الاثنين، 29 ديسمبر 2014

لا دولة في مصر.. يوجد أرز بلبن

لا دولة في مصر.. يوجد أرز بلبن


محمد طلبة رضوان

هل سمعت التسريبات؟، مدير مكتب السيسي يقول عن 37 شهيدًا تفحمت جثثهم “الحاجة وتلاتين” واحد، الشخص نفسه في تسريب آخر يتأسى على “الناس” الذين ظلمتهم ثورة يناير لمجرد تورطهم مع جمال مبارك في بعض المشروعات، ومنهم ابن الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، والذين سيظل “مصيرهم” معلقًا 4 سنوات في المحاكم.

الشهداء=حاجة

أبناء الباشوات=الناس.

** ** **

يمكنك أن تدرك كيف ينظر رجالات الدولة إلى كل “الشهداء”، من أبنائنا الذين سقطوا في ثورة يناير، وماسبيرو، ومحمد محمود، ورابعة، والعباسية، ومجلس الوزراء، والنهضة، والمنصة، ورمسيس، والحرس الجمهوري، كلهم “حاجات”.

فيما يظل الخدش الذي يصيب نفسية أحد أبنائهم، “ظلمًا”، “ومصيرًا”، ربما يكشف لك ذلك عن بقية المعادلات “الوطنية” في مصر:

الثوار=عملاء وخونة وطابور خامس

الفلول=رموز وطنية

التزوير=إجراءات لا تخص المواطن

الاعتقالات=لا يوجد

إعلام رجال أعمال دولة مبارك=الإعلام الوطني

تسيس القضاء=القضاء الشامخ

بدو مصر=خونة

العساكر=أنفار

إذن، القتل=حماية الدولة.

** ** **

هل يمكننا إعادة تعريف الشعب في ضوء القاموس المفاهيمي للسادة حكام البلاد، ماذا يمثل المواطن المصري، وبيته، وعياله، وخبزه، وحريته، ومستقبل أسرته؟

هل يحق لنا أن نسأل عن هذا المواطن، أين هو، هل سمع مثلنا التسريبات، ما موقفه، هل يراها لا تخصه، أم يرى أن الاستقرار أهم من الخبز، ومن العدل، ومن سيادة القانون؟

هل سمع التسريبات أنصار نظرية “الحفاظ على الدولة”، هل سمعها المخرج خالد يوسف الذي كان يتندر في مناظرته مع شاعر الثورة عبد الرحمن يوسف بعد الانقلاب العسكري بالنائب العام الملاكي -بوصفه- الذي جاء به مرسي، ويبشر بمصر الحرية التي تخلصت من تنظيم الإخوان المجرم، هل سمعها يحيى حسين، عبد الجليل مصطفى، مصطفى حجازي، هل سمعتها فريدة الشوباشي، سكينة فؤاد، هل لفتت نظر واحد من هؤلاء الذين ضحوا بكل شيء من أجل بقرة الدولة المقدسة؟ ما رأيهم جميعًا، هل ثمة دولة حقيقية بمصر؟

مدير مكتب السيسي يتحدث مع مساعد وزير الدفاع الذي يعده بأنه سيتصل بالقاضي الفلاني ويكلمه بشأن القضية الفلانية، تقول الأسطورة: إن القضاء مستقل، وشامخ، وعادل، وسلطة ، وأحكامه عنوان الحقيقية، ويقول التسريب: مساعد الوزير، العسكري، يصدر تعليماته لقاض.

لا تبتسم.. أنت في مصر.

** ** **

هل رأيت علاقة أجهزة الدولة بعضها ببعض، أرز بلبن، هل رأيت العسكر والقضاة، مكتب السيسي والنائب العام، هيكل ومكتب السيسي، الشهداء ومن فوضناهم لحماية حقوقهم؟

هل رأيت قوة الدولة المخترقة من حدودها حتى مكتب السيسي؟

هل رأيت القضاء الذي يسجن الثوار ويمنعهم من السفر بتهمة إهانة القضاء؟

هل رأيت دولة القانون، وسيادة القانون؟، كم وترًا في القانون؟!

** ** **

في الغالب، مصر بلد لا تنكشف فيه الأسرار الخاصة بالدولة بسهولة، عشرات السنين قد تمر دون أن يحسم الناس أسئلة سهلة من نوعية كيف مات المشير عامر، منتحرًا، أم مقتولًا، من قتل السادات… إلخ.

وإذا كان حجم المتحصل عليه حتى الآن من التسريبات يشكل كارثة بالمعنى الحرفي، لمفاهيم: الدولة، وقوتها، وسيادة القانون، واستقلال القضاء، فما خفي أكثر كارثية، كمًا وكيفًا، فماذا لو انفتح الصندوق الأسود للدولة المصرية؟

** ** **

في تسريب سابق، يعترف أحدهم بالتزوير، بشكل واضح، ثم يقول إنه قائم لصلاة العشاء، في تسريبات قناة الشرق بالأمس، كلام عن الوضوء والصلاة، الجنرالات يصلون إذن، صفة صلاة الجنرالات، تحتاج بدورها إلى تسريبات، أرونا كيف تفعلونها، قبل القتل وبعده، قبل التزوير وأثنائه، بعد الحصول على الرشوة، وقبل إنفاقها؟

الجنرالات يتعاملون مع الله بوصفه صاحب مصلحة هي صلاة ما إن يتحصل عليها حتى يدين لهم بالولاء، يجدون في أزهرهم من يفصل لهم إلهًا ساذجًا، “غلبان”، يبعث بالرؤى المتواترة لتأييد الحكم العسكري، يصدقون، كنا نستبعد ، إلا أنه يبدو بالفعل أنهم يصدقون، الله معهم إذن.

يحق للناس أن يكفروا، أن يلحدوا، أن يجنوا، خاصة إذا كانوا من أصحاب “الحاجات”.

** ** **

التسريبات والسكتة الجرائدية

التسريبات والسكتة الإعلامية

التسريبات والسكتة المنابرية

التسريبات والسكتة الكنسية

التسريبات والسكتة القضائية

التسريبات والسكتة الرئاسية

التسريبات والسكتة الشعبية

التسريبات والسكتة الثورية

الجميع ساكت.. ساكت.. ساكت.. شياطين خرس، أكثر، أسفل، أقذر، أي قوة تلك التي تحول بينهم وبين كلمة، بوست، تويتة، أي وجه اعتراض من أي نوع، تنفيسة، طق حنك، فش غل، أي شيء، أي حاجة.

أتذكر المليجي العظيم: وعايزني أكسبها؟

** ** **

على مقهى في وسط البلد بالقاهرة الآن، يمكنك أن تسمع حوارات حول الأهلي والزمالك، برامج الجن والشياطين، والجنس والشذوذ، وزنا المحارم، لكنك لو أرهفت السمع قليلًا مثل كثير من المخبرين المجاورين لك ربما سمعت أحدهم يقول لصاحبه: شفت التسريبات؟، فيرد الآخر: عادي بقى!

شاهد آخر التسريبات:
الجزء الأول

الجزء الثاني


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق