هل يستوجب التكفير القتال؟
ياسر الزعاترة
في مدينة قُــم الإيرانية عقد قبل أسابيع مؤتمر حول خطر التيارات التكفيرية. وفي الخطاب الإيراني وتجلياته في عموم المنطقة حديث يومي عن التكفيريين وخطورتهم، فهل الظاهرة التي نحن بصددها في المنطقة ذات صلة بالتكفير أو بالسياسة وظروفها وتبعاتها؟
في سوريا على سبيل المثال اقتتلت جبهة النصرة مع الدولة الإسلامية، وترى الأولى الثانية «من الغلاة»، لكن المعركة الأشد تجري بين جبهة النصرة وبين حزب الله في القلمون ومحيط دمشق أيضا، فأين التكفير هنا؟
في لبنان، لا يقول عاقل، إن القوى الإسلامية لا ترى المسيحيين كفارا (كذلك المسيحيين يرون المسلمين كفارا أيضا، وكل الأديان لها ذات الموقف من بعضها البعض، واحيانا المذاهب ضمن إطار الدين الواحد)، فلماذا أعلنت بعض القوى الإسلامية حربها على حزب الله تحديدا، وليس على عموم الشيعة أو على المسيحيين؟
لماذا لم تسجل في دول عديدة مثلا أية أعمال عنف ضد مواطنين مسيحيين من قبل أنصار «الدولة الإسلامية»، لا ضد كنائس ولا سواها، مع أن ذلك متاح بكل بساطة؟
إن التكفير لا يستدعي القتال في غالب الأحيان، وإلا لبقيت الحروب مستمرة طيلة القرون؛ بين الدول وداخل القطر الواحد بين الأقليات التي تكفر بعضها بعضا، ولما بقيت أقليات تتعايش فيما بينها، أو مع أغلبية هنا وهناك.
إن حشر ما يجري في إطار سؤال التكفير لا يختلف في شيء عن سؤال جورج بوش ذات يوم: «لماذا يكرهوننا؟»، والذهاب نحو إجابة ساذجة تقول، إنهم يكرهون ديمقراطيتنا ورفاهنا. إلى آخر هذا اللون من الخطاب البائس.
إن التكفير لا يستدعي القتال بالضرورة، وما يصنع أجواء القتال شيء مختلف، وهنا في الحالة الراهنة تهرب إيران من سؤال لماذا يندلع العنف في سوريا والعراق؟، ولماذا صارت إيران عدوا لدودا في عرف الغالبية الساحقة من أبناء الأمة؟، تهرب نحو حكاية التكفير لأنها لا تريد الاعتراف بحقيقة أنه رد على عدوانها في سوريا ودعمها للسياسات الطائفية في العراق، وكذلك غطرسة حزب الله في لبنان، والآن ما جرى ويجري في اليمن.
تنظيم القاعدة كان يتبنى الفكر السلفي، والأخير في العموم يكفّر الشيعة، فيما يرفض بعض رموزه تكفير عوامهم بالجملة، لكن التنظيم لم يعلن حربا على إيران، بل أعلن حربا على أمريكا لأسباب سياسية أوضحها للجميع، وليس لأن أمريكا مسيحية، وفي مرة سأل أسامة بن لادن: «لماذا لم نستهدف السويد مثلا؟»؟
لو كانت الحرب في سوريا بين أعداء أمريكا والصهاينة، وبين حلفائهم لتمكنت إيران من استجلاب سنّة يقاتلون معها، لكنها لا تستجلب في المقابل إلا مليشيات شيعية، من دون أن تعدم نخبا يسارية وقومية تردد نظريتها (كلاما فقط) لاعتبارات حزبية، وأحيانا طائفية من أناس ينتمون لأقليات أخرى يبدو أنهم اقتنعوا بحكاية تحالف الأقليات (طبعا ضد الغالبية).
نفتح قوسا هنا لنشير إلى أن لغة التكفير في الوسط الشيعي (دعك من الكلام الوحدوي المعلن) تبدو أكثر بكثير من الوسط السني، وإذا كان البعض يصف الشيعة بالروافض، فإن مصطلح النواصب معروف ويتردد بشكل يومي، فيما يرى كثير من العلماء الشيعة أن الإيمان بالولاية هو من أركان الإسلام، وليس من أركان المذهب كما رأى السيد محمد حسين فضل الله رحمه الله.
الخلاصة أنها حرب سياسية وليست دينية، وكما يستخدم الإيرانيون وحلفاؤهم الحشد المذهبي في سياق دفع الشبان للقتال في سوريا والعراق، فإن الطرف الآخر يستخدم ذات الحشد لدفع الشبان نحو القتال أيضا.
خلاصة القول، إن التكفير ليس هو المشكلة، إذ بوسع كل أحد أن يرى الرأي الذي يريد، لكن العدوان والتحريض هو المشكلة، وفي الحالة الراهنة، فإن ما يجري هو نتاج عدوان إيراني يجب أن يتوقف، وبعد ذلك يمكن التعايش بصرف النظر عن رأي كل طرف بدين الآخر أو مذهبه؛ وبمصيره في الآخرة؛ أكان إلى الجنة أم إلى الجحيم.