عشرة تواريخ أندلسية بأيدٍ أندلسية
بمناسبة ذكرى النكبة الأندلسية الـ 523، رشحنا لك في المقال الماضي عشرة كتب معاصرة لفهم تاريخ الأندلس، ووعدناك حينها بهذا المقال:
وهو التواريخ الأندلسية التي كتبتها اليد الأندلسية، لكي تقرأ التاريخ ممن عاشه بكيانه فسمع ورأى أهل الأندلس وملوكها وعلماءها، وسرح ومرح في رياض الأندلس وجنانها ومروجها، وعاين بنفسه – أو بشهود العيان- أمور حربها وسلمها، وذاق ترفها ولهيبها، وغشي بصره نورها ونارها!
ولا يصبر على قراءة كتب التاريخ القديمة إلا من له شوق وولع يتغلب به على ما يضايق القارئ المعاصر من غرابة الألفاظ والتراكيب وعسر أساليب القدامى في الوصف والتصنيف والتقسيم والإسهاب أحيانًا، والإيجاز أحيانًا، وغير هذا مما هو معروف. لكن اللذة التي تتحقق بعد هذه المشقة لذة لا توصف، لأن المرء يكاد يلمس الأندلس بيده في ظلال هذه الكتب!
ومثلما فعلنا في المقال الماضي فقد قسمناها لك إلى مستويات أيضًا:
المستوى الأول: المختصرات
1. أخبار مجموعة:
ومؤلفها مجهول، ويتوقع بعض الباحثين أن يكون تأليفه لمجموعة وليس لواحد، ويرى المستشرق الإسباني الخبير خوليان ريبييرا أنه من مذكرات أسرة أموية واحدة، لكن أحدهم اهتم بأخبار السياسة، والآخر بأخبار الفقه والدين، والثالث بأخبار العلم والأدب. وهو مهم في أخبار فترة الفتح وما جرى بعدها من نزاعات بين العرب قبل إنشاء الإمارة الأموية على يد عبد الرحمن الداخل. وإن كان تأريخه مستمرًا حتى خلافة عبد الرحمن الناصر. وهو في 140 صفحة فقط!
2. تاريخ افتتاح الأندلس:
لابن القوطية، وسُمِّي بهذا الاسم لأن جدته العليا سارة حفيدة غِيطْشَة ملك القوط التي تزوجت فيما بعد بأحد موالي الأمويين، وابن القوطية هو أستاذ العالم الأندلسي الشهير ابن الفرضي صاحب “تاريخ علماء الأندلس”، ومزية هذا الكتاب أنه مصدر قديم عن المجتمع الأندلسي غير العربي، وإن كان قد تجنب اليهود والنصارى(1).
3. رسالة فضائل أهل الأندلس:
للإمام العلم البحر الكبير ابن حزم، والتي كتبها يدافع فيها عن حظ أهل الأندلس من العلم والأدب والفن، وهي رد على رسالة وصلت لابن حزم تشكو ضعف الأندلسيين في تخليد ذكر علمائهم. فأخذ ابن حزم يسيل بقلمه حتى أوفى، مع ملاحظة أن الأندلس استمرت بعد ابن حزم أربعة قرون أخرى!
المستوى الثاني: المطولات
4. المقتبس من أنباء أهل الأندلس:
لابن حيان الذي هو شيخ مؤرخي الأندلس قاطبة، وتاريخه أنفس تاريخ كُتِب في تاريخها، ومن المؤسف أن كل كتبه مفقودة إلا أجزاء من “المقتبس” وأجزاء أقل كثيرًا من “المتين”، والأول كان عشرة مجلدات والثاني كان ستين مجلدًا!!
وقد اجتهد المؤرخون في جمع ما تناثر من المقتبس والمتين، وكان ما وجدوه من المقتبس أكبر بكثير، ولكن الذي وجدوه هذا بديع في الوصف، دقيق في التاريخ، ممتع إلى أقصى حد مع ما فيه من نفع كبير. وقد جعله الإمام ابن حزم مما يفخر به أهل الأندلس على من سواهم. والقطعة المتاحة منه على الإنترنت هي جزء من عصر عبد الرحمن الناصر حققها ونشرها د. محمود مكي، وقدم لها ببحث ممتع عن شخصية ابن حيان وعصره.
5. البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب:
لابن عذارى، وهو من أشهر مصادر التاريخ الأندلسي والمغربي، وقيمته الكبرى في أنه حفظ لنا بين نصوصه كثيرًا من نصوص الكتب المفقودة، ومن المفارقات أن معلوماتنا قليلة عن صاحب التاريخ، لكن كتابه من أهم المؤلفات في بابه.
6. الإحاطة في أخبار غرناطة:
لابن الخطيب، لسان الدين ذي الوزارتين، الغني عن التعريف، المشهور في كل مكان، وصاحب القصيدة التي حوت البيت المحفوظ “جادك الغيث إذا الغيث همى .. يا زمان الوصل بالأندلس”، وكتابه هذا وإن كان عن تاريخ غرناطة إلا أنه حوى تاريخ الأندلس بالتبعية.
وهو مؤلف على طريقة علمائنا في التأريخ للبلد وخططها ومميزاتها، ثم الترجمة لمن مر بها أو عاش فيها أو حكمها، وفي ظل هذه التراجم يجتمع للقارئ صورة شاملة للتاريخ الغرناطي والأندلسي، وكثير من التاريخ المغربي، وبعض المشرقي أيضًا.
وعلى الرغم من حياة ابن الخطيب الحافلة بالمشاغل – سواء أكانت الوزارة أم المحن- إلا أن كتبه تبدو وكأن الذي كتبها مؤلف رائق البال طيب الحال هادئ الخاطر، فلله دره!
7. نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب:
للمَقَّري التلمساني، وقد كُتِب هذا الكتاب بعد سقوط الأندلس، فهو ممزوج بالحسرة عليها فائح براحة الشوق إليها، وقد كان السبب في تأليفه عجيبًا؛ وذلك أن المؤلف كان في زيارة لدمشق، وهناك فوجئ بجهل الناس بلسان الدين بن الخطيب – وهو يكاد يكون أشهر شخصية أندلسية- فعزم على تأليف كتاب عنه.
ثم اتسع التأليف وتفرع فصار أكبر من كونه تعريفًا بابن الخطيب، فأكمله ليكون تاريخًا للأندلس، وجعل اسمه “نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، وذكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب”، وهذا الكتاب من أجمع تواريخ الأندلس.
المستوى الثالث: كتب متخصصة
8. تاريخ علماء الأندلس:
لابن الفرضي العالِم القاضي الأديب، ويعد كتابه هذا أول كتاب معروف في التاريخ لعلماء الأندلس، ورتبهم على حروف المعجم، مع مقدمة في غاية الاختصار لأمراء الأندلس منذ عبد الرحمن الداخل إلى هشام المؤيد بالله.
9. الصلة:
لابن بشكوال، وهو تلميذ الفيلسوف المشهور ابن رشد، وكتابه هذا – كما يشير اسمه- ملحق لكتاب ابن الفرضي “تاريخ علماء الأندلس”، فصار الكتابان مادة غنية يُعرف منها علماء الأندلس ونوابغهاز
وقد طال عمر ابن بشكوال حتى انتشر علمه وتلقى عنه الكثيرون، ومن المفارقات أن الله هيأ له من يستكمل كتابه هو مثلما استكمل هو كتاب ابن الفرضي، فجاء الأديب المشهور ابن الأبار وكتب كتابه الذي سماه “التكملة لكتاب الصلة”.
10. طوق الحمامة في الإلف والأُلَّاف:
للإمام ابن حزم، وهو كتاب مشهور بين المحبين العاشقين، بل بين كل من رقَّت قلوبهم وحسنت أذواقهم، ففيه من رقة القصص ولوعة الشعور وجمال اللغة وبديع التعابير ما يحرك قلب أي بشر لم تنتكس فطرته ولم يغلظ طبعه. والكتاب وإن كان في الحب والعشق، إلا أنه من وجه آخر صورة للحب في الأندلس ولقطة شديدة الخصوصية والعمق في تضاعيف المجتمع.
وبعد هذا لا بد أن نذكر بأن هذه عشرة كتب فقط من كل المصادر الأندلسية التي وصلتنا، والذي لم يصلنا منها أكبر مما وصلنا بكثير.
فنحن حتى الآن نفتقد كتاب أبي حيان –شيخ مؤرخي الأندلس- المفصل لتاريخها، كما نفتقد كتاب ابن شهيد والذي وُصِف بأنه في مائة جزء يعرض فيها تاريخ مائتين وخمسين سنة، منذ عام 40 هـ حتى أيامه (ت 392 هـ).
وغير ذلك من أسفار لا ندري هل سيكشف عنها الزمان وتخرجها الأرض من خزائن مجهولة أو مخبوءة أم ستُطوى في صحائف النسيان أبد الدهر؟!!
المصادر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق