الثلاثاء، 30 ديسمبر 2014

المنطقة العازلة في سيناء: هل تخدم الأمن القومي المصري؟

المنطقة العازلة في سيناء: هل تخدم الأمن القومي المصري؟


يسعى الجيش المصري إلى فرض أمر الواقع في الشارع المصري بشكل عام والشارع السيناوي بشكل خاص بدعوى " مكافحة الإرهاب " والحفاظ على الأمن القومي ، حيث فرضت المؤسسة العسكرية نفسها كمؤسسة بديلة لسد الفراغات السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية ، وربما الدينية والقضائية ، وهذا قد يؤدي لصراع بين السلطة المصرية " العسكرية " من جهة والشارع المصري والمنظمات المدنية من جهة .

وفيما يخص الجماعات المسلحة في شمال سيناء ، فمن المتوقع استمرار مسلسل العمليات الانتحارية التي تمرست عليها تلك الجماعات ، حتى في ظل وجود المنطقة العازلة ، إضافة إلى خبرتها الجغرافية بـ " شمال سيناء" التي تعد جديدة بالنسبة للجيش المصري الوافد اليها مؤخراً .

تحظى المنطقة العازلة بدعم " أميركي إسرائيلي " ، فمصر لا تقوى على إقامة هكذا مشروع لوحدها ، خاصة في ظل تردي وضعها الاقتصادي نتيجة الاحتقان السياسي ، وهذا ما يعني أن المنطقة العازلة تخدم الأمن الإسرائيلي بدرجة أساسية ، وبطبيعة الحال مصلحة إسرائيل يعني ضرب المقاومة الفلسطينية .

بصرف النظر عن الموقع الجغرافي لشبه جزيرة سيناء وأهميتها الاستراتيجية وثرواتها الطبيعية ، فإنها عاشت عزلةٍ سياسيةٍ واجتماعيةٍ وحتى تنمويةٍ طوال عقودٍ ماضية ، وبخاصة بعد اتفاقية " كامب ديفيد " بين مصر و" إسرائيل " ، والتي ينص ملحقها الأمني على محدودية الوجود العسكري المصري في سيناء ، لقد قسَّمت الاتفاقية شبه جزيرة سيناء إلى ثلاث مناطق عسكرية " أ " و " ب " و " ج " ؛ وتعدُّ المنطقة الأخيرة الأخطر بوصفها تمثل الشريط الحدودي مع الأراضي الفلسطينية المحتلة وقطاع غزة ، والذي يُفرض عليه اليوم طوقاً عسكرياً يعزله عن العالم الخارجي ضمن ما بات يسمى بـ " المنطقة العازلة " وهي تحاذي قطاع غزة بطول 14 كم وبعمق 500 م حتى الآن، وهي قابلة للزيادة ، وبالمقابل ، يعدُّ الشريط الحدودي بين " إسرائيل " ومصر ، والذي يبلغ طوله 184كم آمناً بالنسبة إلى القيادة المصرية .


هذا المشهد يمكن قراءته من أكثر من زاوية ، لكنّ المستهدف الأساسي من هذه الخطوة المصرية الجديدة هي "الأنفاق " ومن يقف وراءها ، وبصفة عامة ، تعدُّ هذه الأنفاق " غير شرعية " ، لكنّ ظهورها كان نتيجةً لتعطيل العمل في معبر رفح الحدودي بين مصر وغزة ، فما البديل من ذلك؟ وما هي أهداف المنطقة العازلة ؟ وما انعكاساتها على مستقبل الأمن القومي المصري وقطاع غزة ؟

الموقف " الإسرائيلي "


لا تعدّ فكرةُ المنطقة العازلة جديدةً ؛ فهي تمثل رغبةً " إسرائيلية " قديمة ومتجددة ، كما أنها كانت مطروحة إبان حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك ، لكنه لم يتجرأ على تنفيذها لعدة أسباب ، أهمها : رغبته في تهيئة المناخ السياسي المناسب لتمرير مشروع توريث الحكم لابنه من دون مشكلات تؤثر في سمعته ، أما الأمر الجديد في هذا الشأن فهو التحول " الإسرائيلي " حيال القبول بالوجود العسكري المصري على الشريط الحدودي مع الأراضي الفلسطينية المحتلة في محافظة شمال سيناء أو ما يسمى بالمنطقة " ج " ، في الوقت الذي كانت ترفض من قبل أي وجود عسكري مصري عدا عناصر محدودة من الشرطة المدنية ، بموجب بنود اتفاقية السلام بينهما .

ويمكن تفسير هذا التحول السريع في الموقف"الإسرائيلي" حيال القبول بالوجود العسكري المصري في سيناء عبر احتمالين :


الأول : أنّ "إسرائيل" لم تعد تشعر بوجود خطر يمكن أن يشكله الجيش المصري حيالها ، وأنّ هناك ربما تفاهمات بين الطرفين ؛ إذ يشير " رعنان جيسن " المتحدث السابق باسم الحكومة " الإسرائيلية " ، إلى وجود تغيرٍ كبيرٍ تجاه الموقف من الجيش المصري في سيناء ، فقد قال : " أتذكر حينما كنت أقوم بالانسحاب من سيناء ، وفي ذلك الوقت كان همّنا الأساسي أن تصبح سيناء منطقة منزوعة السلاح لا وجود للجيش المصري فيها ، ما قلناه ضاحكين هو : نريد أن يبقى في سيناء فقط البدو والجمال ، يا إلهي ! لوكنت مدركاً ما أدركه اليوم لقلت : خذوا البدو والجمال خارج سيناء واتركوا الجيش المصري فيها " ([1])

إنّ هذا المتغير الجديد يشير إلى عدم استشعار الحكومة " الإسرائيلية " أي خطر من الوجود العسكري المصري ، وأنها تطمح ربما في تحويله إلى شرطي بالوكالة لحماية أمنها ، عبر خنق المقاومة الفلسطينية بقطع قنوات الإمداد الغذائي والعسكري ، فضلاً عن مجابهة الجماعات الجهادية في الداخل المصري ، وبناءً على ذلك ، تتوقع " إسرائيل" رفع وتيرة التوتر بين مصر والفلسطينيين ، ففي حال استجابت السلطات المصرية للمطالب " الإسرائيلية " بـ"التضييق على قطاع غزة " ، فقد يدخل الجيش المصري في مواجهة مع فصائل المقاومة الفلسطينية من جهة ، ومع الجماعات الجهادية داخل سيناء من جهة أخرى .

الثاني ، أنّ " إسرائيل " تقوم بإعادة ترتيب أولوياتها ؛ فبعد أن أظهرت حرب غزة الأخيرة قوة المقاومة الفلسطينية وفشل الجيش " الإسرائيلي " في القضاء عليها ، فقد باتت في نظر " إسرائيل " تمثل التهديد الحقيقي والمباشر لأمنها، لذلك فإنّ خير وسيلة لاحتواء خطر المقاومة وتفكيكها هي دخولها في مواجهة مع طرفٍ عربي كالجيش المصري ؛ ما يؤدي إلى استنزافهما معاً .
وبالنسبة إلى الموقف الأميركي المؤيد " لإسرائيل " على الدوام ، فإنّ الولايات المتحدة تنظر إلى مصر بوصفها حليفاً قوياً وأساسياً لها ، وبخاصة فيما يتعلق بدورها في المحافظة على أمن " إسرائيل " الذي يمثل حجر الزاوية في سياسة أميركا الشرق أوسطية ؛ فالجيش المصري يحظى بالمرتبة الثانية من الدعم الأميركي بعد الجيش "الإســـرائـيـلي " ، وبالطبــــع ، تـــبارك الولايات المتحدة أي خطوات من شأنها زيادة أمن " إسرائيل " وتعزيزه ، مثل مشروع المنطقة العازلة بين مصر وقطاع غزة ، كما صرحت بذلك المتحدثة باسم الخارجية الأميركية " جنيفر ساكي " ([2]).

وعلى أية حال ، فقد كانت الإجراءات التي قام به الرئيس المصري المعزول محمد مرسي من جمعه بين الإجراءات الأمنية والمفاوضات والوساطة مع القبائل ومع التيارات السياسية والجهادية المختلفة ، والسعي لتحسين الأوضاع الاقتصادية لسيناء ، وتدمير للأنفاق ، خطوةً صحيحةً لمعالجة الأمور في سيناء ، وهي تدابير لم تشعر " إسرائيل " بالرضا تجاهها ؛ لأنّ ما سعى إليه " مرسي " هو سحب أي ذريعة لاختراق الطيران " الإسرائيلي " للأجواء المصرية ، كما أنّ فتح معبر رفح كان هدفه وقف الهجمات " الإسرائيلية " على قطاع غزة ، وكسر حصاره ، وهو ما تعتبره "إسرائيل " إحباطاً لمشروعها .

الدوافع المصرية

لا شك في أنّ تأمين الحدود يعدّ حقاً سيادياً ، ولكن اللافت في الأمر في حالة حدود سيناء هو التعامل الفضّ مع المهجّرين من بيوتهم ، واستخدام القوة لإخراجهم منها ، والعمليات المفاجئة دون ترتيبات مسبقة ودون إيجاد البديل لمن فقدوا منازلهم ، والتي يقدر عددها بنحو 880 منزلاً تسكنها 152 أسرةً ، ومن ثمّ ، فقد كانت طريقة تعامل السلطات المصرية هذه مستفزة لأهالي سيناء ، كما أنها شكلت عاملاً لظهور الجماعات المسلحة ، إنّ فشل التجربة الديمقراطية واستمرار الاعتقالات بين أوساط النساء ، وهو ما يعتبر مخالفاً لعادات وتقاليد المجتمع السيناوي ، سهّل على الجماعات المسلحة إيجاد مبررات لمواجهة الجيش وتنفيذ عمليات انتحارية ضد عناصره .

ويبدو أنّ ثمة دوافع لإنشاء المنطقة العازلة مع غزة ، والممارسات الأخيرة في سيناء ، فضلاً عن التدخل العسكري في المعارك الجارية في ليبيا ، وما يكشف عن تلك الدوافع ، خطاب السيسي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 سبتمبر 2014 ، حيث أكد أهمية " محاربة الإرهاب " ، وذلك في محاولةٍ منه لإضفاء الشرعية القانونية على نظام الانقلاب العسكري ، وتقديم هذا النظام بوصفه شريكاً في المنظومة الدولية ويمكن الاعتماد عليه ، وقد ذهب السيسي إلى أبعد من ذلك من أجل استرضاء الخارج ، ففي تصريحات له لصحيفة كوريه ديلا سيرا Corriere della Sera الإيطالية ، تعهد بحماية أمن " إسرائيل " بوصفها دولة جارة ، فقال إنه : " مستعد لإرسال قوات مصرية إلى الأراضي الفلسطينية لضمان أمن " إسرائيل " والعمل المشترك ضد الإرهاب " ([3]) .

يدرك السيسي أنّ عدة قوى دولية وإقليمية ومحلية تؤيده وتدعم الخطوات التي يقوم بها ، كما يدرك أنّ برنامجه يجب أن لا يخرج عن رغبات تلك القوى ، وأنه بدون ذلك سيتم الاستغناء عنه ، ولذلك ، فهو يسعى جاهداً إلى إرساء قواعد حكمه وضمان استمراريته ضمن الأطر المرسومة ، وفي المقابل ، هل يدرك السيسي أنه قد يكون مجرد حلقة في سلسة طويلة ؟ كما يبدو ، أنّ عملية التخلص منه قد تكون سيناريو محتمل ، وذلك بسبب عدم قبوله لدى الشارع المصري والعربي ومناصري حقوق الانسان في العالم ، ومن الشواهد على ذلك إطلاق سراح مبارك بصورة غير طبيعية ، على الرغم من علمه أن مبارك يشكل ازدواجية في ولاء رجال الدولة العميقة كشخصية منافسة له ، وكذلك إدخال الجيش المصري في عداء مع السلطات الليبية عبر دعم اللواء خليفة حفتر ، ثم ضغطه على المقاومة الفلسطينية بإقامة المنطقة العازلة والتي قد تسهم في تقليص شعبيته على نحو كبير .

انعكاسات مشروع المنطقة العازلة على قطاع غزة

استبشر أهالي قطاع غزة بإقرار مشاريع إعادة الإعمار بعد الحرب " الإسرائيلية " الأخيرة ، إلا أنّ مشاريع الجدران الاسمنتية والمناطق العازلة تخطو خطوات حثيثة وجدية أسرع من " إعادة الإعمار " ، ويعد قطاع غزة بسكانه ومقاومته أكثر المتضررين من إقامة المنطقة العازلة ، حيث ستزيد هذه المنطقة من المعاناة الإنسانية عبر قطع كثير من الإمدادات الغذائية والطبية وغيرها ، كما ستقيّد عمل المقاومة الفلسطينية وقد تضعفها ، إنّ تأجيل مشاريع إعادة إعمار قطاع غزة من شأنه مفاقمة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، كما سيكون لها انعكاسات سلبية على زيادة هوة الخلاف بين حركة حماس والنظام المصري وتقويض المفاوضات غير المباشرة مع الجانب " الإسرائيلي " والمصالحة الفلسطينية .

إلى أين تتجه الأمور في شبه جزيرة سيناء

لا يتوقع أن يجد مشروع إقامة المنطقة العازلة معارضةً من أي تيار ، وبخاصة أنه يحظى بدعم " إسرائيلي " وأميركي ، وحتى عربي ولو بشكل غير معلن ، ولكن بما أنّ التهديدات للأمن القومي المصري تأتي من الداخل وترتكز على أرضية سياسية - أيديولوجية واجتماعية ، فمن غير المتوقع أن تنحصر مشكلة النظام المصري مع الجماعات الجهادية ، بل تتعدى ذلك إلى مشكلة مع قطاع واسع من المجتمع السيناوي ؛ ما يجعل المنطقة العازلة لا تؤدي الغرض منها تماماً .

كما تسهم منهجية التحريض التي يتبعها الإعلام المصري تجاه حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى وتلفيق التهم إليهم بتهديد الأمن القومي المصري في إيجاد المبررات لاستمرار إغلاق معبر رفح الذي كان من المفترض أن يفتح على الدوام بصورة شرعية بعد تدمير الأنفاق " غير الشرعية " ، وقد ينعكس ذلك على تدهور العلاقة بين مصر وحركة حماس ؛ فإذا تعرضت فصائل المقاومة لضربات " إسرائيلية " من جهة ، وخضعت لحصار مصري من جهة أخرى ، فإن ذلك قد يشجع أعداداً إضافية من المصريين على الانضمام إلى الجماعات المسلحة في سيناء ، ما يزيد من توتر الأمن في مصر ، وهي نتيجة قد تكون معاكسة لما تهدف إليه المنطقة العازلة .

إنّ سيناء قد تكون مرشحة لأن تبقى مصدر قلق ، وقد يصل الأمر إلى المطالبة بحكم ذاتي من قبل المجتمع السيانوي ، أي أن سيناريو الانفصال غير مستبعد ، سيما إذا استمرت سياسة القمع والتهجير والابتعاد عن المقاربات الحوارية والمشاريع التنموية .

حتى الآن ، ليس ثمة ما يشير إلى أنّ السلطات المصرية تسير نحو النهج الصحيح لمعالجة التوترات عبر فتح قنوات الحوار مع القبائل وتنفيذ خطة تنموية ذات أبعاد استراتيجية ترتكز أولوياتها على تشغيل الأيدي العاملة للحد من البطالة ، ودعم المشاريع الصغيرة " الزراعية والتجارية " وكذاك فتح قنوات التواصل بين سيناء وبقية المحافظات ، وتشجيع الاستثمار ، بإعلان سيناء منطقة واعدة تجارياً وسياحياً ، ومنح مزايا للمستثمرين ، مثل الاستثناءات الضريبية التنافسية ، والبيئة الاستثمارية الآمنة ، عندها ستشهد المنطقة نجاحاً كبيراً في المجال الاقتصادي والتنموي ، نظراً لما تحظى به سيناء من مقومات طبيعية وموقع استراتيجي مهم .

بهكذا إجراءات ؛ يمكن السيطرة على أنشطة وتحركات الجماعات المسلحة ، أما في حال استمر النظام العسكري الذي لا يعرف إلا لغة القوة ، ويؤمن بها كحل لكل التحديات ، بعيداً عن دراسة العوامل التي أدت اليها ، بل على العكس من ذلك ، قد تمثل الممارسات الأمنية أحد أهم الأسباب التي أدت إلى التطرف ونتوء جماعات مسلحة .

ومن الأهمية بمكان ؛ النظر الى البلدان التي تشهد اليوم موجات عنف بعد سقوط أنظمة عسكرية حكمت لعقود من الزمن وأعطت القوة العسكرية اهتمام أكثر منه لتنمية العنصر البشري ، ويعتقد أنما أخرج تونس بشكل يختلف عن نظيراتها من دول الربيع العربي : عدم تدخل مؤسسة الجيش في حكم ما قبل الثورة في عهد " زين العابدين بن علي " ، ما يعني أنه يتوجب على الشعوب العربية إبعاد المؤسسات العسكرية عن الحكم ، أذا ما أرادت ممارسة الحياة المدنية وإرساء دولة القانون ، وأي معالجات في ظل وجود العسكر على هرم الحكم فإنه سيكون محدوداً لا يرتقي إلى حد تطلعات الشعوب ˜˜


([1]) الصندوق الأسود - " سيناء .. الحديقة الخلفية " وثائقي على قناة الجزيرة

([2]) موقع وزارة الخارجية الأميركية

([3]) مقابلة للسيسي مع صحيفة ” Corriere della Sera ” الايطالية

المصدر: مركز صناعة الفكر للأبحاث والدراسات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق