السندريلات الحافيات
أحمد عمر
سألت نوري، وكان قد روى لي قصة حبه التي سحرَ فيها ابنة عمه بتعاويذ السحر والشعوذة، وغرّر بها: ألم تحب أخرى غيرها؟ ألم تنقّل قلبك حيث شئت من الهوى؟ ألم تخطب بعدها، يا ثمالة روحي؟
قال: خطبت الكثيرات، يا خال، أنا لست قيس ليلى، حتى أخلص للحبيب الأول، ولست من قبيلة.. ما اسمها؟
ـ بني عذرة.
ولا أدعو الراقصات، وتنسى يتيمة ركبت يقطينة يجرّها أربع فئران حذاءها في غرفتي، ثم أبحث في سوق الصالحية عن صاحبة المقاس. الحذاء هو قلبي، يا خال، ودقّ على صدره، مثل كينغ كونغ غاضب، وهو يعشق كل جميل، كما تقول الخالة أم كلثوم، معقول في كل المملكة ليس من عروسٍ تناسب قدمها مقاس الحذاء، هل أكلت سندريلا فلقة عند فرع المخابرات؟
قلت له: يانوري، الحذاء مسألة عاطفية ورمزية وثقافية، ويقال إنّ القصة أصلها صيني، والصينيون يحبّون المرأة من أول قبقاب.
ضحك نوري، وتابع: المشكلة أني كنت، كل مرة، أخطب فيها أكتشف أنّ خطيبتي معاقة، وعاهة.
استغربت وفتحت فمي وصبرت، حتى لا أفسد الحكاية، أسوأ ما يفعله المستمع هو أن يعطل بهجة الحكاية.
تابع: خطبت صبيةً اسمها جلنار، قصيرة وسمينة وحلوة، أحب البنات المائلات للسمنة من غير إفراط، العبلاوات خال، ومعها شهادة جامعية سميكة، وعندي عقدة من الشهادات. المهم أنها رضيت بي، ولعل السبب هو قلة الشباب في البلد، ونزوحهم إلى أوروبا، أو استشهادهم تحت الأنقاض، أو تحت التعذيب.
قلت: لكنك موهوب بمواهب كثيرة، مثل القوام الرشيق والوسامة والمهارات. ثم إنك مسبّع كارات، يا ثمالة روحي.
شكراً يا خال؛ ألبستها الخاتم، لكني اكتشفت مسألةً مرعبة، هي أنها مشلولة اليد اليسرى، هي بيد واحدة، يا خال، وشبه صماء أيضاً.. وهذه كارثة.
أما الثانية، فكانت صبية أجمل من جلنار، ونحيفة، للقرمشة خال، واسمها كلزار، وفيها سمرة رائعة، بطعم الشوكولاتة والكاكاو، ومعها شهادة أدب إنجليزي، وكانت مصابة بالمرض نفسه، شلل في اليد اليسرى، وصمم جزئي.
فتحت فمي متعجباً، أتكون مياه البلاد ملوثةً بمواد كيماوية سامة، ونحن لا ندري! معقول يا نوري!
ـ صبرك يا خال..
كانت الثالثة أخت بنت عمي، يعني بنت عمي الصغرى التي حكيت لك قصتها، فاشلة مثلي دراسياً، معها شهادة ثانوي أدبي، وطبعاً هي من أثر المحبوب، فخطبوها لي، ورضيت أمها الحيزبون، ولبسنا الخواتم، واشترينا لها نصف كيلو ذهب، وصرت على الحديدة، من شدة الحب وتحت الأنقاض. ويقولون إن النساء مضطهدات، ويطالبوننا بالمساواة، ونحن نخدمهم بعيوننا وعرق جباهنا. نعم، يا خال، المصيبة نفسها، شلل في اليد اليسرى وصمم جزئي، وفوقها: نسيان دائم.
- غير معقول، يا نوري، هذه مصادفات لا تحدث حتى في حكايات ألف ليلة وليلة، تخطب ثلاث بنات، ويطلعن مشلولات اليد، وبهن صمم جزئي.
- قال: والأنكى أنّ ابنة عمي طلعت شبه عمياء، وسقطت في حفرة، وهي الآن مكسورة في المستشفى، وتحت أنقاض الوجع.
- الحب أعمى، يا نوري.. لكن، كيف لم تنتبه إلى عيوبهن؟ في الحكايات سرٌّ عجيب، ومصادفات غريبة.
ـ سأكشف لك السرَّ بعشرة سندويشات شاورما سورية.
ناولته مائة ليرة تركية، فنزل فوراً، وجاء محمّلا بالسندويشات مع اللبن والمقبلات، فسألت ملهوفاً: هات خبّرنا يا حضرة القلب السندريلا..
- مع الشاي، يا خال .. من أجل التشويق والإثارة.
- حرقت معلاقي؟ انطق بالسرِّ المقدس.
- البنات الثلاث كنّ مصابات بمرض الفيسبوك، بطاعون مارك زوكربيرك، لا يرفعن عيونهن عن الموبايل. أناديهن، فلا يسمعن بسبب السماعات، واحدة تضع لي الملح بالشاي بدلاً من السكر.
والثانية، لا أستطيع أن أكلمها إلا عبر خيوط العنكبوت "وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُون".. منفى كوني وطاعون، يا خال، مثل زيكا وإيبولا.. طاعون اسمه فيسبوك. "كيفك فيا خال". وغمزني غمزة حقيقية غير فيسبوكية، وغادر العشة.
ظنّ نوري إنه إنما خدعني، والحق أنه أكسبني ثواب إطعامه، وخلّف وراءه حذاء سندريلا العصر والأوان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق