الخميس، 25 ديسمبر 2014

أبو جهل المفترى عليه


أبو جهل المفترى عليه
الشيخ عصام تليمة

ربما كان عنوان المقال مستغربا من القارئ لأول وهلة، أو ظن القارئ أنه سهو من الكاتب .. لا، بل هو متعمد مقصود، وليس من باب الإثارة كي أجر القارئ لقراءته، بل هو حقيقة أردت أن أوضحها، فالإسلام علمنا أن نقدر الناس قدرها، خاصة إذا ما كانوا في مجال مقارنة.

ومنشأ إحساسي بأن أبا جهل مظلوم ومفترى عليه من أهل عصرنا بخاصة، حيث إنه كان ينطوي على خصال من الخير رغم كفره وشركه، وهذا ليس مجال الكلام فيه.

وسبب كتابتي لتبرئة الرجل وإخوانه ، هو أنني كلما طالعت تقارير منظمات حقوق الإنسان في مصر، وطالعت يوميا في موقع (المصريون) باب (ديوان المظالم) ، وقرأت الفظاعات التي ترتكبها الشرطة وبخاصة الجهاز المسمى زوراً بأمن الدولة، وما يتعرض له المواطن المصري في كل مكان من مهانة وعدم احترام آدميته، وما يمارس في مكاتب أمن الدولة والمعتقلات من تعذيب بشع، سجلته منظمات مصرية ودولية .. كل هذا يجعل المتدين يعود بالماضي لما تعرض له المسلمون على يد فرعون الأمة (أبو جهل).

ومن يتأمل الحملات الصحفية المسعورة التي يتعرض لها الإسلاميون يقفز إلى ذهنه ذات الحملات.

غير أني أحسست أننا نظلم هؤلاء الأبرياء من أمثال أبي جهل وإخوانه، فهم بالمقارنة بهم أصحاب خلق، ومروءة وشهامة، ولست هنا في مقام الحكم على عقيدة أحد، حتى لا يبادر أحد من أصحاب الأقلام الصفراء فيتهمني بالتكفير، أنا هنا في مقام المقارنة الخلقية لا أكثر، وليتدبر معي القارئ هذه المواقف من حياة أبي جهل وإخوانه.

بعد أن تآمر المشركون في دار الندوة على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واهتدى فكرهم ـ بوسوسة من الشيطان ـ إلى أن يجمعوا أربعين شابا جلدا، من كل ـ أو جل ـ قبائل العرب المعادية لمحمد ، وأجمعوا أمرهم على ذلك، وفي الليلة المحددة المتفق عليها بين مشركي قريش والشباب المسلح، وقفوا أمام بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم يرقبونه من ثقب بالباب، وكلما رأوا جسدا مغطى اطمأنوا أن محمدا بالداخل.

وطال انتظارهم حتى مَلَّ الشباب، والشباب يميل إلى التسرع والعجلة والحماسة، فقال أحدهم مقترحا: أفلا نتسوّر على محمد (أي ندخل البيت عن طريق القفز من على سور المنـزل) باب بيته ونقتله؟ ، وهنا انتفض أبو جهل رافضا هذا المطلب المشين الذي يخدش الرجولة العربية، فيقول أبو جهل: لا واللات، حتى لا تقول العرب: إننا فزَّعنا بنات محمد‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!.

انظروا: إنه يريد قتل محمد ، وقد تآمر وجمع الشباب لقتله، ولكن أخلاق الفرسان تمنعه من أن يفزع النساء، فما ذنبهن في ذلك؟!.

ولما طلع الصبح ودخلوا بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجدوا عليا رضي الله عنه في فراشه، رفض المشركون أن يقتلوا عليا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على الرغم من أنه كان أداة خداعهم بنومه في فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قارن عزيزي القارئ بين هذا الموقف، وبين من قاموا بالتحرش بالنساء يوم الاستفتاء على المادة (76) علناً أمام الناس، وفي شارع من أشهر شوارع القاهرة، وقارن بين موقفهم مع علي رضي الله عنه، وبين المغاوير من ضباط أمن الدولة الذين إن لم يجدوا المطلوب ، أخذوا أمه وأباه وإخوانه، ونكلوا بهم حتى يأتيهم راغما مستسلما.

وبعد أن هُزِم المشركون في غزوة بدر، وعادوا يجرون وراءهم أذيال الخيبة والمذلة، وكرروا العودة لحرب المسلمين في غزوة أحد، وبينما هم سائرون في الطريق، مروا بقبر آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاقترحت هند بنت عتبة: أن ينبشوا قبرها نكاية في ابنها (رسول الله صلى الله عليه وسلم) الذي قتل سادات قريش في بدر.

ولكن مشركي مكة (أهل الجاهلية) رفضوا جميعا هذا الاقتراح، مخافة أن تتخذها العرب أداة لنكاية الخصوم، فتنسب هذه الفعلة المشينة بقريش، ولأنه ليس من أخلاق الفرسان، ولا من أخلاق العرب!!.

بل قارن بين سلوك كفار قريش أهل الجاهلية، الذين لم يدخلوا جامعات ولا كليات، كيف كانت عندهم النزاهة الإعلامية، فلا يلصقون التهم جزافا، أو ينشرون الأباطيل تضليلا للناس وتعمية لهم عن الحقائق، قارن بينهم وبين صحافة اليوم التي أقل ما توصف به: أنها صحافة مسمومة، قارن بين موقفهم في الدعاية المغرضة والتزييف المسف، وبين موقف مشرك جاهلي كأبي سفيان بن حرب قبل إسلامه، عندما قابل قيصر ملك الروم، وسأله عن محمد وهو عدوه الأول، والمطلوب الأول لقريش، ومع ذلك كانت إجابته عنه كلها صادقة ومنصفة .. سأله عن أتباع محمد، وهل يزيدون أن ينقصون؟ وعن نسب محمد فيهم؟ وكل ذلك ويجيبه أبو سفيان بصدق لا يغير من الحقيقة شيئا، رغم بغضه لمحمد ، ورغم أنه على الشرك والكفر.

ثم يقف أبو سفيان وقفة محاسبة لنفسه في هذا الحوار، في كلمة ظن أنه تجاوز فيها، رغم أنه ما قال إلا الواقع، سأله هرقل: عن آخر أمره بهم؟ فقال أبو سفيان: بيننا وبينه معاهدة (يقصد صلح الحديبية) ما ندري ما هو فاعل فيها؟! هذه هي العبارة التي عاتب أبو سفيان نفسه عليها، وأنه كان الأولى به أن لا يقولها حتى لا تؤثر في تكوين رأي هرقل عن محمد ودعوته.

قارن بين خوف كفار قريش من الله، ومن دعوة المظلوم، ومن احتساب المظلوم عليهم بالله، وبين هؤلاء الذين لا تتحرك لهم شعرة، ولا ترتجف لهم بشرة، وهم يسمعون الآهات من المسجونين الأبرياء، بل لا يكلفون أنفسهم وضع أصابعهم في آذانهم ثقة في أن صرخات واستغاثات ودعوات الأمهات والزوجات لن تجد سبيلا إلى آذانهم، تأمل هذا وقف موقف التعجب من عتاة قريش كأبي سفيان بن حرب وابنه معاوية قبل إسلامهما: وقد أتوا بخبيب بن عدي رضي الله عنه ليصلبوه، وهم يعلمون أنه مظلوم، فما كان من خبيب إلا أن رفع يده إلى الله ضارعا: اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا.

فما كان من أبي سفيان إلا أن أخذ بيد ابنه معاوية وانبطح به أرضا، وقد كان اعتقاد العرب: أن المظلوم إذا دعا تجاب دعوته على ظالمة، وإذا أردت أن تتفادى ذلك ، فلا تكون في مواجهة المظلوم وقت دعائه!!

بل لما لقي عتبة بن شيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخذ يفاوضه ويتهمه بأنه فرق جمع قريش، وسفه أحلامهم، قال له : أفرغت يا أبا الوليد؟ فإذ برسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو عليه أوائل سورة (فصلت) إلى أن وصل إلى قوله تعالى: (فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) فصلت: 13، فإذ بعتبة بن شيبة يضع يده على فاه النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: أنشدك الله والرحم ألا سكت يا أبا القاسم! وعاد إلى قريش بوجه غير الوجه الذي ذهب به، وقال لهم: إن محمد أخبرني بعذاب، ووالله ما عهدته إلا صادقا!!.

أرأيتم رهبة "أبو جهل" وإخوانه من مجرد الوعيد بالنار، وعذاب الله، والدعاء عليهم بأن ينتقم الله منهم؟!.

بل أبو جهل نفسه يعترف أن عداوته لمحمد ليس تكذيبا لرسالته، ولا أنه لا يثق في صدق نبوءته، بل هو تنافس في الزعامة ويقر أبو جهل بذلك، في حواره مع الأخنس بن شريق، فقال أبو جهل: لقد كنا وبني عبد المطلب كفرسي رهان (سباق)، أطعموا الحجيج فأطعمنا، وسقوا فسقينا، فقالوا: منا نبي، أنى لنا بهذا؟!

أظن الآن قد اتضح ما أعنيه من عنوان مقالي، وأن القارئ قد أيقن معي أن أبا جهل خير في خلقه من أولئك، بل ربما كانت المقارنة بينهما ظلما، وربما لو عاش أبو جهل ونحن نقارن بين أخلاقه وأخلاقهم لرفع علينا دعوى سب وقذف، ولكان ذلك من حقه، ولأوجب علينا الاعتذار لشخصه الكريم!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق