لماذا أدار أوباما ظهره للسعودية وحلفائها السنّة؟ ولماذا يجب أن يقلّده كاميرون؟.. مبرّرات تسوقها "الإندبندنت"
السؤال الأكثر غموضاً في تاريخ السياسة الأميركية، لماذا أدار الرئيس باراك أوباما ظهره للمملكة العربية السعودية ودول الخليج وتركيا وهم الحلفاء التاريخيون لبلاده في المنطقة؟، الأهم أن هذا التخلي جاء في مواجهة خصم تاريخي للطرفين "إيران".
التقرير التالي الذي نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية هو محاولة لتقديم مبررات وتفسيرات لهذه السياسة التي اعتبرتها خطوة في الاتجاه الصحيح.
تقول الصحيفة إنه غابت عن أذهان المعلقين تلك التأثيرات الناجمة عن النقد اللاذع الذي وجهه الرئيس الأميركي باراك أوباما تجاه المملكة العربية السعودية وحلفائه السنة الذين استمر تحالفهم مع الولايات المتحدة لسنوات طويلة، وذلك جرّاء إثارتهم لما يعتبره الأميركيون "عداوات طائفية" وسعيهم المستمر لإغراء الولايات المتحدة وجرّها نحو خوض حروب إقليمية بالوكالة عنهم. وقد أوضح الرئيس أوباما ذلك خلال سلسلة من المقابلات الصحفية المطولة التي أجراها معه الصحفي الأميركي الإسرائيلي "جيفري غولدبيرج" من مجلة "ذي أتلانتيك" .
ورأى أوباما أن المصالح الأميركية لا تتطلب مواصلة التقليد الذي تنتهجه مؤسسة الخارجية الأميركية، والتي استنكف الرئيس سراً الرد على آرائها، وهي السياسة الداعية إلى إمداد للسعودية وحلفائها بدعم غير مشروط.
تحول في الموقف
وحسب الصحيفة فإن البراهين التي يسوقها أوباما تكتسب درجة كبيرة من الأهمية لأنها ليست تصريحات عفوية، لكنها مفصلة، وواسعة النطاق، وتنظر في الأمور بعناية، فضلاً عن كونها تقود إلى اتجاهات جديدة في السياسة الأميركية.
ولاحت في الأفق تلك النقطة الهامة من التحول في 30 أغسطس/ آب 2013 عندما رفض أوباما شن غارات جوية على سوريا. وربما، كان هذا الأمر سيتسبب في بدء الولايات المتحدة تحركاً حربياً يجبر بدوره على تغيير النظام في دمشق، حيث اقترح مجلس وزراء أوباما بالإضافة إلى بعض خبراء السياسة اتخاذ هذا المسار من القرارات.
وكانت لدى السعودية وتركيا والدول الخليجية الأخرى قناعات بأن الولايات المتحدة ستستجيب لرغبتهم وتطيح بالرئيس السوري بشار الأسد، وزعموا أن هذا الأمر كان سيصبح يسيراً، بيد أن ذلك لم يكن ليحدث دون تدخل أميركي كامل، وهو الأمر الذي كان سيولد فراغاً في السلطة يمتلئ بالحركات الإسلامية الأصولية مثلما حدث في العراق، وأفغانستان وليبيا.
يقول غولدبيرج إن رفض ضرب سوريا، جعل أوباما "ينشق عما يسميه ساخراً 'كتاب ألعاب واشنطن'. وكان هذا يوم التحرير بالنسبة له".
وتغيرت سياسة الولايات المتحدة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فقد بدأت بلوم السعوديين لأنهم هم من زرعوا السلفية الجهادية، خاصة فيما يتعلق بالكراهية الطائفية السنية تجاه الشيعة والفرق الإسلامية الأخرى فضلاً عن مظاهر القمع الاجتماعي، بما فيها الحطّ من قدر المرأة.
تجربة أوباما الشخصية مع الوهابية
وتقول الصحيفة إن الرئيس أوباما يعتبر شخصياً على دراية تامة بأصول وبدايات القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، فهو يصف كيف أن الإسلام في إندونيسيا، التي قضى فيها بعضاً من سني طفولته، صار أكثر تعصباً وانغلاقاً. وعندما سئل عن السبب وراء ذلك، قال أوباما قائلاً "لقد وضعت السعودية ودول الخليج الأخرى الأموال وأعداداً كبيرة من المشايخ والمعلمين داخل البلاد.
ففي عام 1990، حسب الصحيفة، بالغ السعوديون في تمويل المدارس الوهابية، وهي معاهد دينية تدرس مناهج الإسلام السلفي التي تفضلها المملكة". وقد أدى ذلك إلى تحول التيار السني نحو الوهابية، وهذا يشمل الغالبية العظمى من 1،6 مليار مسلم سني حول العالم.
وصرح غولدبيرغ، الذي قالت الصحيفة إنه امتلك فرصة استثنائية للحديث مع أوباما وفريقه لفترة طويلة قائلاً "يبدو أن الشعور السائد بالبيت الأبيض يقول إن العديد من مؤسسات الفكر والرأي المتخصصة في السياسة الخارجية، تقوم بوظيفتها من أجل الممولين العرب أو أنصار إسرائيل".
ويضيف غولدبيرغ: "لقد سمعت أحد المسؤولين يشير إلى (جادة ماساتشوستس)، التي تتخذها عديد من تلك مؤسسات مقراً، واصفاً إياها ب (الأراضي التي يحتلها العرب). وتنقل القنوات التلفزيونية والصحف بكل أريحية الآراء التي يحملها الخبراء العاملون بهذه المؤسسات وكأنهم أكاديميون لا يحملون سوى الآراء الموضوعية التي لا تشوبها شائبة".
ويواصل الصحفي الأميركي الإسرائيلي: "من المهم أن نعرف بعد الانتخابات الأميركية، ما إذا كان الرئيس الجديد سيستمر في إعادة توازن السياسة الخارجية الأميركية بعيداً عن الاعتماد على القوى السنية التي تسعى إلى استخدام الثقل العسكري والسياسي للولايات المتحدة من أجل تحقيق أهدافها الشخصية"، معتبراً أن رؤساء الولايات المتحدة السابقين غضوا أبصارهم عن تلك الحقيقة، وهو الأمر الذي أدى إلى عواقب كارثية في أفغانستان، والعراق، وليبيا، وسوريا.
ويقول غولدبيرع إن الرئيس أوباما "يُسأل، وفي كثير من الأحوال يُسأل بقسوة، عن الدور الذي يلعبه حلفاء أميركا من السنّة لإثارة الإرهاب المناهض للولايات المتحدة، ويبدو جلياً أنه مستاء من العقيدة السياسية الخارجية التي تجبره على التعامل مع السعودية على أنها دولة حليفة للولايات المتحدة".
وتقول الصحيفة البريطانية تعليقاً على ذلك إنه "من المستغرب أن ذلك التحول في السياسة الخارجية للولايات المتحدة استغرق وقتاً طويلاً قبل تنفيذه. فبعد أيام قليلة من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، اكتشفوا أن 15 شخصاً من أصل 19 شخصاً نفذوا العملية كانوا سعوديين، كما أن أسامة بن لادن وممولي العملية كانوا أيضاً سعوديين. رغم ذلك، استمرت الولايات المتحدة في التعامل مع السعودية وتركيا وباكستان والإمارات الخليجية الأخرى كما لو كانوا قوى عظمى، وفي ذات الوقت أوضحت الشواهد أن قوتهم الحقيقية محدودة وكذلك ولاءهم للغرب".
وأضافت أنه "على الرغم من وضوح المشهد الذي بيّن أن الولايات المتحدة لن تهزم طالبان طالما استمرت باكستان في دعمها وتقديم ملاذ لها، فإن الولايات المتحدة لم تواجه إسلام أباد في هذا الأمر".
ووفقاً لما نقلته الصحيفة عن غولدبيرغ، فإن أوباما "سئل في السر عن السبب وراء اعتبار باكستان، التي يراها هو نفسه بلداً مختلاً بصورة كارثية، حليفاً للولايات المتحدة في العموم".
آمال في أردوغان
وفي السياق ذاته، كان لدى الرئيس الأميركي آمال في الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لكنه صار يعتبره منذ فترة حاكماً استبدادياً ذا سياسات فاشلة.
وتقول الصحيفة إن السمة الأبرز بسياسة الرئيس أوباما الخارجية هي التعلم من الإخفاقات والأخطاء معتبرة أن هذا هو الفارق الأكبر بينه وبين الموقف في بريطانيا حيث لا يزال رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون يدعي أنه فعل الصواب بدعمه للمعارضة المسلحة التي أطاحت بالرئيس معمر القذافي في ليبيا، بينما يرثي "جورج أوزبورن" رفض البرلمان التصويت لصالح ضرب سوريا في 2013.
وليس من المستغرب أن الرئيس أوباما أظهر شبه ازدراء لكاميرون والرئيس الفرنسي وقتها نيكولا ساركوزي اللذين لعبا دوراً رئيسياً في مطالبة الناتو بشن حملات جوية في ليبيا.
وقد ذهبت الولايات المتحدة جنباً إلى جنب مع فرنسا بعد حديث الرئيس ساركوزي عن ثمن الدعم الفرنسي، لكن الرئيس أوباما قال إن بلاده "أزالت الدفاعات الجوية ونصبت البنية التحتية بصورة كاملة" من أجل التدخل.
ومع كل هذا فإن الولايات المتحدة تعمل بكد من أجل تجنب الأخطاء التي ارتكبتها بالعراق في عام 2003. ويعترف أوباما أن "ليبيا الآن في فوضى" كما يصفها سراً بـ "العرض المقزز"، وهو الأمر الذي يلوم عليه سلبية حلفاء الولايات المتحدة والانقسام القبلي في ليبيا.
وبعد ثلاث سنوات، اعتبر أوباما أن سقوط ليبيا في الفوضى وفي قبضة أمراء الحرب، ما هي إلا رسالة تحذيرية له فيما يتعلق بالتدخل العسكري في سوريا، حيث يرى تماماً أنها ستكون تكراراً للكارثة الليبية.
ولم يكن لسابق الأحداث الفاجعة التي حدثت في ليبيا أي تـأثير على كاميرون أو فيليب هاموند وزير الخارجية البريطاني، اللذين واصلا الدفاع عن التحرك العسكري مستخدمين الحجج التي تخلى عنها الرئيس الأميركي باراك أوباما بعد أن أفقدتها الأحداث مصداقيتها، فضلاً عن كونها محاولات ذات مصالح شخصية يسوقها الآخرون من أجل الركوب على ظهر القوة الأميركية.
هل تعيد كلينتون السياسات القديمة
وتقول الصحيفة إن الأمر سيصير أكثر وضوحاً بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر القادم، عندما يظهر مدى صواب الخطوة الواقعية التي اعتبرت أن أوباما اتخذها تجاه السعودية، وتركيا، وباكستان، وحلفاء الولايات المتحدة الآخرين، بالإضافة إلى تشكيكه في نجاعة السياسة التي تنتهجها مؤسسة الخارجية الأميركية، عندما تقرر ذلك الإدارة الجديدة للولايات المتحدة. والبشائر ليست جيدة، حيث دعمت هيلاري كلينتون غزو العراق في 2003، وأيضاً التدخل في ليبيا في 2011، كما دعمت ضرب سوريا في عام 2013. فيبدو أنه إن فازت كلينتون، سيتنفس الجميع الصعداء، بما فيهم البيت الأبيض، والسعوديون، فضلاً عن مؤسسة السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
-هذه المادة مترجمة بتصرف عن صحيفة The Independent البريطانية.
للاطلاع على المادة الأصلية، يرجى الضغط هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق