قادة إيران بين كلام السياسة والحشد المذهبي
ياسر الزعاترة
في إيران خطابان، الأول ذلك الذي يُوجَّه إلى الخارج، ويتحدث عن الممانعة والوحدة وأميركا وإسرائيل، وعادة ما يُستخدم في بعض وسائل الإعلام التابعة للمحور، أو في اللقاءات التي يتابعها الخارج، أو التي يحضرها أناس محسوبون على أهل السنّة.
أما الثاني، فهو الخطاب الذي يُوجَّه للداخل، وأحيانا لبعض الأتباع في ساحات المعارك أو اللقاءات الخاصة.
من الصعب القول إن مبدأ التقية يفعل فعله هنا، ففي زمن الإعلام المفتوح لم يعد بالإمكان إخفاء الكثير، أما الرأي الآخر فيقول إن هذا الإفصاح لم يعد عفويا، ذلك أن الحشد المذهبي بات مطلوبا بقوة؛ إن كان لاستخدامه في صراع الداخل بين الإصلاحيين والمحافظين، أم في سياق حشد الغالبية الشيعية الموجودة خارج إيران، وحيث يعرف الجميع أن في العالم من الشيعة، ما يفوق عددهم في إيران.
أيا يكن الأمر، فنحن إزاء خطاب مسكون باستعادة ثارات التاريخ، ويحفزه غرور قوة يبث قناعة بأن الوقت قد حان لاستعادة ثأر علي مع الصحابة الذي «سرقوا» منه «الإمامة»، و «ضربوا زوجته وأسقطوا حملها» (السيد فضل الله رحمه الله رفض هذه القصة، ويرفضها غيره)، فضلا عن ثأره مع معاوية، وبعد ذلك يزيد مع الحسين، ثم ما تبع ذلك من قرون طويلة سرَق السنّة خلالها الولاية من الشيعة، وصولا إلى صدام حسين (هذا ما يتردد)!!
أيا يكن الأمر، فالخطاب المذهبي الذي يُستخدم من قبل قادة كبار في إيران ينطوي على بُعدين؛ يتعلق الأول بالاستفزاز الرهيب لغالبية الأمة، من أهل السنّة الذي يشكلون 90 في المئة من المسلمين، فيما يتعلق الثاني بالوهم الذي يتلبس أصحابه، ويقنعهم بإمكانية القفز على حقائق التاريخ والجغرافيا، وصولا لتركيع الغالبية، وربما تغيير مذهبها أيضا!!
بين أيدينا حشد هائل من التصريحات التي تنتمي لهذا اللون من الخطاب، لكننا سنتوقف فقط عند تصريحين جديدين.
في الأول يقول قائد القوة البرية للحرس الثوري العميد محمد باکبور؛ إن «شهداءنا قطعوا آلاف الکيلومترات خارج حدود البلاد لمواجهة أعداء أهل البيت». وما على القارئ، لكي يتذكر حجم هذه الهرطقة سوى تذكّر سوريا، وصلة القتال فيها بأعداء أهل البيت!!
(هل كان الشعب السوري بثورته ضد طاغية فاسد يريد استهداف أنصار أهل البيت (من يعاديهم أصلا؟!).
التصريح الثاني يبدو أكثر إثارة، وهو هنا لقائد قوات «الباسيج» التابعة للحرس الثوري؛ محمد رضا نقدي، حيث قال إن مئات الجنرالات في الحرس الثوري جاهزون للذهاب وخوض المعارك بسوريا ولن يكرروا «خطأ الحسن بن علي بالصلح مع معاوية».
وأضاف نقدي «لو كان الحسن يمتلك قوة خامنئي لما وقَّع ذلك الصلح المشؤوم، ولذا فنحن اليوم نرفض الأصوات التي تقول بأن هذه المرحلة تشبه مرحلة الصلح بين الحسن ومعاوية..»
وقال نقدي في احتفال للطلبة الثوريين وقادة «الباسيج» إن «الحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق أفضل من أصحاب الحسن في تلك المرحلة، ولو كانوا مع الحسن وقتها لما تصالح مع معاوية ولكان موقفه السياسي أقوى».
كيف يمكن الرد على من يستعيدون ثارات التاريخ على هذا النحو؟ وبماذا يختلفون عن أولئك الذين جاؤونا من أصقاع الأرض ليحتلوا فلسطين بدعاوى توراتية؟!
واللافت أن كليهما يلتقيان في خطاب الاتهام لمن يرفض منطقهما. ذاك يتهمه باللاسامية، وهذا بالطائفية!!
يا قوم: اتركونا من ثارات التاريخ (تلك أمة قد خلت)، وكفوا عدوانكم، وتعالوا نتعايش بسلام، بدل هذا الحريق الذي أشعلتموه وها هو يأكل الأخضر واليابس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق