الأربعاء، 24 ديسمبر 2014

عن تونس وربيع يتنفس ولم يختنق

عن تونس وربيع يتنفس ولم يختنق


ياسر الزعاترة


لا ينبغي للأحرار أن يفقدوا الأمل؛ ليس فقط لأن ثوار ليبيا ما زالوا يقاتلون، وقد أسقطوا من قبل طاغية ساديا طاعنا في البشاعة، وليس لأن ثورة سوريا لم تنكسر رغم ما بذلته من تضحيات جسام، وليس لأن اليمن لم تنته حكايته بعد رغم الطغيان الإيراني، وتآمر بعض الأشقاء، وليس لأن تونس لم تفقد الأمل في ديمقراطية حقيقة.. ليس لذلك كله وحسب، بل أيضا وقبل ذلك وبعده لأن ثوراتهم كانت تمثل تحولات تاريخية في منطقة بالغة الحساسية للعالم أجمع، وبالطبع لأن فيها النفط والكيان الصهيوني وأمة تملك آفاق النهوض والتحدي، ولأنها خضعت لنخب حاكمة تجذرت في الأرض، ولأوضاع شعبية تشوه بعضها لطول زمن الاستبداد.. لأنها كذلك في منطقة كهذه، لم تكن لتمر بسهولة وبساطة كما اعتقد كثيرون.
شخصيا، قلت ذلك من الثورة التونسية وبعدها الثورة المصرية، قلت مرارا وتكرارا، وغوغل يشهد، أن ثورات في منطقة بالغة الحساسية للعالم أجمع لن تمر سهلة وميسورة، بل ستقف في وجهها الكثير من العقبات الكأداء.
الثورة الفرنسية مكثت ما يقرب من قرن حتى نجحت، ولا يمكن القياس على ثورات أوروبا الشرقية التي ساندها الغرب، فهنا والآن ثمة معطيات أخرى لا تسمح بشيء كهذا.
نتذكر ذلك كله بين يدي احتفال البعض ممن يقدسون العبودية، ولا يعرفون معنى الحرية التي لا يعرفها إلا الأحرار قد احتفلوا بنجاح الباجي السبسي في تونس، واعتبروا أن ذلك بمثابة دفن لآخر أزهار الربيع العربي، وربما رآى البعض في ذلك دفنا لآخر آمال ما يسمونه الإسلام السياسي.
والحال أن تونس لم تخسر ثورتها، فهي ثورة من أجل تكريس الديمقراطية والحرية والتعددية، وها هي تكرِّسها بالفعل، بدليل حصول المرشح الخاسر على حوالي 45 في المئة من الأصوات رغم أن حزبه لم يحصل في الانتخابات التشريعية سوى على 2 في المئة. أما الآخر، فرغم تدفق المال الخارجي بين يديه بلا حساب، ورغم أنه الدولة العميقة بكل تجلياتها معه، فيما انحاز إليه يساريون وعلمانيون كرها في الإسلاميين، مع أن المرشح الآخر يساري وقومي عنوانه الثورة، إلا أنه لم يربح سوى بنسبة محدودة.
الزعيم المذكور يربح فقط بـ55 في المئة من الأصوات، وهو الذي كان يعتقد أنه سيربح بسبعين في المئة على الأقل.
كل ذلك كي يتأكد الجميع أن هنا ديمقراطية، تماما مثل الدولة الكبرى، حيث التنافس حقيقي وليس صوريا.
بالمال السياسي وتبعا له سطوة الإعلام، وبسبب الانقسام الجغرافي أحيانا، وبالدولة ومؤسساتها، يمكن القول إن النتيجة كانت جيدة، وإن الديمقراطية قد تكرَّست، وإن من يريد الانقلاب عليها سيواجه الجماهير بكل عنفوانها، فمن صوَّتوا للباجي السبسي لم يكونوا يصوتون ضد الثورة بالضرورة، بل ربما صوتوا لاعتبارات جغرافية، وربما مصلحية، لكنهم في النهاية لا يريدون الدكتاتورية، وقد يصوِّت كثير منهم في جولات أخرى لمرشح آخر، بخلاف من صوتوا للمرزوقي الذين كانوا ينحازون بشكل حاسم لصالح الثورة والتغيير الشامل.
لم تخسر تونس ثورتها، ومن يشمتون بالإسلام السياسي أيضا ينسون أن النهضة قد حصلت على ثلث الأصوات، وهذا جيد بالنسبة لحركة لم تعد إلى الساحة إلا بعد الثورة، بينما كانت مغيبة بالكامل قبل ذلك، ولم تنجح في السلطة العابرة لأن العصي ما لبثت توضع في دواليها، ولم تأخذ فرصة التنفس لحظة واحدة، ورأينا كيف كيف طاردوها بسيناريو مصر دون كلل ولا ملل.
لم يُحسن الإسلاميون إدارة معاركهم، إن في مصر أو تونس، أو حتى اليمن؛ هذا صحيح، لكنهم كانوا يجتهدون ضمن إمكاناتهم، و»ليس من طلب الحق فأخطأه، كمن طلب الباطل فأدركه»، وهم سيتعلمون من تجاربهم، وسيتعلم الآخرون أيضا، لكن المهم هو أن هذا الربيع سيشهد موجة أخرى يستعيد المواطن من خلالها حقه في أن يكون، كما كان في تونس هو صاحب القرار الحقيقي من خلال الصناديق، ولا يؤخذ ببهرجة الإعلام والدجل والمسيرات الكاذبة التي يدبلج مشاهدها مخرجون سينمائيون، ويروجها مشعوذون كذابون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق