الأحد، 3 مارس 2013

الشيعة .. ليست مذهبًا فقهيًا خامسًا


الشيعة .. ليست مذهبًا فقهيًا خامسًا





محمد إسماعيل المقدم


يتحمل المسلمون المسئولية بالدرجة الأولى عن كثير من مشكلات عالمنا الإسلامي في القديم والحديث، حين يسمحون للخلايا الخبيثة بأن تنمو وتزدهر، حتى تتحول إلى سرطان خطير يوشك أن يهد جسدنا الإسلامي من داخله.

إن حُسن النية وترك حبل التسامح إلى مداه والظن الحسن الذي يصل إلى حدّ الغفلة، كثيراً... ما أعطت الفرص الذهبية لأعداء الإسلام كي يهددوا حصوننا من داخلها.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سيأتي على الناس سنوات خدّاعات، يكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة " قيل: وما الرويبضة يا رسول الله؟ قال: "التافه يتكلم في أمر العامة" .

ما أصدق هذا الحديث على واقعنا بعامة، وعلى موقف بعض المسلمين من الرافضة بخاصة، الأمر الذي يعكس شدة غربة الإسلام في هذا الزمان وتفشي الجهل، وقلة العلم.

الحديث عن عد الشيعة الإمامية "مذهبًا فقهيًا خامسًا" أحد الشعارات الكاذبة المضلة التي تفتن الناس عن دينهم، وتسهل الطريق للغزو الرافضي الفكري، وهي أحد الأفكار الملغمة التي تهدف إلى نسف منهج النبوة، كي يبني على أنقاضها أساطير الرافضة وخرافاتهم، من وراء ستار التقريب.

إن التقريب في اصطلاح الشيعة له معنى واحد لا ثاني له، ألا وهو تقريب أهل السنة إلى عقيدة الشيعة، وإذابتهم فيهم، فهو وسيلة إلى تصدير دين الرافضة ليس إلا.

وقائل هذه العبارة والمروج لها إما أنه جاهل ساذج، وإما أنه خائن مضل.

فهو جاهل بأصول دينه الذي ينتمي إليه إن كان منتسباً إلى أهل السنة والجماعة، وجاهل بدين الرافضة الذي يقوم على أصول تخالف دين الإسلام، ويكاد يكون ديناً آخر غير دين الإسلام، وجاهل بوقائع التاريخ التي تدين الرافضة بالغدر والخيانة العظمى لأمة المسلمين، وجاهل بالواقع الأليم لأهل السنة المحاصرين المستضعفين في داخل الدولة الرافضة الإيرانية وما يعانونه من تفرقة عنصرية واضطهاد، وجاهل بالوقائع المعاصرة التي أثبتت أنهم شوكة في ظهر الأمة المحمدية وما حدث منهم في أفغانستان ليس ببعيد، وكذا تحالفهم غير المقدس مع حزب البعث النصيري في سوريا.

أمّا إن كان قائل هذه العبارة يدري كل هذا فهو غاشُّ لأهل الإسلام، إذ يتغاضى عن هذه الحقائق الصارخة، ويكذب على المسلمين حين يزعم أن الخلاف مع الرافضة كالخلاف بين الحنبلي، والشافعي، والمالكي والحنفي، فهذه المذاهب وإنْ اختلفت في الفروع الفقهية العلمية، لكنها تقف جميعاً في مسائل العقيدة والتوحيد تحت مظلة واحدة هي السنة والجماعة.

إن مذهب الرافضة يشذ عن الفرقة الناجية حتى في أصول الدين، ومن أمثلة ذلك: 


1ـ طعنهم في القرآن الكريم، حيث تصرح بعض كتبهم المعتمدة بأنه حُرِّف وبُدِّل وذهب أكثره " وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُون "، وحين كانت الأندلس تحت سلطان الإسلام كان الإمام محمد بن حزم رحمه الله يناظر قساوستهم في نصوص كتبهم، ويقيم لهم الحجج على تحريفها، فكان القساوسة يحتجون عليه بأن الشيعة قرروا أن القرآن أيضاً محرف، فأجابهم ابن حزم بأن دعوى الشيعة ليست حجة على القرآن ولا على المسلمين، لأن الشيعة غير مسلمين.

2ـ رفضهم حجية السنة النبوية الشريفة، لأن رواتها من الصحابة – في نظرهم- كفرة زنادقة مرتدون عن الإسلام، وأعلام الأمة وأئمتها كذلك، ويرفضون حجية الإجماع بدعوى أن الأمة يجوز أن تجتمع على ضلالة، وأنها معصومة بقول الإمام.

3ـ غلوهم في أئمتهم إلى حد رفعهم فوق مقام الأنبياء عليهم السلام، بل إضفاء صفات الربوبية عليهم، كقول الخميني مثلاً: " إن للإمام مقاماً محموداً وخلافة تكوينية تخضع لولايتها جميع ذرات هذا الكون، وأن الأئمة علموا ما كان وما يكون، ولا يخفي عليهم شيء، وأنهم منـزهون عن السهو والخطأ، وأن لهم حرية التصرف والاختيار في تحليل شيء أو تحريمه ".

4ـ حقدهم على أبي بكر وعمر وعثمان، وسائر العشرة المبشرين بالجنة، والمهاجرين والأنصار، وسائر الصحابة الكرام الذين هم خير أمة أُخرجت للناس، وادعاؤهم أنهم ارتدوا عن الإسلام عدا خمسة منهم، وتطاولهم بالسب واللعن لهم.

5ـ عقائدهم الفاسدة في الإمامة، والبَدَاء، والرجعة، والجفْر والغيبة، والعصمة، والتقية...إلخ، وقد نصت عليها مفصلة كتبهم.

كيف يجرؤ عاقل منصف فضلاً عن سني موحّد أن يكذب على الله، ويضلل الناس بدعوى أن الشيعة الإمامية مذهب فقهي خامس، وأنهم لا يخالفوننا في أصول الدين
" سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ".

لما سُئِل علامة الشام بهجت البيطار عن جواز التعامل مع الشيعة، قال رحمه الله:
يجوز التعامل معهم سياسة واقتصاداً أسوة بالدول والشعوب التي تعاهدت مع اختلاف في الأوطان والأديان، وبالله المستعان. اهـ.

وقال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله:
القول بأن الخلاف بين السنة والشيعة في آراء لا تمس العقائد إنما يضر أهل السنة فقط، لأن ذلك معناه أن أهل السنة موافقون للشيعة في شذوذهم الذي يهدم الدين والعقيدة، ولا يعدون ذلك الشذوذ ماسّاً بالعقيدة .اهـ.

وهذا العلامة القرآني محمد الأمين الشنقيطي، وقد أتاه وفد من آيات الرافضة للمناظرة والتقريب، فبادأهم بقوله رحمه الله :
لو كنا نتفق على أصول واحدة لناظرتكم، ولكن لنا أصول ولكم أصول، وبصورة أوضح: (لنا دين، ولكم دين) وفوق هذا كله أنتم أهل كذب ونفاق".

لقد صدرت فتوى شاذة سنة 1368هـ، كانت بمثابة زلة عالِم ضلّ بها عالَم، تضمنت:
جواز انتقال المسلم المقلد من مذهب إلى أي مذهب كان، "ولو كان مذهب الشيعة الإمامية كما يفهم من صورة الاستفتاء"، وتضمنت أيضاً النص الصريح على أن " مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنة، إلى أن قال: ".. فكلهم مجتهدون مقبولون عند الله تعالى، يجوز لمن ليس أهلاً للنظر والاجتهاد تقليدُهم والعمل بما يقررونه في فقههم، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات" ا هـ.

ولا ندري لماذا لم يشر المفتي إلى العقائد وأصول الدين؟.

ومن الجدير بالذكر أن بعض علماء الأزهر قد تصدوا لفكرة التقريب، وأنكروا هذه الفتيا المذكورة، منهم مفتى مصر الأسبق الشيخ حسنين مخلوف رحمه الله.

إن عبارة " الشيعة الإمامية مذهب فقهي خامس " لها نظائر يروج فيها حلبة السياسة الماكرة، ولها آثار خطيرة يبوء بإثمها الذين تفوَّهوا بها دون علم ولا وعي، إنها دعوة إلى تبسيط ما لا يمكن تبسيطه، والتهوين من شأن مصاب جليل، وخطب جسيم، وفيها فتنة الرافضة بدينهم، إذ يرون أهل الحق يقرون ما هم عليه، ويسوونه بما أنزل الله عز وجل في قضايا الخلاف بين السنة والشيعة، وصار بديلاً عن أن يدعوهم إلى التوبة من بدعهم وضلالهم هو أن يخلعوا على مذهبهم صفة الشرعية والحجية، وفيها فتنة للشباب من أهل السنة وتغرير بهم، مما يسهل عملية انتشار سرطان التشيع بينهم، وتمرير أفكارهم المسمومة في أوساط أهل السنة التي تشكوا من ضعف بل انعدام المناعة العقيدية ضد هذه السموم، وقد يتسبب هذا في أن يُهرع العديد منهم إلى جامعات إيران بصدر رحب، وقلب مفتوح لدراسة عقيدتهم ومنهجهم ثم الانطلاق في أرجاء الأرض للتبشير بها، بعد أن أعطاهم الدعاة المذكورون الضوء الأخضر بمثل هذه المقولات.

إن الذين يصرون على تأييد الرافضة، مشاركون عمداً وعن سبق إصرار في خداع الأمة وتضليل الأجيال، لأنهم يعينون على هدم الإسلام، وأولى بهم أن يعملوا بالحكمة القائلة:
الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق