الأربعاء، 31 ديسمبر 2014

سوريا عام 2015.. كيف تبدو؟!


سوريا عام 2015.. كيف تبدو؟!

د. أحمد موفق زيدان


سؤال يشد، ولكن الجواب قد لا يماثله شدّاً وجذباً، فسوريا عام 2015 يبدو أنها محجوزة سياسياً للدب الروسي الذي يسعى للخروج من قطبه الشمالي المتجمد ليتلذذ ببعض الدفء على ضفاف المتوسط، الحُلم الذي طالما داعب أجداده منذ كاترين الثانية، فالجيوبولتيك لا يتغير ولا يتبدل ولو بمرور القرون عليه، هل تذكرون مقولة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه «العراق جمجمة العرب»، فماذا حلّ بنا يوم كُسرت الجمجمة بالاحتلال الأميركي ثم بتفكيكه وتداعياته على المنطقة العربية كلها.
لا نودُّ أن ننحرف عن الموضوع، وإن كان ما يجري في سوريا اليوم امتدادا لما يجري بالعراق، ففائض الانتقام الطائفي لم يكفه ما فعله هناك فسعى إلى تصديره بدعم إيراني إلى الشام ثم اليمن، وإن كان في حقيقته هو امتداد لذاك الظلم التاريخي الذي ترسخ بفرض الدول الوطنية على عالم لم يكن يوماً واحداً موحداً على أساس قومي، ولم يعش لحظة واحدة ذلك الوهم الذي سعى الغرب المحتل إلى بيعه لنا بديلاً عن واقع عشناه لقرون هو الخلافة الإسلامية، فلم يجد الأعجمي غضاضة أن يحكمه عربي، ولا الأخير أن يحكمه التركي.
سوريا اليوم هي وحدات جغرافية تتنازعها قوى إسلامية وجهادية ووطنية مسلحة، وإن كان الظاهر هو تمدد الجهاديين على حساب القوى الوطنية بعد هزيمة جبهة النصرة لجبهة ثوار سوريا في الشمال السوري، وسوريا اليوم تبدو وكأن تنظيم الدولة قد وصل إلى مرحلة الإشباع من حيث ألا يتقدم ولا يتأخر، ما دام الهدف قد تحقق للبعض في تجميد الثورة وضربها ووصمها ونعتها بكل النعوت السلبية، لكن ذلك ظاهر فهمهم لثورة الشام، على الضفة الأخرى نظام طائفي استئصالي يستجلب كل حثالات المليشيات الطائفية من العراق ولبنان وأفغانستان وباكستان وغيرهما بدعم المايسترو الإيراني في تفكيك ما تبقى من الدولة والمجتمع السوريين، مع الحرص على الاحتفاظ بالأسنان والأظافر بما أُطلق عليه فرنسياً يوماً مّا «سوريا المفيدة» وهي الممتدة من دمشق إلى الساحل ثم إلى حلب وترك سوريا الصحراء وذات الكثافة السكانية الأقلّ أهمية للمعارضة.
القوى الدولية عبارة عن قوى ظاهرها يُعلن دعمه للثورة والثوار وباطنياً يلعن اليوم الذي ينتصرون فيه وهي القوى الغربية بشكل عام، فألسنتهم مع الثورة وقلوبهم تلعنها، ولقد تحدثت وثائق الويكيليكس عن وقوف أميركي بشكل واضح مع نظام أسد وداعميه في إيران وروسيا عام 2012 حين كان الثوار يدقون أبواب دمشق، واقتربوا من السيطرة عليها، وهي الفترة التي كنت أغطّيها لقناة الجزيرة من هناك ورأيت كيف أن حصون النظام تتهاوى، فهرع إلى جس نبض العالم باستخدام الكيماوي بشكل محدود يومها بـ «عدرا»، لكن على الرغم من تغطيته بشكل موسع على شاشة الجزيرة إلا أن الموقف الدولي كان غير مبال مما جرّأ النظام على استخدامه بشكل أوسع لوقف تقدم الثوار فكان ما حل بمجزرة الغوطة الكيماوية.
التحركات الدولية لن تُفلح، وإذا لم تُفلح جهود أممية مدعومة بقوى إقليمية ودولية سابقاً فهل ستقوى جهود دولة مثل موسكو أو ديميستورا المنزوعة الدسم والأسنان في فرض حل سيقاومه نظام لم ولن يقبل القسمة، لا سيما مع قوى جهادية قوية ونافذة على الأرض وشعب معبأ لم يبق له ما ينوح عليه، فهل يمكن لمن دمر وشرد وقتل أن يكون مصلحاً ومعمراً.
الواقع السوري يصرخ بوجه الكل ولكن هذا الكل يرفض أن يقبل الحقيقة المرّة، كمريض سرطان جبان يخاف أن يذهب إلى مختبر يحلل مرضه كي لا تُكذب رغائبه التحليلات، فالبراهين الطبية تقول: إن النظام لن يقبل الحل السياسي، وهذه الأنظمة الاستبدادية لا يُفيد معها إلا الكي لا سيما بعد كل هذا الخراب والدمار في النسيج المجتمعي السوري بسببه، ولذا فالحل معه هو عسكري لاقتلاعه والبناء عليه من جديد، فهل يمكن لمن دمر سوريا وقتل وجرح ربما %5 من أهلها وشرد نصف أهلها ودمر أكثر من %70 منها أن يكون جزءاً من الحل ويكافئ على بقائه في السلطة، بالتأكيد ستكون سابقة خطيرة وأولى في التاريخ البشري لا بد أن تهرع كل جامعات الأرض إلى تدريسها كمواد مستقلة في مناهجها.
الظاهر أن العالم كله يجد في معزوفته البائسة المتكررة منذ سنوات بالخوف على مصير الأقلية العلوية في سوريا ولذا فلا مشكلة لديه من استمرار المذبحة اليومية التي تُطحن فيها الأقلية العلوية من خلال سوقها لمطحنة بقاء أسد في السلطة، قبل الأغلبية التي تسرح كل الآلة الإجرامية الأسدية في أراضيها، فالشرق والغرب لن يرفّ له جفن ما دام الدم الجاري هو دم الأغلبية التي لم يخجل وزير خارجية روسيا لافروف منذ اليوم الأول من أنهم لن يسمحوا لحكم سني في سوريا، ولكن لو كان كل شيء بسماحهم ومشيئتهم لما ركعوا أمام المجاهدين وخرجوا من أفغانستان؟!

@ahmadmuaffaq

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق