من يدفع فاتورة سياحة تسويق الانقلاب؟
وائل قنديل
لم تطلب ثورة ٢٥ يناير من أحد، إن فى الداخل أو بالخارج، أن يتغزل فيها، شعرا أو نثرا، لم تستجد أحدا أو تتسول منه اعترافا بكونها ثورة، بل وجد القاصى والدانى الكلام يتدفق من الألسنة اعترافا وتقديرا وإعجابا وانبهارا دون تدخل من أحد.
لم نسمع أن كل قبيلة فى الثورة اختارت منها فتى جلدا وأوفدته على ظهور البعير والخيل إلى العالم الخارجى محملا بالهدايا لكى يقنع الناس هناك بأن ما جرى فى مصر ثورة أسقطت نظاما مستبدا وفاسدا خنقها طوال ثلاثين عاما.
من هنا تأتى الدهشة من مسلك الرئيس المؤقت القادم إلى القصر بقوة السلاح حين يجمع عددا من شباب انقلاب ٣٠ يونيو ويكلفهم بالسفر إلى أوروبا وأمريكا فى بعثات طرق أبواب لإقناع الدوائر الغربية بأن إقدام القوات المسلحة على عزل واختطاف وإخفاء أول رئيس ينتخبه المصريون انتخابا حرا مباشرا ليس انقلابا عسكريا وإنما ثورة.
لكن الدهشة تتضاعف من رد فعل الشباب الذى استبدل سترات ٣٠ يونيو الكاكى بأردية ٢٥ يناير البيضاء البسيطة، وتحولهم بلا مقدمات إلى مشاريع أبواق لتجميل وجه الديكتاتورية العسكرية، ومصفقين لأبشع عملية وأد لديمقراطية وليدة فى مصر.
وهنا سؤال أكثر أهمية: من الذى سوف يتحمل نفقات تجوال سفراء الانقلاب فى أرض الله الواسعة؟
ما الذى يجبر الذين عرفهم الناس وجوها ثورية على التحول إلى مندوبى ومندوبات تسويق، على طريقة مروجى «التايم شير» والسلع مجهولة المصدر على النواصى وفى الحوارى والأزقة؟
وأية ثورة هذه التى تتسول شهادات صلاحية من الخارج والداخل، وتمد يدها تتلقط ما يجود به المتخمون بالثروة دون أن تصاب بقشعريرة الخجل؟
إن أحدا لم يطرق باب باراك أوباما فى فبراير ٢٠١١ لكى يقول: يجب أن نربى أبناءنا ليصبحوا كشباب مصر، كما أن أحدا لم يطلب من رئيس وزراء ايطاليا أن يعلنها مدوية «لا جديد فى مصر فقد صنع المصريون التاريخ كالعادة».
أيضا لم ينتظر ستولتنبرج رئيس وزراء النرويج من يذهب إليه ليلقنه عبارة «اليوم كلنا مصريون».
... كما أن هاينز فيشر رئيس النمسا لم يكن فى حاجة لكى يسمع من مبعوثى السلطة العسكرية ما يجعله ينطق «شعب مصر أعظم شعوب الأرض ويستحق جائزة نوبل للسلام».
ويكفيك أن تقارن بين طلاقة لسان ديفيد كاميرون رئيس وزراء انجلترا فى وصف يناير ٢٠١١ بالقول «يجب ان تدرس الثورة المصرية لطلابنا» وبين تلعثم وليام هيج وزير خارجية بريطانيا وتصببه عرقا واكتساء ملامح وجهه بالخجل وهو يتحدث عن يونيو ٢٠١٣ لتدرك بجلاء الفرق بين شموخ الثورة وخزى الانقلاب.
باختصار كانت ٢٥ يناير ثورة كرامة، وإبداعا حضاريا وثقافيا مبهرا، فاخترقت الوعى العالمى وتغلغلت داخل الوجدان الإنسانى دون افتعال أو استدرار للعطف، وسعى العالم المتحضر لكى يلتقط لنفسه صورة معها، ولم تقف هى على الأبواب تتسول العطف والإحسان.
لقد وصلت الصورة واضحة للعالم دون حاجة إلى نفقات باهظة من ميزانية دولة منهكة بالعوز، رغم الحصار المفروض على قنوات فضائية تحاول التشبث بالمهنية والاحترام، ورغم ارتداد الإعلام المصرى إلى عصر «الشارلستون» ويكفى فقط أن تلقوا نظرة غلاف مجلة «تايم» الأخير لتطالعوا وجوهكم المنقلبة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق