الثلاثاء، 30 ديسمبر 2014

حسام الغمري يكتب : ضُبط متلبسا بممارسة مهنة القضاء في مصر

حسام الغمري يكتب : ضُبط متلبسا بممارسة مهنة القضاء في مصر

سيادة المستشار فلان
لقب شيك .. لقب فخم .. لقب ليه هيبه
كنا جميعا نشعر بروعة هذا اللقب حتى جاء بيان 3 يوليو الكاشف لسوءة هذا الوطن ، ويال سعادة أي واحد فينا نحن الشعب العادي من علماء وكتاب واساتذة جامعات حين كان يحصل على رقم هاتف في جواله مسجل باسم سيادة المستشار فلان ، كم كنا نلقاهم بانتباهة كانتباهة الجنود في الصف ، ومصافحة تليق بتلك القامة الكبيرة ، كنا نعتقد انهم القلعة التي لا يمكن أن تسقط ، كنا نراهم الحصن الأخير .
ولكن .. ماذا لو كان من ضمن معارفك اليوم احدهم ؟
تسكه على قفاه على طول
ولو قاعد جنبك في الكافيه تحط رجل على رجل في وش اللي جابوه
ذلك لأن الراقصة التي تتعرى من أجل رزقها أشرف بكثير من هؤلاء ، لان الراقصة لا تخدعك أثناء ممارسة مهنتها ، لا تكدس الثروات ثمنا لتمكين اعداءك موالاة اليهود ، الراقصة لا تخونك يا عزيزي ولا تجبرك على المثول امامها بقوة – ” هأأو ” – القانون .
لم أشعر بمرارة الخيانة بعد بيان 3 يوليو من الجيش الذي كان يسعى من بعد ثورة يناير لاستعادة عزبة أبوه التي وضع يده عليها في عام 52 ، ولا من الداخلية التي كنت اعلم يقينا ان ضباطها يمتلكون من التشوهات النفسية ما ان وّزع على العالم كله لكفاه وفاض حتى كوكب زحل ، ولا من الاعلام الذي كنت اعلم ان رموزه على قدر من الفساد الشخصي يجعلهم عبيدا لمن دفع … ولكن الصدمة كل الصدمة والخيانة كل الخيانة جاءت من القضاء المصري الذي كنا نلتمس له الاعذار رغم اداءه البطيء المترهل المغيب للحقوق طويلا ، رغم الانتخابات التي كانت تزور امام ناظرينا ، كنا نلتمس له الاعذار رغم الوساطة الفجة التي كان يصل بها القاضي الى منصة قضاءه ، كنا نلتمس لهم الاعذار ربما لان املنا الاخير كان معقودا عليهم .
ولكن .. كيف اصبح الشامخ في مصر سُبّه ومعيره ؟
كيف ذاب الفارق بين أن تكون قوادا وبين ان تكون قاضيا ؟
عرفت مصر القضاء بالشريعة الاسلامية منذ الفتح العُمري ولم يسجل التاريخ طوال هذه المدة أي تجاوزات قضائية رغم اختلاف المذاهب ، والتعصب في ذلك ، وان كانت
 مصر في النهاية أقرب الى الحنفية ، ولعلنا تذكر جميعا مسلسل القضاء في الاسلام باجزائه العديدة قبل ان يختفي الانتاج الديني من مصر ، واستمرت الاحوال كذلك قرونا طويلة حتى وصل رئيس وزراء ( يسوعي ) الى سدة الحكم – باغوص نوبار باشا – في عهد الخديوي سعيد ، فأوحى اليه بانشاء محاكم اهلية تحكم بقوانيين وضعيه مستوحاة من القانون الفرنسي تارة ومن البلجيكي تارة أخرى ، حتى فقد المصريون في النهاية حكم الشريعة تماما في عام 1883 م ، ابان الاستعمار الانجليزي على مصر .
ورغم ابتعاد الشريعة الا ان حكومة الوفد استطاعت استصدار قوانيين تكفل استقلال القضاء تماما في عام 1943 م ، ونستطيع ان نجزم ان مكانة القضاء المصري في تلك الحقبة كانت كبيرة في وجدان المصريين .
ثم جاء العسكر الى الحكم بديكتاتوريتهم المأفونة التي لا تقبل في الحكم شريك ، وبدأت الاعيبهم القذرة بتجنيد العمال بالمال والإرهاب المحاكمات العسكرية، والمحاكمات الاستثنائية، وقد عرفنا جميعاً من خلال مذكرات عبداللطيف البغدادي – وهو أحد أعضاء تشكيل ما يسمي بالضباط الأحرار – كيف كان العمال يؤجرون لعمل المظاهرات؟ بل وصل بهم الأمر إلي حد توجيههم لضرب القاضي الشريف »عبدالرازق باشا السنهوري«، في مكتبه وهو رئيس مجلس الدولة بمعرفة حفنة من البلطجية، وهؤلاء العمال اقتحموا علي »السنهوري باشا«، مكتبه اعتدوا عليه .. 
وثبت أيضاً أن »السنهوري باشا« رفض مقابلة » المقبور عبدالناصر« عندما زاره في مساء ذلك اليوم للاطمئنان عليه ولنفي التهمة عنه وهذه الواقعة ثابتة وذكرها »البغدادي«، بأن زعيم المعتدين قبض من »جمال عبدالناصر« أربعة آلاف جنيه ثمناً لفعلته هذه، وللعجب كانت هذه المظاهرات المأجورة تهتف بسقوط الديمقراطية والحرية وكانت تنادي بالديكتاتورية !!
وهذه كانت أول ضربة توجه للقضاء ، وبالتالي توجه أيضاً للحريات .. واستمرت المحاكم الاستثنائية في الفترة الناصرية تمارس أعمالها القضائية وتصدر أحكامها الظالمة علي بعض فئات الشعب بطريقة مهينة ، ومشينة مهملين قضاء مصر الحقيقي .
وتطور الأمر مع المقبور عبد الناصر أصل الشرور وصولا بما سميّ بمذبحة القضاء عام 1969 وتم خلالها عزل رئيس محكمة النقض ، وأكثر من نصف مستشاريها وناهز عدد القضاة المعزولين حوالي مائتي قاضٍ من القضاة المتمتعين بحصانة عدم القابلية للعزل بغير الطريق التأديبي طبقاً للقانون ، أما أسباب هذه الكارثة، وإذا شئنا الدقة فقد كان وراءها سبب غير مباشر وهو هزيمة يونيو 1967 وما تبعها من آثار نفسية وعصبية علي النظام العسكري ، وعلي من كانوا علي صلة به من أعضاء التنظيم السري الطليعي في الاتحاد الاشتراكي، وللأسف الشديد فقد كان بعض رجال القضاء ومجلس الدولة منخرطين في هذا التنظيم كما تبين لنا فيما بعد، وكانوا معدودين علي أصابع اليدين وكان بعضهم يكتب التقارير السرية عن زملائه إلي القيادة السياسية يومياً بما كان يدور من أحاديث في نادي القضاة ، ومجالس القضاة الخاصة ، حيث كانت هذه مهمة أعضاء ذلك التنظيم وبهذا الأسلوب بدأوا في إثارة غضب الرئيس »جمال عبدالناصر« بصورة متصاعدة ضد القضاة. 
وفي الوقت ذاته، كان الرئيس »عبدالناصر« يلح علي المستشار »عصام حسونة« وزير العدل في أن يشكل تنظيماً سرياً من القضاة !!
وكان الوزير غير مقتنع بهذه الطريقة لتعارضها مع أخلاق القضاة، فكلف »عبدالناصر« وزير الداخلية »شعراوي جمعة« بتشكيل جماعة قيادية لهذا التنظيم الخاص بالقضاة ، فشكلها وزير الداخلية من عدد من رجال القضاء المعروفين بفسادهم الشخصي ، وهي واقعة حدثت لأول مرة في تاريخ القضاء المصري منذ نشأته وحتي هذه الكارثة التي أطلق عليها »مذبحة القضاء«. .
وبتولي وزارة الداخلية ملف هذا التنظيم الخبيث مات القضاء في مصر رسميا ، لان هذا التنظيم كان مهمته الأولى تنصيب اعضاءه في المناصب العليا داخل السلك القضائي ، وكانوا يُنتخبون بعناية ، بمعنى يتم اختيار الأفسد ثم الأفسد ، ثم الأفسد الذي يليه ..
حتى جاء مبارك واضاف داء الثوريت الى القضاء ، ولعل الأب القاضي كان يوحي لابنه القاضي بأنه كلما كان أكثر فسادا ، كلما رضي عنه النظام العسكري وأرضاه .
ولم يكتفي مبارك بذلك ، بل أرسل بعض ضباط أمن الدولة الى منصة القضاء مباشرة ليخلق محاكم استثنائية بمكياج رديء يجعلها تبدوا طبيعية ، حيث كان مبارك يحول الى هؤلاء القضاة – الأمنجية – القضايا التي كان يريد استصدار احكام خاصة فيها ، احكام تروق له ، وتروق لنجله من بعده .
هؤلاء الاراجوزات – القضاة – لم يفزعهم شيء بقدر ما افزعتهم ثورة يناير التي لم تكتمل ، فاذا كان دورهم وراتبهم الكبير الذي يدفعه لهم النظام ، وسر وجودهم وبقائهم هو طمس العدالة وتمكين حكم العسكر ، فماذا اذا قام الشعب بثورة تهتف بالعدالة ؟
واستطيع ان أقسم لكم أني رصدت ذلك فيهم بنفسي ، وأقسم ان أحدهم قال لي ليلة انتخاب الرئيس مرسي في الاعادة : انا الدايرة اللي رايحها بكرة فيها 30 الف صوت ح أزورهم كلهم لصالح شفيق تقربا لله !!
نعم قالها هكذا ، سيزور تقربا لله .
وهذا المستشار هو من اعترف بصوت عالي في قلب ” الكافية ” الذي كان يجمعنا حين اجهدته وانا أعدد له مساويء حكم العسكر : انت بتستغل جهلي يا عم حسام وموش ح اعرف ارد عليك .
وحين تفحصته مليا بعد هذا الاعتراف الصارخ كررها دون حياء قائلا : أيوة انا جاهل مبنكرش .
ولكن هذا الجاهل يمتلك سيارتين احداهما يقترب ثمن احداهما من المليون جنية من راتبه !! ، يفتخر بصداقته للمطلقات ، واحيانا بالفتيات الصغيرات ، يُسرف في استخدام المنشطات الجنسية لعلاج آثار تدخين الحشيش .
ولولا الحرج لافصحت عن اسم سيادة المستشار هذا

“وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَىاللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ”

حسام الغمري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق