قبل أيام كان علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني خامنئي للشؤون الدولية، ووزير الخارجية الأسبق، يتحدث في ندوة لمركز دراسات استراتيجية في طهران، فتحدث عن النفوذ الإيراني الذي يمتد من لبنان إلى اليمن، مرورا بسوريا والعراق.
في اليوم التالي، كتب الصديق الأستاذ فهمي هويدي مقالا بعنوان: «إيران بين التاريخ والجغرافيا»، قال فيه معلقا على كلام ولايتي بالقول: «إذا صح أن نفوذ إيران أصبح يمتد من لبنان إلى اليمن، فذلك ربما يعني أنها انحازت إلى الجغرافيا على حساب التاريخ».
ولأن لهويدي علاقاته القديمة بالقيادة الإيرانية، وبخاصة مع ولايتي، لم يكن من الأخير إلا أن قدم تصريحات تبدو مكتوبة لوكالة فارس الإيرانية، رد فيها بشكل غير مباشر على كلام هويدي بتبريرات أقل ما يقال فيها إنها سخيفة؛ بدأها بالقول: إن «حديثنا عن النفوذ لا يعني بالضرورة الحديث عن الهيمنة»، ثم قدم سردا لوقائع العلاقة بالدول الأربع.
وفي حين ربط لبنان بقصة دعم المقاومة، من دون أن يقول لنا أين هي المقاومة الآن، والحزب يستخدم السلاح في السياق السياسي الداخلي؟
فقد برر الموقف في العراق بالقول «دافعنا دوما عن التفاهم الوطني والسيادة الوطنية لهذا البلد، ومتى ما طلب الشعب العراقي وحكومته المساعدة، فإننا لبينا دعوتهم بما لدينا من طاقات».
قال ذلك فيما يعلم الجميع أن إيران كانت تهيمن على العراق (مقتدى الصدر قال إن قاسم سليماني هو الحاكم الفعلي)، وهي من دعم السياسات الطائفية للمالكي، حتى وصل الحال بمستشار لوزير الخارجية حد القول: إن تلك السياسات الطائفية هي السبب في ظهور الدولة الإسلامية.
أما عن سوريا فقال ولايتي: «إننا ندعم سوريا حكومة وشعبا، ونؤمن بأن تسوية مشاكل هذا البلد تجري على يد الشعب السوري نفسه، ولا يحق لأي أجنبي (إيران من أهل الدار وليست أجنبية) أن يقرر كيف تتم التسوية في هذا البلد»، لكنه أوضح في المقابل أن «بعض أصدقائنا ذهبوا (لم يقل إن قاسم سليماني هو من أرسلهم) إلى سوريا للدفاع عن أموال وأعراض المسلمين، وذلك بعد أن قدم الإرهابيون إلى هناك من مختلف أصقاع العالم، وحاولوا بقوة السلاح تقرير مصير هذا البلد المستقل».
هكذا ذهبوا للدفاع عن أموال وأعراض المسلمين، لكأن الشعب الذي ثار، ومكث ستة أو ثمانية شهور يبذل الدم في الشوارع دون إطلاق رصاصة واحدة ليس مسلما، بينما نظام بشار الطائفي هو الممثل الشرعي للمسلمين». هل بعد هذا الهراء من هراء؟!
الأسوأ من ذلك كله هو حديثه عن اليمن، وهو البلد الذي ركز عليه الصديق فهمي هويدي في مقاله، واستنكر حديث ولايتي عنه بذات المنطق الذي تحدث من خلاله عن الدول الأخرى، والسبب برأيه هو أن «سكان اليمن (25 مليون نسمة). يتوزع المسلمون فيه ما بين الشوافع نسبة إلى الإمام الشافعي، والزيود نسبة إلى الإمام زيد بن علي حفيد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب. والزيود يمثلون ثلث المسلمين والتصنيف الشائع عنهم أنهم إحدى فرق الشيعة التي قننت الخروج على الحاكم الظالم، لكن الباحثين لا يضعونهم في سلة واحدة، وإنما يميزون بين ثلاثة اتجاهات داخل المذهب: أحدها أقرب إلى الشيعة والثاني أقرب إلى المعتزلة والثالث أقرب إلى أهل السنة».
في هذا السياق، وفي رد غير مباشر على كلام هويدي، قال ولايتي: إن الأمر يختلف، وإنه «لم يكن لدينا أي تدخل هناك، فالفساد المتفشي داخل النظام الحاكم حرَّك الشارع ودفعه إلى التمرد، ولكن للأسف أن بعض الدول الأجنبية تعتبر نفسها وصية على اليمن، وتسعى إلى اتخاذ قرارات بدلا عن اليمنيين».
هل بعد هذا الهراء من هراء؟ كيف يستوي أن بلدا كان يجاهد لتجاوز إرث المخلوع الفاسد ، قد أصبح فاسدا، وإصلاحه يتم من خلال التحالف (المسلح) مع الدكتاتور الفاسد الذي ثار اليمنيون ضده.
ولا حاجة للتذكير هنا بأن ما ينطبق على اليمن ينطبق على لبنان، لأن الشيعة أقلية هنا، لكنهم يتحكمون بالبلد بقوة السلاح.
إن هذا اللون من الخطاب الإيراني لم يعد ينطلي على أحد، والسياسات الطائفية التي تنتهجها القيادة الإيرانية باتت أكثر من مفضوحة، لكنها سياسات سترتد عليها؛ إذ سيتواصل نزيفها في العراق وسوريا واليمن (وربما في لبنان) حتى تصحوا من سكرتها أو تشفى من جنون قوتها بتعبير أدق، وتدرك أنها لن تأخذ دورا وحضورا في الإقليم أكثر مما تستحق، وأن التحدث كدولة مذهب تمثل وصية على أبنائه في أي مكان لن يكون مقبولا بأي حال من الأحوال.
• @yzaatreh
في اليوم التالي، كتب الصديق الأستاذ فهمي هويدي مقالا بعنوان: «إيران بين التاريخ والجغرافيا»، قال فيه معلقا على كلام ولايتي بالقول: «إذا صح أن نفوذ إيران أصبح يمتد من لبنان إلى اليمن، فذلك ربما يعني أنها انحازت إلى الجغرافيا على حساب التاريخ».
ولأن لهويدي علاقاته القديمة بالقيادة الإيرانية، وبخاصة مع ولايتي، لم يكن من الأخير إلا أن قدم تصريحات تبدو مكتوبة لوكالة فارس الإيرانية، رد فيها بشكل غير مباشر على كلام هويدي بتبريرات أقل ما يقال فيها إنها سخيفة؛ بدأها بالقول: إن «حديثنا عن النفوذ لا يعني بالضرورة الحديث عن الهيمنة»، ثم قدم سردا لوقائع العلاقة بالدول الأربع.
وفي حين ربط لبنان بقصة دعم المقاومة، من دون أن يقول لنا أين هي المقاومة الآن، والحزب يستخدم السلاح في السياق السياسي الداخلي؟
فقد برر الموقف في العراق بالقول «دافعنا دوما عن التفاهم الوطني والسيادة الوطنية لهذا البلد، ومتى ما طلب الشعب العراقي وحكومته المساعدة، فإننا لبينا دعوتهم بما لدينا من طاقات».
قال ذلك فيما يعلم الجميع أن إيران كانت تهيمن على العراق (مقتدى الصدر قال إن قاسم سليماني هو الحاكم الفعلي)، وهي من دعم السياسات الطائفية للمالكي، حتى وصل الحال بمستشار لوزير الخارجية حد القول: إن تلك السياسات الطائفية هي السبب في ظهور الدولة الإسلامية.
أما عن سوريا فقال ولايتي: «إننا ندعم سوريا حكومة وشعبا، ونؤمن بأن تسوية مشاكل هذا البلد تجري على يد الشعب السوري نفسه، ولا يحق لأي أجنبي (إيران من أهل الدار وليست أجنبية) أن يقرر كيف تتم التسوية في هذا البلد»، لكنه أوضح في المقابل أن «بعض أصدقائنا ذهبوا (لم يقل إن قاسم سليماني هو من أرسلهم) إلى سوريا للدفاع عن أموال وأعراض المسلمين، وذلك بعد أن قدم الإرهابيون إلى هناك من مختلف أصقاع العالم، وحاولوا بقوة السلاح تقرير مصير هذا البلد المستقل».
هكذا ذهبوا للدفاع عن أموال وأعراض المسلمين، لكأن الشعب الذي ثار، ومكث ستة أو ثمانية شهور يبذل الدم في الشوارع دون إطلاق رصاصة واحدة ليس مسلما، بينما نظام بشار الطائفي هو الممثل الشرعي للمسلمين». هل بعد هذا الهراء من هراء؟!
الأسوأ من ذلك كله هو حديثه عن اليمن، وهو البلد الذي ركز عليه الصديق فهمي هويدي في مقاله، واستنكر حديث ولايتي عنه بذات المنطق الذي تحدث من خلاله عن الدول الأخرى، والسبب برأيه هو أن «سكان اليمن (25 مليون نسمة). يتوزع المسلمون فيه ما بين الشوافع نسبة إلى الإمام الشافعي، والزيود نسبة إلى الإمام زيد بن علي حفيد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب. والزيود يمثلون ثلث المسلمين والتصنيف الشائع عنهم أنهم إحدى فرق الشيعة التي قننت الخروج على الحاكم الظالم، لكن الباحثين لا يضعونهم في سلة واحدة، وإنما يميزون بين ثلاثة اتجاهات داخل المذهب: أحدها أقرب إلى الشيعة والثاني أقرب إلى المعتزلة والثالث أقرب إلى أهل السنة».
في هذا السياق، وفي رد غير مباشر على كلام هويدي، قال ولايتي: إن الأمر يختلف، وإنه «لم يكن لدينا أي تدخل هناك، فالفساد المتفشي داخل النظام الحاكم حرَّك الشارع ودفعه إلى التمرد، ولكن للأسف أن بعض الدول الأجنبية تعتبر نفسها وصية على اليمن، وتسعى إلى اتخاذ قرارات بدلا عن اليمنيين».
هل بعد هذا الهراء من هراء؟ كيف يستوي أن بلدا كان يجاهد لتجاوز إرث المخلوع الفاسد ، قد أصبح فاسدا، وإصلاحه يتم من خلال التحالف (المسلح) مع الدكتاتور الفاسد الذي ثار اليمنيون ضده.
ولا حاجة للتذكير هنا بأن ما ينطبق على اليمن ينطبق على لبنان، لأن الشيعة أقلية هنا، لكنهم يتحكمون بالبلد بقوة السلاح.
إن هذا اللون من الخطاب الإيراني لم يعد ينطلي على أحد، والسياسات الطائفية التي تنتهجها القيادة الإيرانية باتت أكثر من مفضوحة، لكنها سياسات سترتد عليها؛ إذ سيتواصل نزيفها في العراق وسوريا واليمن (وربما في لبنان) حتى تصحوا من سكرتها أو تشفى من جنون قوتها بتعبير أدق، وتدرك أنها لن تأخذ دورا وحضورا في الإقليم أكثر مما تستحق، وأن التحدث كدولة مذهب تمثل وصية على أبنائه في أي مكان لن يكون مقبولا بأي حال من الأحوال.
• @yzaatreh
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق