السبت، 5 مارس 2016

ذهب عكاشة وجاء حمدين


ذهب عكاشة وجاء حمدين

 وائل قنديل

من جديد، يطل حمدين صباحي برأسه، ممسكاً بلعبة "البديل المدني"، محدثا أكبر قدر من الجلبة، في حدود قدراته، في ظل الصمت الذي يلف المسرح، بعد إسدال الستار على عرض "عكاشة"، وسحبه من الأسواق مؤقتاً.
لا جديد لدى حمدين صباحي، هذه المرة، يعود بالبضاعة نفسها التي أعلن عنها في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي: تعبئة كل الأحزاب التي يرضى عنها حمدين، في إناء ديمقراطي مدني واحد، يعارض عبد الفتاح السيسي، وفي الوقت نفسه، يقصي الإسلام السياسي.
كل منتجات صباحي المعلبة تدور حول فكرة أساسية: معارضة النظام، دعماً للسيسي، والبحث عن غطاء سياسي وأخلاقي لجريمة أو فضيحة 30 يونيو/ حزيران 2013، إذ يمعن في لصق عباراتٍ على غلاف بضاعته، تزاوج بين ثورة يناير والانقلاب عليها.. 
وبالتالي، لا يمكن النظر إلى طروحات حمدين وجماعته، إلا على ضوء الوظيفة المحددة له من منظومة عبد الفتاح السيسي، وهي القيام بدور المعارض للبطل الأوحد، ولا مانع من أن يكتسي ببعض الشراسة أحيانا.
هنا، يلتقي حمدين، وظيفياً، مع كل العكاشات المنتشرة على جانبي الطريق، بعد رفع عكاشة الأصلي من الخدمة، بل كان الأخير يبدو أكثر شراسة في أداء الدور، حتى خرج عن حدود النص المكتوب، فتم إنزاله من المسرح، ذلك أن ما راج، في الساعات الماضية، باعتباره رؤية حمدين صباحي البديلة للوضع الراهن، لا يعدو كونه محاولة لملء الفراغ الذي تركه توفيق عكاشة، حيث يأتي البيان "الحمديني" الأول مليئا بالطرائف والمسليات، حين ينصّ على "بناء بديل حقيقي عبر تكوين وتعزيز حزب وجبهة وشبكة اجتماعية عريضة، تساهم فيها قوى وطنية ومدنية ونزيهة، مدعوة جميعاً للتضامن والتكاتف، وتجاوز أخطاء الماضي، لرفع راية وطنية مدنية سلمية علنية شرعية ومشروعة أمام أعين المصريين، ليشيروا إليها، متخلصين من الاستسلام لواقعٍ لا يفارق الماضي البغيض، ويراد فرضه عنوة، ومن بديلٍ زائفٍ، لا يزال يطرحه تيار ينتهك جلال الدين وقدسيته، بتوظيفه في تحصيل السلطة والثروة".
يمكنك أن تطلق على الفقرة السابقة "عجائب وغرائب"، فالبيان يريد حزباً وجبهة وشبكة اجتماعية عريضة في توقيت واحد، وأظن أن مبتدئ العلوم السياسية يدرك أن الحزب حزب، والجبهة جبهة، والشبكة شبكة، فكيف يجتمع ثلاثتهم في عبوة واحدة؟!
يتحدث البيان عن تجاوز أخطاء الماضي.. حسناً، يعلم الجميع أن الخطأ الأكبر والخطيئة الأفدح كانت الاستسلام لنوازع الاستقطاب والغل السياسي التي مزّقت الجماعة الوطنية، غير أن بيان حمدين الذي تدرج، أولاً، في صورة مقالات صحافية بأقلام تابعيه، بإحسان وبغير إحسان، يغرق في خطأ الماضي نفسه، حين يعلن العداء لما يصفه بأنه "تيار ينتهك جلال الدين وقدسيته بتوظيفه في تحصيل السلطة والثروة"، والمقصود هنا بالطبع "الإخوان المسلمين" الذين يتمتعون بنعيم السلطة ووفرة الثروة هذه الأيام خلف أسوار سجون طرة والعقرب، وفي المنافي.
لا يذكر مشروع "البديل الحمديني" كلمة واحدة عن عبد الفتاح السيسي وانقلابه، وحكمه العسكري، بل يمارس اللعبة التافهة نفسها التي كان يلعبها صباحي صبياً: نحن البديل الثالث للإخوان وللحزب الوطني، من دون أن يشير بعقلة إصبع إلى السبب الجوهري في وصول مصر إلى هذه الوضعية التاريخية المخجلة.
لا خلاف مع حمدين وشلته على أن مصر باتت بحاجة ماسّة لبديل، وأن هناك بدائل كثيرة، بيد أن المؤكد أن هذا البديل ليس حمدين صباحي، ولا عبد الفتاح السيسي الذي ينطلق حمدين، في كل مبادراته وحركاته، من وإلى دعمه.
مشكلة حمدين وصحبه أنهم لا يريدون الاعتراف بأنهم أدوات استعملت حتى بليت، وأكل عليها الدهر وشرب، فقد قبل حمدين وحزبه الخدمة في بلاط حزب الحرية والعدالة الإخواني، عندما كان فرس الرهان في انتخابات البرلمان الأول بعد ثورة يناير، ولم يجد غضاضةً في الاستثمار  مع "تيارٍ ينتهك جلال الدين وقدسيته".
ثم حين فشل في انتخابات الرئاسة، ولم يتحمل أن يرى إخوانياً في الاتحادية، سارع إلى الخدمة عند فلول حسني مبارك، ارتضى أن يستعمل في الثورة المضادة، ثم كان سعيداً عند استعماله "دوبلير" في خدمة الزعيم الذي قال له حمدين "يا سيسي ويا سيدي".
لذلك كله، لا يمكن النظر إلى مبادرة يطرحها حمدين صباحي، إلا باعتبارها قطعاً للطريق على تحركات أو أفكار أو تحالفات تشكل خطراً، ولو بسيطاً، على سلطة عبد الفتاح السيسي. لذا، لن تكون بعيداً عن الحقيقة، لو قلت إنهم بصدد إنتاج "عكاشية جديدة"، تبدو من الخارج أكثر لمعاناً وفخامة، غير أنك حين تدخل ستكتشف أن الجوهر واحد، والأعراض متعددة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق