زائريهم بشكل لا لبس فيه أن الأغلبية العظمى من الخاطفين في أحداث الحادي عشر من سبتمبر لم يكونوا إيرانيين بل كانوا سعوديين – بل إن أوباما نفسه يصب جام غضبه من حين لآخر على المعاملة المهينة للنساء في المملكة العربية السعودية، وهو الأمر الذي تدعمه وترعاه الدولة نفسها، قائلا في مجالسه الخاصة إن "بلدا يضطهد نصف سكانه لا يمكنه أن يعمل بشكل سوي في العالم الحديث".
وفي اجتماعات مع الزعماء الأجانب يقول أوباما: "بإمكانكم قياس مدى نجاح أي مجتمع من خلال النظر إلى كيفية معاملته للنساء فيه".
وهذا الإحباط الذي يشعر به تجاه السعوديين هو الذي يحدد معالم تحليله للسياسة وصراع القوى في منطقة الشرق الأوسط.
عند نقطة ما أبديت له ملاحظتي بأنه مقارنة برؤساء أمريكا السابقين يعتبر الأقل نزوعا نحو الوقوف بشكل بدهي وتلقائي مع المملكة العربية السعودية في نزاعها مع خصمها الأكبر، إيران.
ولم يعارضني في ما لاحظته.
وعن هذا قال الرئيس: "لم تزل إيران عدوا للولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1979، ومنذ ذلك الوقت وهي متورطة في أعمال إرهاب ترعاها الدولة، ولم تزل مصدر تهديد حقيقي لإسرائيل وللعديد من حلفائنا، كما أنها تشارك في كل أنواع التصرفات المؤذية والمدمرة. ولم يكن من رأيي في يوم من الأيام أن علينا أن نتخلص من حلفائنا التقليديين – أي السعوديين – ونلقي بهم في اليم لصالح إيران".
ولكنه مضى يقول إن السعوديين بحاجة لأن "يقتسموا" الشرق الأوسط مع خصومهم الإيرانيين.
وقال: "إن التنافس بين السعوديين والإيرانيين – والذي ساعد على تغذية الحروب بالوكالة وإثارة الفوضى في سوريا وفي العراق وفي اليمن – يتطلب منا أن نقول لأصدقائنا، وفي الوقت نفسه للإيرانيين، إنهم بحاجة لإيجاد طريقة مجدية لاقتسام الجوار وإقامة نوع من السلام البارد. إن المقاربة التي مفادها القول لأصدقائنا "أنتم على حق، إيران هي مصدر كل المشاكل، ونحن بدورنا سندعمكم في التصدي لإيران" سوف تعني بشكل أساسي أنه بينما تستمر هذه الصراعات الطائفية في الاشتعال، وأصدقاؤنا في الخليج، أي أصدقاؤنا التقليديون، لا يملكون القدرة على إطفاء ألسنة اللهب وحدهم أو لا يتمكنون من تحقيق انتصار حاسم وحدهم، وسوف تعني أننا سنبدأ في المجيء إلى المنطقة وفي استخدام قوتنا العسكرية لحسم الخلاف، فإن ذلك لن يكون لا في صالح الولايات المتحدة ولا في صالح الشرق الأوسط".
ويعتقد أوباما أن "القبلية" هي واحدة من أكثر القوى تدميرا في منطقة الشرق الأوسط – وأنها قوة لا يملك أي رئيس التغلب عليها. فالقبلية، التي تجلت في اللجوء إلى الطائفة والمعتقد والعشيرة والقرية من قبل المواطنين اليائسين في الدول الفاشلة هي مصدر ركونه إلى الجبرية.
ومع ذلك فإن لدى أوباما احتراما عميقا للصمود المدمر الذي تتمتع به القبلية – ولا أدل على ذلك من أن جزءا من مذكراته بعنوان "أحلام من والدي" يتعلق بالطريقة التي ساعدت بها القبلية في كينيا ما بعد الاستعمار في خراب حياة والده – ولعل ذلك ما يفسر حساسيته الشديدة من أي نزوع نحو التورط في الصراعات القبلية.
وعن ذلك قال لي: "إن التوجس من القبلية جزء من تركيبتي الوراثية. أتفهم الدافع القبلي وأقر بسلطان الانقسام القبلي، فطوال عمري وأنا أخوض غمار الانقسامات القبلية. في نهاية المطاف، إنها مصدر الكثير من الأعمال التدميرية".
أثناء السفر إلى كوالالمبور برفقة الرئيس، تذكرت إشارة عابرة كان قد وجهها إلي ذات مرة حول نظرية هوبس التي تعتبر الحكومة القوية ترياقا لعلاج الحالة الطبيعية التي لا ترحم.
عندما يرمق أوباما ببصره المساحات الشاسعة في الشرق الأوسط فإنه يرى مقولة هوبس الشهيرة "حرب الجميع ضد الجميع".
وكان أوباما قد قال في هذا الشأن: "أعترف بأننا حينما نقوم بدور لوياثان (الكائن الضخم) فإننا نضيق الخناق على هذه النزعات".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق