«روح» الثورة السورية: مقابلة مع هادي عبد الله

«روح» الثورة السورية: مقابلة مع هادي عبد الله

أحمد بن راشد بن سعيّد

الثورة كانت فكرة/ مرسومة على الحيطان/ لو بدنا نغيّر بكره/ كان لازم ننهي الطغيان/ الثورة كانت بذرة/ مغروسة بكل إنسان/ وسقاها الشعب بدمّو/ واتفجّر منها البركان
هذه الأبيات جزء من أغنية الشارة في برنامج «روح الثورة» الذي تنتجه مؤسسة بلاغ السورية الثورية، ويقدّمه المجاهد الحمصي، والمواطن الصحافي، هادي عبد الله، ويُبث كل خميس على يوتيوب، وعلى قنوات: أوريَنت، حلب اليوم، سوريا الغد، دير الزّور الفضائية، شدا الحرية، ووصال.
التقيت بهادي في إسطنبول، وسألته عن هدف البرنامج، فأجاب: الهدف هو توثيق أهم المحطات في مسيرة الثورة السورية، والتي تشهد أن ما يجري في سوريا هو ثورة شعب ضد عصابة مستبدة، وليس حرباً أهلية كما تشيع الدعايات الأجنبية، ولا حرباً على الارهاب كما تروّج الدعاية الأسدية. نريد من خلال البرنامج أيضاً أن نطمئن السوريين في الداخل والخارج على نقاء ثورتنا؛ وأن نؤكد لهم ضرورة استمرارها حتى إسقاط عصابة الأسد.
قلت له: هل هو محاولة لتحرير الثورة ممن يحاولون اختطافها؟ قال: نعم؛ محاولة لتذكير شعبنا بالرواية الأولى والوحيدة للصراع، وهي حقنا نحن الشعب السوري في التخلص من دولة بوليسية تغوّلت على مجتمعنا نصف قرن.
سألت هادي: لماذا كرّرت في الحلقة الأولى من البرنامج: هل ماتت الثورة؟ هل تخشى انطفاء جذوتها؟
أجاب: «لا، لكن ثمة من يشعر بعد كل هذه التضحيات باليأس، ويتساءل: ماذا كان ينقصنا لكي نثور؟ كانت الثورة حتماً لا خياراً. لم يكن السوري يشعر بإنسانيته تحت حكم آل الأسد. كانت حياته أشبه بالسّخْرة. كان يكدح ويبذل من قوت يومه لرئيسه في العمل لكي ينتزع الحد الأدنى من حقوقه كالتمتع مثلاً بإجازة نظامية.
إذا كنت مؤهلاً لعمل ما، أو منصب ما، فلن تحصل عليه، إذ سيختطفه من لا مؤهل له، ولا حظ أدنى من التعليم؛ لأنه فقط ينتمي إلى طائفة الأسد.
 قلت: الانتصارات الكبيرة التي يحققها الثوار تشهد بأن الثورة ماتزال مشتعلة.
قال: «الثورة مستمرة في قلوب الصادقين، وإن كانت ميتة في قلوب الخانعين والمتسلّقين. مرّت الثورة بمراحل ضعف وانكسار، لكنها في كل مرّة تصنع من ضعفها قوة، ومن انكسارها تقدماً. هي الآن تتقدم بعكس ما يرى بعض المتشائمين.
في الحقيقة، ثورتنا، بالنظر إلى معطيات الواقع، معجزة كبرى. يكفي أنها صمدت أربع سنوات، ليس في مواجهة عصابة الأسد فحسب، بل في مواجهة حلف دولي قذر يمتد من «حالش» (ميليشيا ما يُسمّى «حزب الله») في لبنان، إلى الحرس الثوري الإيراني، إلى ميليشيات شيعية من بلدان شتى، فضلاً عن دعم روسيا ودول أخرى، ومع ذلك فمازالت الثورة تحقق كل يوم مزيداً من المكاسب».
يضيف هادي: «لو كان الأمر مقتصراً على عصابة الأسد وحدها، لانتصرت الثورة منذ زمن. أغلب المقاتلين ليسوا من جيش الأسد، بل مرتزقة من الشيعة اللبنانيين والعراقيين والإيرانيين والأفغان وغيرهم. لقد كتب الله على هذه الثورة اليتيمة أن تواجه كل مجرمي العالم على أرض الشام المباركة، لكنهم يأتون إلى حتفهم بظلفهم. انظر إلى انتصارات وادي الضيف والحامدية التي ألقت في قلوبهم الرعب، وأصابتهم في مقتل».
قلت لهادي: دعك من الذين يستنكرون الثورة على الاستبداد، فالثورة بركان لا يأخذ إذناً من زعيم، ولا ينتظر فتوى من شيخ، لكن هناك من ينتقد عسكرتها، ويزعم أنها لو حافظت على سلميتها، لما ساءت الأمور إلى هذا الحد. 
«الذين يرددون هذا الكلام»، يجيب هادي، «لم يروا إطلاق النار الكثيف على المتظاهرين السلميين؛ لم يروا كيف كان الشبيحة يداهمون المنازل، فيعتقلون من يشاؤون، ويقتلون من يشاؤون. كان علينا أن نحمل السلاح دفاعاً عن نسائنا».
«معقول ييجي ياخذ مرتي أو أختي وأنا عم أتطلع؟ كيف بدها تظل سلمية؟ لا مانا سلمية أمام نظام لا يعرف إلا لغة القتل»، هادي مضيفاً باللهجة المحكية.
«نحنا ليش عملنا ثورة»؟ سؤال يسلّط هادي عبد الله الضوء عليه في الحلقة الأولى من برنامج «روح الثورة» مشيراً إلى أنه بدأ يدور في أذهان بعض السوريين وإن لم يبوحوا به، مجيباً عنه بما يلي: «راح نرجع للماضي شوي، وما راح ننكر أن الهواء بلاش، والكهرباء رخيصة ومعاها المَيْ، راح تقول: كنّا عايشين بسلام، كنّا ناكل ونشرب وننام، عدم المؤاخذة يا أخ، أنا عم أحكي عن حقوقك، ما عن حقوق الحيوان، خليني أذكّرك كيف كنّا عايشين، كنّا نعيش برحمة أصغر عنصر أمن، كان اللي يغلط معاه يعفّن بالسجن، وإذا شي يوم حطك ببالو بدون سبب، بتقرير واحد بتصير ورا الغيم وبتشوف العجب، ولمّا العنصر يغلط، لا لا عفواً هو ما بيغلط، بس الشعب بيغلط، والقانون قدّامو لا بيحل ولا بيربط، لمّا تعمّر غرفة صغيرة ع سطح البيت، حتى تجوّز ابنك، حتى تفرّح ابنك، حتى تشوف ولادو بحضنك، بس من بعد إذنك، لازم ورقة طابو، ولا حكم عليه، وطابع، ومعمل ترخيص وتمحيص وتفييش وفت عملة، ويمكن بالآخر تخسر كل شي وتصير الغرفة رماد، لأنك مخالف للقانون، وعم تشوّه المنظر الحضاري يا مجنون، بس لو غيرك عمّر أبراج كبيرة كبيرة كتير، يا حزرك راح تنهد؟ لا ما بتنهد! حتى لو ما فيه ترخيص، لأنه الغالي بيرخص للرخيص، واللي عندو واسطة ما بيقرّب عليه البوليس». 
وفي ختام الحلقة يقول هادي: «ولمّا الناس صبرت كتير، وفقدت الأمل بالتغيير، وصار الجرح كتير كبير، والبلد صارت مزرعة لبيت الأسد، وخيرات البلد سرقوها لولد الولد، والمستقبل ضاع، والمواطن جاع، والدين تشيّع وانباع، وما كان عند الناس خيار، فقامت ثورة آذار».
يستهل هادي الحلقة الثانية من البرنامج بالحديث عن بواكير الثورة، عندما خط أطفال درعا أحرفها الأولى على أحد الجدران: «الشعب يريد إسقاط النظام».
«كأن هؤلاء الأطفال»، يقول هادي، «قد كتبوا (تلك العبارة) على الجدار الذي بناه النظام بيننا وبينه؛ بناه من خوفنا وسلبيّتنا؛ بناه من القول الجبان: «نمشي من الحيط للحيط ونقول يا رب السترة»، بناه من (القول السائر)... «للحيطان آذان»، كما علّمنا آباؤنا، فأرضعونا من حليب الخوف، وربَّونا على مبدأ السلامة، ولو على حساب الكرامة». في الحقيقة، كانت رسالة صغار درعا موجهة إلى الكبار، وليس إلى «النظام»؛ رسالة مؤدّاها كلمات عصام العطار:
طال المنامُ على الهوان/فأين زمجرةُ الأسودْ/واستنسرتْ عُصبُ البغاثِ/ ونحن في ذلِّ العبيدْ / قيدُ العبيد من الخنوع/ وليس من زرَدِ الحديدْ / فمتى نثور على القيود / متى نثور على القيودْ؟
يحكي هادي في الحلقة الثانية لحظة تحطيم جدار الخوف في سوريا.
دأب «النظام» خلال خمسين عاماً على زرع الخوف فينا، يقول هادي، وكنا نظن أنه لا يُقهر.
 لكن حين ركل أحد الأبطال بقدمه صورة جدارية لحافظ الأسد، فمزّقها إرباً، أدركنا أنه أوهن من بيت العنكبوت.
«لم يمزق هذا البطل قطعة من ورق، بل مزق الخوف في داخلنا، فكانت لحظة سجّلها التاريخ».
 يدعو هادي السوريين إلى الوحدة بوصفها خشبة النجاة والتي لا غنى عنها لإسقاط حكم الطائفيين الهمج خاتماً الحلقة بقوله: «هذا الصنم الذي حطمناه بداخلنا لم يهو لوحده، ولكن حين اجتمعت جميع الفؤوس أردته رماداً بضربة واحدة...حين هدمنا حدود المناطق التي بناها النظام، وكسرنا جدار الصوت المناطقي، فصار الحمصي يسمع نداء ابن درعا، والديري يسمع نداء الحموي، وصارت صرخة الظلم تنتشر بيننا بأسرع من سرعة الضوء.
حين علمنا أن قوتنا في وحدتنا ثُرنا، وحين نعود إلى خلافاتنا ومناطقيتنا سيعود النظام جاثماً على رؤوسنا».
ماذا تقول للثوار؟ سألت هادي، فأجاب: الثورة بحاجتكم فلا تتركوها، لنتمسك جميعاً بأهدافها الأولى التي ضحى من أجلها شهيدنا وأسيرنا وجريحنا ومهاجرنا. تعالوا إلى كلمة سواء؛ أن نتفق على التخلص من عصابة الأسد، ونحرر سوريا منها إلى الأبد.

• @LoveLiberty


موضوع ذات صلة

برنامج روح الثورة - الحلقة الأولى