الأربعاء، 24 ديسمبر 2014

فيفيان تُخرج الخشبة من عين البابا

فيفيان تُخرج الخشبة من عين البابا


وائل قنديل


أما فيفيان فهي تعرّف نفسها هكذا "هل تعرف من أنا؟.. أنا إنسانة خاطئة، أدرك كل عيوبي، وأعمل على تصحيحها، كما دعاني الإنجيل، بأن أترك ما مضى وأتبعه (أتبع الله)، فأنا إنسانة فانية، لي ما لي، وعليّ ما عليّ، ومن الممكن أن تكون الحسنة الوحيدة التي حدثت في حياتي، وأعطتني إيماناً بنفسي، ووثقت فيها أن الله يحبني، وأن الله محبة، هو أنه سمح لي أن أحمل جسد شهيد بيدي، ليموت على يدي، ويترك خلفه العالم، وأقله إلى المستشفى القبطي، ومن هناك، أذهب كي أرسله إلى مكانه، تحت مذبح كنيسة الملاك ميخائيل بمدينة السادس من أكتوبر".
وأما البابا فهو تواضروس الثاني، بطريرك الكرازة المرقسية في مصر، الذي بلغ به الولع بعسكر الانقلاب، أن قرر أن يبيع دماء شهداء مذبحة ماسبيرو، أكتوبر/تشرين الأول 2011 في مصر، بحسب تعبير فيفيان مجدي، في مقالها المدوي المنشور على بوابة 25 يناير المصرية أمس.
فيفيان مجدي قطعة من ضمير مصر، لم يصبها التلوث، حقوقية محترمة ونشيطة في منظمة دعم الليبرالية والتنمية المجتمعية، وقبل ذلك هي خطيبة مايكل سعيد، أحد شهداء مذبحة ماسبيرو وثورة يناير، وواحدة من هؤلاء المتشبثين بخيوط الحلم الذي ولد في 2011، وتجري، الآن، محاولة سحقه والقضاء عليه قضاء مبرماً.
لم تستطع فيفيان السكوت على محاولة رأس الكنيسة المصرية إهالة التراب على هذا الحلم، في حواره المنشور في صحيفة إسبانية، وفيه يبرّئ حسني مبارك ونظامه، ويبرّئ العسكر من دماء شهداء ماسبيرو الذين شاهد العالم دهسهم تحت جنازير المدرعات، على الهواء مباشرة، بقوله إنه لا يعلم الفاعل.
صرخة فيفيان التي تدوي في الفضاء الإلكتروني، منذ يومين، تجسد، بجلاء تام، الأزمة الوجودية التي يعيشها جمهور ثورة يناير، مع تصاعد شدة القصف، وارتفاع وتيرة عمليات المحو والإبادة لآثارها.
وكالعادة، وجدت نفسها في مرمى نيران كائنات الثورة المضادة التي تحاول افتراسها بالتكفير الديني والتخوين الوطني.
وأذكر أنه قبل أن تزول آثار دماء شهداء ماسبيرو من فوق الأرض، كتبت "اقرؤوا الأحداث جيداً، قبل ثلاثة أسابيع فقط من ثورة 25 يناير، كان هناك من يحاول تجهيز المسرح المصري لحرب طائفية، لا تبقي ولا تذر، مستغلاً فاجعة تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية في عيد الميلاد المجيد".
كانت سحب الاحتقان تتجمع، وتكاد تحجب رؤية المصريين تاريخهم ومستقبلهم، وبدا وكأن هناك من وقف وراء صناعة ذلك المشهد الإرهابي من أجل صياغة واقع سياسي شديد الانحطاط، إذ كان نظام مبارك قد أتم جريمة الانتخابات البرلمانية الممهدة للتوريث، وشرع في إجراءات فرض جمال مبارك قيصراً جديداً على الأمة.
وكما كان تفجير القديسين من صنع شياطين الداخل، قصد به دفع البلاد إلى جحيم اقتتال طائفي يشكل جداراً عازلاً بينها وبين حلم التغيير، كانت جريمة ماسبيرو فرصة لامتدادات نظام مبارك، لإغراق ثوار يناير في أتون الطائفية.
وكما نجحت مصر الشعب في امتحان كنيسة القديسين، ولم تخيب ظن محبيها، وجاء الرد سريعاً وبليغاً ومزلزلاً في 25 يناير، حين تعانقت دماء المسيحي والمسلم على أرض التحرير، كذلك نجت من كمين مقتلة ماسبيرو حين حاولوا توظيف الكارثة، وتصويرها على أنها مظاهرات قبطية عدوانية ضد الدولة، بل إن من "كائنات ماسبيرو الغريبة" من أتى بخطاب ساقط، يحرض فيه المصريين للقتال ضد "أقباط يعتدون على الجيش".
ومع اقتراب الذكرى الرابعة لثورة يناير، وفيما تدور على الأرض محاولات جادة لإعادة الاصطفاف في مواجهة دولة مبارك "المعدّلة"، كان لابد من استدعاء الخطاب القديم لنظام مبارك، فيخرج البطريرك من تحت قلنسوته شهادات براءة مبارك والعسكر، ويتحدث كرجل حكم سياسي، فارضاً شروطه للقبول بالإخوان المسلمين في المجتمع المصري، محدثاً جلبة عقائدية، تسوق الجميع إلى اشتباك طائفي مقيت.
من هنا، تكتسب كلمات فيفيان مجدي قيمتها الإنسانية والثورية، وهي تحاول أن تخرج الخشبة من عين البابا، قبل أن يتحدث عن القذى في أعين الآخرين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق