رسائل السيسي بالفارسي الفصيح
وائل قنديل
احتفلت داخلية عبد الفتاح السيسي بقتل قتلة نائبه العام، هشام بركات، أكثر من مرة خلال الشهور الماضية، قبل أن تحتفل مجدداً، أول من أمس، بضبط الخلية "الإخوانية الحمساوية" المتورطة في قتل النائب العام.
بصرف النظر عن أن تصريحات وزير داخلية السيسي، القادم من أمن الدولة، بشأن المتهمين بتنفيذ الجريمة، تعد اعترافاً رسميا بجرائم قتل ارتكبتها الشرطة، بتصفية أبرياء في بيوتهم، والادعاء بأنهم "قتلة النائب العام"، فإن خروج المؤتمر الصحافي لوزير الداخلية، على هذا النحو من الركاكة والاستعجال، وغياب المعلوماتية، يكشف عن أن النظام يعيش حالة تخبط فادحة، تفقده القدرة على صناعة أكاذيب محبوكة.
بدا وزير الداخلية وكأنهم طلبوا منه أية رواية على وجه السرعة، قبل أن يطلع عليه النهار، فارتجل الرجل حكاية الخلايا المرتبطة بالإخوان وحماس، وبالقدر نفسه من الاستعجال والتلعثم، جاء الفيلم الوثائقي المصاحب للمؤتمر، والذي ركّز على أرشيف الأربعينيات والخمسينيات، أكثر مما اهتم باللحظة الحالية.
يذكّرك الموقف بما فعله حبيب العادلي، وزير داخلية حسني مبارك، عندما أراد روايةً محبوكةً يحتفل ويتباهى بها أمام العدسات، قبل أن يلقي مبارك كلمته في عيد الشرطة، فكان أن قدم للرأي العام قائمة بالضالعين في تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية، ليلة الاحتفال بعيد الميلاد، قبل ثورة يناير مباشرة.
كان مطلوبا إظهار أكبر قدر من "الكيد" لأطرافٍ عربية، لا تبدي قبولاً بمرشح السيسي، للأمانة العامة لجامعة الدول العربية، قبل أن تشرق شمس أمس، الإثنين، موعد اجتماع وزراء الخارجية العرب، للتباحث حول ترشيحات منصب الأمين العام، الذي يخلو بقرار نبيل العربي الاستقالة، والاكتفاء بهذا القدر.
لا يطيق السيسي ونظامه أن يدور حديث، تصريحاً أو تلميحاً، أو همساً، عن ترشيحات لأسماء أخرى، من خارج مصر، وتحديداً من السعودية، على المنصب، بمواجهة أحمد أبو الغيط، أمير الكراهية الاستراتيجية لحركة المقاومة الفلسطينية (حماس) والوجه المفضل إسرائيلياً، ليكون الأمين العام لجامعة العرب، كما تتمناها إسرائيل.
إمعاناً في "المكايدة السيسية"، كان الاحتفاء الواسع، المبالغ فيه، باستقبال الرئيس العراقي، المدعوم من طهران، سياسياً وأمنياً وروحيا، في القاهرة، بعد سويعاتٍ من قصف إعلامي وسياسي عنيف، من منصة حسن نصر الله، أمين عام حزب الله، ضد السعودية ودول الخليج، التي أدرجته "كياناً إرهابياً"، الأمر الذي يؤكد أن "الابتزاز" لا يزال السلاح الأثير لدى عبد الفتاح السيسي، في علاقته مع "دول الأرز"، فكان أن قرّر أن يلقي بورقة "حماس" في وجه الذين يعيدون حساباتهم، ويرتبون مواقفهم، من سلطةٍ صنعوها بأعينهم، لكنها لا تتورّع عن عض اليد التي لم تعد مبسوطة كل البسط، تمنحه كل ما يريد.
ولو وضعت بجانب ذلك كله أن أصواتاً بدأت تعلو في الفضاء الخليجي، بضرورة الالتفات إلى العمق السني، بمواجهة ذلك الاصطفاف الطائفي الذي تقوده وتدعمه إيران، يكون طبيعياً أن يبادر عبد الفتاح السيسي، مدفوعاً بوهم إمكانية الاستناد على طهران، إلى استباق احتمالات انفتاح خليجي، سعودي بالأساس، القوى السنية الحية، والفاعلة في المنطقة، بتلغيم الطريق بين الرياض و"حماس" التي لا يذكر اسمها، في الميديا السيسية والصهيونية، إلا مقترناً بالإخوان المسلمين.
داخلياً، أراد السيسي التغطية على تصاعد الأصوات المتحدثة عن فشله الذريع، وبلادته في القيادة، واتجاه الأوضاع الاقتصادية إلى الانهيار الشامل، من خلال استدعاء خطر العدو الخارجي (حماس بالطبع وفقاً للعقيدة السيسية) وتهيئة الرأي العام لاحتمالات ارتكاب حماقة، تدفقت المطالبة بها على ألسنة السيسي الإعلامية، بتوجيه ضربةٍ إلى غزة، كنوع من تكثيف جرعات الابتزاز، لمن يهمه الأمر، إن على صعيد عدم الحماس لترشيح أحمد أبو الغيط أميناً للجامعة العربية، أو تقارب سعودي مع "حماس"، والذي يترجم مباشرة، حسب القاموس الانقلابي، إلى فتح قنوات اتصال مع الإخوان.
إجمالاً، يمكن القول إن السيسي يرطن بالفارسية، كلما استشعر مراجعات عربية بشأنه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق