السبت، 2 مارس 2013

حلمٌ أنَّ نفكرَ جيداً


حلمٌ أنَّ نفكرَ جيداً

وقعت على وصفة تسهم في علاج أعقد مشكلاتنا، وهي: كيف نفكر على نحو أفضل.
 وقد ذكرتني بالنكتة التي تقول إن متجرا كبيرا خصص جناحا لبيع العقول، ووضع أعلى سعر لنموذج للعقل المصري، وحين سئل مديره عن السبب في ذلك كان رده أن العقول الأخرى الأقل سعرا سبق استعمالها وتشغيلها.
أما العقل المصري المعروض من خامة جيدة حقا إلا أنه لم يستخدم قط من قبل، لذلك فإن عداده ما يزال «على الزيرو»!
الوصفة تعتمد على منهج مستحدث لتعليم التفكير. وهو مستحدث عندنا فقط لأن مثل هذه المناهج بدأ تطبيقها في عام 1967، عام «النكسة» عندنا الذي جسد أزمة الحاجة إلى التفكير والتدبير. إلا أن خطاها تسارعت منذ عام 1985 حتى أصبحت معتمدة ومطبقة في 57 دولة، آخرها جمهورية الدومينيكان (إحدى دول البحر الكاريبي).
الفكرة نقلها إلى مصر خبير حصل على شهادة من جامعة اكسفورد بإنجلترا، باعتماده مدربا في مناهج تعليم التفكير، هو الدكتور المهندس شريف الهجان، الذي أشهر مؤسسة في مصر لهذا الغرض.
وعرض المشروع على وزير التربية والتعليم في مصر، ورئيس الأكاديمية المهنية للمعلمين. وقد تحمس الاثنان له، وهو الآن بصدد ترجمة مادته العلمية إلى اللغة العربية.
فكرة المشروع ترتكز على المنطلقات والمعطيات التالية:
- هناك حاجة ملحة إلى تعليم التفكير الجيد. ذلك أن التفكير الذي نمارسه كل يوم كالمشي العادي الذي يقوم به كل فرد. أما التفكير الجيد فهو مثل الجري لمسافة مائة متر أو مثل السباحة أو قيادة السيارات، بمعنى أنه إنجاز تقني يتسم بالبراعة. صحيح أن التفكير غريزة فطرية لدى الناس جميعا، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن كل تفكير جيد في محصلته. علما بأن التفكير الجيد لا يتوافر للفرد بصورة تلقائية وإنما لا بد من تعلمه واكتسابه المهارة فيه. وإذا كان كثيرون لا يحسنون التفكير فإن ذلك لا يرجع إلى أنهم يفتقرون إلى الذكاء. ولكن لأنهم لم يتعلموا التقنيات الخاصة بطرق التفكير الجيد.
- إحدى أبرز أوجه القصور في نظامنا التعليمي أنه لا يحرك عقول التلاميذ ولا ينمي لديهم ملكة التفكير. فهم غالبا ما يتخرجون، وهم لا يملكون سوى ما أدخل إلى عقولهم من أوامر وتعليمات. ولذلك فإنهم يظلون بحاجة إلى اكتساب مهارات التفكير من خلال إدخالها ضمن مناهج التعليم.
- الأسباب التي تدفع إلى تعلم تحسين التفكير متعددة. أبرزها المنفعة الذاتية للمتعلم نفسه، حيث يزود بما يساعده على خوض مجالات التنافس بشكل فعال في عصر ارتبط فيه التفوق بمدى القدرة على التفكير الجيد. منها أيضا المنفعة الاجتماعية العامة. ذلك أن اكتساب مهارات التفكير الجيد يجعلنا ننظر بعمق إلى مشاكل المجتمع، كما أنها تساعد على التقارب بين الأفراد والتفاعل معهم. كما أن التفكير الجيد يساعد على تحسن الصحة النفسية لأن الذين يكتسبون مهاراته تصبح لديهم قدرة أكبر على التكيف مع الأحداث والمتغيرات التي تحيط بهم.
- البرنامج المعد يغطي مظاهر التفكير المختلفة، كالتفكير الإبداعي والنقدي، ويركز على التدريب على استخدام أدوات خاصة تساعد على تنمية القدرات الذهنية.
وقد بينت الدراسات التي أجريت على نتائج تطبق في المدارس أفاد المعلمون أنهم لاحظوا تطورات إيجابية في حلقات المناقشة بين التلاميذ، منها:
  •  زيادة الرغبة في الإصغاء للآخرين
  • نقص التمركز حول الذات
  •  زيادة القبول التسامح مع الآخرين
  • تناقص الابتعاد عن صلب الموضوع ــ
  • زيادة الرغبة في التفكير في الموضوعات الجيدة بدلا من رفضها
  •  التوجه نحو الاستكشاف بدلا من نقص الأفكار أو الدفاع عنها.
في التقارير التي أعدت عن المشروع تبين أن الذين استفادوا منه أشخاص من مختلف درجات الذكاء، ومن مختلف الأعمار، من سن ست سنوات إلى 90 سنة.
 كما استفاد منه عمال أميون في جنوب أفريقيا وعدد من مديري الشركات العالمية الكبرى. وبعض من فازوا بجائزة نوبل، إضافة إلى فرق لكرة القدم وعازفون في أوركسترا موسيقية.
سألت الدكتور شريف الهجان عن الخطوات التنفيذية للمشروع، فقال إنه بعد الانتهاء من ترجمة المادة العلمية سيقوم بتدريب 40 مدرسا.
وسيتولى هؤلاء تدريس المنهج في 40 مدرسة، كما سيقوم كل منهم في نفس الوقت بتدريب 30 مدرسا، ليصبح العدد الكلي في نهاية العام الدراسي 2013 ــ 2014 حوالي 1200 مدرس.
 وفي هذه الحالة يفترض أن تدخل المناهج كل مدارس مصر في غضون سنتين أو ثلاث.
حتى إذا كان الرجل يحلم فلا غضاضة في ذلك، لأن الكثير من حقائق العصر بدأت أحلاما.
 لا أستطيع أن أختم قبل أن أبوح بسؤالين يلحان عليّ هما:
كيف يمكن أن نلزم بعض كبار المسؤولين في البلد بحضور دروس في التفكير الجيد؟ ثم هل سيمتد بنا العمر حتى نشهد ثمار ذلك الجهد؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق